جرى ترحيل اللقاء المرتقب بين وزيري خارجية النظام السوري وتركيا، فيصل المقداد ومولود جاووش أوغلو، على الأرجح، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية المقررة في الرابع عشر من مايو/أيار الحالي، وبناء على ذلك تأجل الاجتماع على مستوى الرؤساء الذي جرى الحديث عنه منذ مطلع الشهر الماضي.
وكانت جولة جديدة على طريق تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري جرت على مستوى وزيري الدفاع، علي محمود عباس وخلوصي أكار ومسؤولي أجهزة الاستخبارات، في موسكو (بحضور وزير الدفاع الروسي والإيراني سيرغي شويغو ومحمد رضا أشتيان) في الخامس والعشرين من إبريل/نيسان الماضي (عقد لقاء أول ثلاثي على مستوى وزراء دفاع النظام وتركيا وروسيا في موسكو في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي) في الوقت الذي كانت الأنباء تتحدث عن مساع روسية لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية.
ورجّح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، يوم الجمعة الماضي، انعقاد الاجتماع مع وزير خارجية النظام خلال الأيام العشرة الأولى من مايو، بانتظار تواصل موسكو مع النظام.
وأوضح جاووش أوغلو، في تصريح لقناة "تي آر تي خبر" الرسمية، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول" للأنباء، أن روسيا اقترحت عقد الاجتماع على هذا المستوى خلال أول 10 أيام من مايو، وأن هذا الوقت يناسب تركيا. وشدّد على أن الاجتماع سيعقد في موسكو، وأن روسيا ستتحدث مع إيران والنظام بشأن تحديد الموعد النهائي وستبلغ تركيا بذلك، لافتاً إلى أن "انعقاد الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية خلال أول 10 أيام من مايو مرجح جداً".
تباينت حتى الآن الآراء بين النظام وأنقرة حول نتائج اللقاءات التي انعقدت
لكن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أكد، الأربعاء الماضي، أن الاجتماع الرباعي المقبل (تركيا والنظام وروسيا وإيران) سيُعقد في موسكو بعد إجراء الانتخابات في تركيا، مضيفاً: "أصدقاؤنا يعملون على تحديد تاريخ لاجتماع جديد".
جولات أولى في مسار محاولة التطبيع
وانطلق هذا المسار بمبادرة روسية في نهاية ديسمبر الماضي، بعد سلسلة من اللقاءات الأمنية غير المعلنة، وجرى الاتفاق على روزنامة لعقد سلسلة من الاجتماعات تبدأ بوزراء الدفاع ومسؤولي أجهزة الأمن، وهذا ما حصل، على أن يعقبه اجتماع وزراء الخارجية، للتمهيد للقاء على مستوى رئاسي.
وتعذّر عقد اجتماع على مستوى وزيري خارجية النظام وتركيا، فحصل لقاء على مستوى نواب الوزراء في الثالث من إبريل الماضي. وانضمت طهران إلى هذه الآلية بعدما كانت الاجتماعات تقتصر على روسيا وتركيا والنظام السوري، وقد تباينت في هذه الجولة الآراء حول النتائج، بصورة واضحة.
فبينما تحدثت تركيا عن اجتماعات بنّاءة، قال معاون وزير خارجية النظام، أيمن سوسان، إن إعلان تركيا انسحاب قواتها من الأراضي السورية سيكون شرطاً لبدء التقارب، وإعادة التواصل بين الجانبين. وأضاف أنه لا توجد حتى الآن مؤشرات "إيجابية" من الجانب التركي لتنفيذ "الضمانات" التي طرحها الجانب السوري سابقاً.
وسبق أن كشف النظام عبر وسائل إعلامه الرسمية مسألة "الضمانات" التي يجب أن تتعهد بها تركيا، كشرط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. كما قال إنها تخص انسحاب القوات التركية من سورية، ومحاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سورية، وبالأخص في منطقة إدلب.
وكان التقدير في الأوساط القريبة من أنقرة وموسكو بأن تصريحات سوسان من باب المزايدة، وأن الأجندة وضعتها روسيا، وسينعقد اجتماع وزراء الخارجية خلال إبريل، ليمهد لاجتماع على مستوى رئاسي قبل الرابع عشر من مايو.
والملاحظ هو أن من عطّل الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية هو النظام السوري، الذي أصرّ على الحصول على مسألة "الضمانات"، ما استدعى عقد جولة جديدة على مستوى وزراء الدفاع ومسؤولي أجهزة المخابرات لمناقشة "الضمانات" والقضايا الميدانية، وتأجيل اجتماع وزراء الخارجية مرة أخرى.
وكما في المرات السابقة، حصل تضارب في المواقف حيال نتائج الجولة الجديدة بين وفدي أنقرة والنظام السوري. فبينما تحدث بيان وزارة الدفاع التركية عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام، نفى مصدر في النظام السوري، في 25 إبريل، صحة المعلومات التي وردت في البيان التركي. وقال المصدر لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام، إن ما حصل في الاجتماع بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران والنظام "كان للبحث في آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ولم يتطرق الاجتماع إلى أي خطوات تطبيعية بين الجانبين".
وأعاد المصدر تحديد شروط النظام من أجل التطبيع أو العلاقة الطبيعية، بحسب وصفه، بين تركيا والنظام السوري، بأنها تعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، "وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية". وأشار إلى أن الانسحاب هو أول مسألة يجب أن يجري حسمها في مباحثات عملية التطبيع.
من جهتها، ذكرت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري، أن الاجتماع الرباعي بين وزراء الدفاع بحث انسحاب القوات التركية من سورية، وتطبيق الاتفاق في الطريق الدولي المعروف باسم طريق "أم 4" (حلب – اللاذقية)، وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها، خلال الجولات، الحديث عن هذه المسألة.
مسألة الضمانات عالقة بين تركيا والنظام
وكشف النظام عبر التلفزيون الرسمي عن مطالبه لتركيا بوضوح، لكي يتم تفعيل المسار السياسي، وحددها بتسليم كافة المناطق جنوب طريق "أم 4" من جسر الشغور وحتى اللاذقية، وتسيير دوريات روسية سورية تركية مشتركة ودفع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) 6 كيلومترات شمال الطريق، وذلك كبادرة حسن نية يقدمها الأتراك قبل تنفيذ "الضمانات".
ومن المعروف أن قضية فتح الطريق "أم 4" الذي يربط القامشلي بمرفأ اللاذقية ويمر عبر مدن الحسكة وحلب وإدلب، جرى التنصيص عليها في اتفاق سبتمبر/أيلول عام 2018 في اجتماع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان عقد في منتجع سوتشي الروسي.
من عطّل الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية هو النظام السوري، الذي يصر على مسألة "الضمانات"
وينص "اتفاق سوتشي" على استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين "إم 4" و"إم 5" (حلب – دمشق) بحلول نهاية عام 2018، بالإضافة إلى ترتيبات ميدانية لإبعاد "جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية" عن المنطقة منزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول.
وتضمّن الاتفاق في حينه أيضاً تسيير دوريات مشتركة بين القوات الروسية والتركية على طول الطريق من أجل تأمين حركة الأفراد، وانتقال البضائع، ولكن العملية تعطلت بسبب هجمات قامت بها "هيئة تحرير الشام"، وتوقف عمل الدوريات بصورة نهائية في عام 2021.
استفاد النظام من ذلك الاتفاق وشنّ هجمات على المنطقة خلال النصف الأول من 2019، أحدث من خلالها واقعاً ميدانياً لصالحه. ولكن بقيت أمام النظام عقدتان، هما وضع الفصائل المسلحة في محافظة إدلب، وفتح الطريقين الدوليين، المهمين على الصعيد التجاري.
ويبدو أن النظام أعاد الموقف في جولات موسكو إلى نقطة الصفر، من خلال ربط التقدم على المستوى السياسي، بما أسماه "الضمانات" التي تتعلق بفتح الطرقات، وتسليم محافظة إدلب التي تسيطر عليها "تحرير الشام". وبات حسم هذه النقاط منوطاً باجتماع الرؤساء.
وكان وزير الخارجية التركي قد تحدث قبل أيام عن أن لقاء القمة بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري، فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي ورجب طيب أردوغان وبشار الأسد، قد يعقد مطلع مايو الحالي، مضيفاً في حديث لقناة "تي في 100"، أنه كان هناك مقترح بشأن أوائل مايو، لكن لم يتم بعد الاتفاق على هذا الموعد، لأن الرئيس الإيراني يعتزم زيارة سورية في هذه الفترة، والعمل مستمر الآن لتحديد موعد هذا اللقاء.
وكان اجتماع وزراء الخارجية قد تأجل في فبراير/شباط الماضي بحجة الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 من الشهر ذاته، ولكن مصادر مطلعة أكدت أن سبب التأجيل هو الضغط من طرف إيران التي فرضت نفسها شريكاً في اللقاءات، التي اقتصرت في البداية على روسيا وتركيا والنظام.
وقالت المصادر إن رئيس النظام السوري يستمع إلى الإيرانيين أكثر من الروس، ولا يتخذ قراراً من دون موافقة إيرانية مسبقة، ولذلك هناك معلومات متداولة بأن لقاء أردوغان والأسد ربما يحصل خلال زيارة الرئيس الإيراني المرتقبة إلى دمشق.
وتريد طهران أن تقطف ثمار هذا الإنجاز من جهة، ومن جهة ثانية تصر على أن يحصل لقاء الأسد وأردوغان في دمشق وليس في موسكو، وبدلاً من أن يجري اللقاء في عاصمة ثالثة تعمل طهران على تنظيمه في دمشق، ليبدو الرئيس التركي وكأنه هو من جاء لمصالحة الأسد، ولهذا معنى رمزي كبير بالنسبة لرئيس النظام السوري.
وثمة من يعزو تشدد النظام إلى السير في هذه الاستراتيجية، وتأتي المماطلة وعدم البت في أي قضية، من أجل إحالتها إلى اجتماع الرئيس التركي برئيس النظام السوري، بدلاً من حلّها في اللجان المشتركة، وبذلك يفرض النظام السوري شروطه. وهذا هو السبب الذي أدى إلى ترحيل اللقاء إلى ما بعد الانتخابات التركية.
وكانت ورقة اجتماع أردوغان بالأسد ذات قيمة عالية قبل موعد الانتخابات التركية، لجهة حصول اتفاق أولي من حول عودة اللاجئين، إلا أن النظام السوري لم يكن في وارد تقديمها للرئيس التركي بلا مقابل، وكما ظهر من التكتيك الإيراني، فإن إدارة هذا الملف لم تكن سهلة، بسبب تعقيداته الكثيرة.
تركيا هي الأخرى كانت لديها شروطها حول اللقاء، أولها الاتفاق على خريطة طريق تتضمن عدم فرض شروط مسبقة، ودراسة المرحلة السياسية ومكافحة الإرهاب، وإحلال الاستقرار في سورية، بحسب ما ورد على لسان وزير الخارجية التركي.
واعتبر جاووش أوغلو أن شروط النظام في المحادثات "غير مناسبة"، خصوصاً في ما يتعلق بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، لافتاً إلى عدم وجود نية لبلاده للانسحاب خلال الفترة القريبة المقبلة. وقال: "انسحابنا من شمال العراق وشمال سورية، يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من حدودنا، وهذا يشكل تهديداً لأمننا القومي".
تحاول إيران عقد لقاء رئاسي في دمشق وقطف ثماره
هناك تعقيدات أخرى كانت ستجعل من نتائج اللقاء على مستوى الرؤساء في حال حصوله متواضعة جداً، وأولى المعضلات التي تبدو بلا حل في المدى المنظور هي قضية اللاجئين السوريين في تركيا، الذين يصل عددهم إلى حوالي أربعة ملايين.
تركيا تضغط من أجل إعادة القسم الأكبر من هؤلاء إلى بلدهم، وهي تعمل من أجل ذلك منذ حوالي عام، وقد نجحت في إعادة عشرات الآلاف إلى محافظتي إدلب وحلب والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل المتحالفة معها.
أما في ما يخص النظام، فإنه لم يقدم على خطوة ملموسة حتى الآن بشأن عودة طوعية وآمنة للاجئين، وهذا ينطبق على كافة اللاجئين في تركيا وغيرها، الأمر الذي لا يمكن معه الخوض في هذه المسألة على نحو جاد. ويسود اعتقاد بأن النظام ومن خلفه إيران، يرفضان عودة اللاجئين.
وهناك ثلاث أوراق مهمة على طاولة المفاوضات، تتعلق بمستقبل كل من "هيئة تحرير الشام"، القوة العسكرية الكبيرة في محافظة إدلب والمصنفة إرهابية، والفصائل العسكرية التي تسيطر على المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام، في أرياف حلب وإدلب وتل أبيض ورأس العين، بالإضافة إلى "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد).
وفي مقياس ميزان القوى، تميل الكفة لصالح تركيا المتحالفة مع الفصائل، ولها تأثير على "هيئة تحرير الشام"، بينما ليس للنظام أي حضور أو تأثير في هذه المناطق، وبالتالي ليس في وسعه تحقيق مكاسب من دون تقديم تنازلات فعلية لتركيا، سواء حصل اجتماع الرؤساء أم لم يحصل.