مع الإعلان عن اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري واثنين من قادة كتائب "القسام"، مساء الثلاثاء، في الضاحية الجنوبية ببيروت، أحدهما عزام الأقرع ابن بلدة قبلان جنوب نابلس، عاد الفلسطينيون لاستذكار القائد القسامي وسيرته النضالية منذ إبعاده إلى مرج الزهور.
ولد الأقرع في الحادي والثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول عام 1969، أي أنه أتم الرابعة والخمسين من عمره قبل أيام قليلة فقط من اغتياله، ودرس الصفوف الأولى في مدارس بلدته، قبل أن يتركها ليساعد والده في العمل والتكفل بالعائلة المكونة من أحد عشر نفراً.
ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 الذي شهد كذلك انطلاق حركة حماس، كان من أوائل المنتمين لها، ولم يكد يبدأ العام الثاني للانتفاضة حتى اعتقل لأول مرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي لتسعة أشهر، بسبب مقاومته للاحتلال.
إبعاد إلى "مرج الزهور"
وكان التطور البارز في حياة الشهيد مع بداية عام 1992، عندما أعاد الاحتلال اعتقاله بعد فترة مطاردة، وأبُعد مع نحو 415 من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى منطقة "مرج الزهور" في الجنوب اللبناني، حيث صقلت تلك التجربة على صعوبتها شخصيته وعرّفته على قيادة الحركة السياسيين والعسكريين. ومع عودة المبعدين منتصف عام 1993، قرر الأقرع عدم العودة وبقي في الخارج.
يقول شقيقه حسام الأقرع لـ"العربي الجديد": "انتقل أخي لسورية ومكث فيها عدة سنوات، وهناك التقى بأخي الكبير عزمي الذي انخرط في الثورة الفلسطينية في الخارج منذ عام 1973، واستشهد عام 1997، ولاحقاً تنقل بين عدة دول، مثل مصر وتركيا ولبنان، وكان يرفض الزواج لأنه كما قال لنا إنه مشروع شهيد، ولكن بعد استشهاد شقيقنا عزمي ارتبط بأرملته ليربي أطفاله الأيتام، وأنجب منها ولدين أيضاً هما عبد الله وعبد الرحمن".
الاحتلال منع عائلته من التواصل معه
الدور المقاوم لعزام أغاظ الاحتلال، فعمل على التضييق على عائلته. يقول حسام: "قبل 18 عاماً تقريباً، وتحديداً في عام 2006، كانت تلك آخر مرة أسمع فيها صوته، بعد أن تحدثنا هاتفياً لدقائق فقط، اطمأن فيها على أبناء العائلة، وما إن أغلقت سماعة الهاتف، حتى جاءني اتصال من ضابط كبير في جهاز المخابرات الإسرائيلية وطلب مني الحضور على الفور لمركز التحقيق القريب من بلدتنا".
ويضيف حسام "وجه لي الضابط تهديداً عنيفاً في حال تواصلنا مجدداً مع أخي بالاعتقال والتنكيل. وأصدر قراراً عسكرياً بمنعي من السفر لسنوات طويلة. لاحقاً ومع كل عملية للمقاومة الفلسطينية يقتحم جنود الاحتلال بيتنا وينكلون بنا جميعاً. لا لشيء إلا لكوننا عائلة عزام، الذي يعتبرونه مصدر قلق كبير لهم".
ويشير إلى أن العائلة لم تجتمع معاً في مكان واحد منذ أكثر من خمسين عاماً، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، قائلاً: "أخي عزمي خرج وهو فتى من فلسطين والتحق بالثورة، ومن ثم استشهد، وأخي عزام كذلك لم يعد بعد الإبعاد، حيث كانت والدتي حلقة الوصل الوحيدة بيننا، وكانت تسافر وتلتقي بهما".
اشتداد ملاحقة عزام الأقرع
وخلال العامين الماضيين، اشتدت ملاحقة الاحتلال للشهيد عزام الأقرع، وتحديداً في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، حين اتهمه الاحتلال بالمسؤولية عن خلية خططت للعمل على اختراق شبكة الاتصالات الإسرائيلية "سيلكوم".
حينها ادعى جهاز المخابرات الإسرائيلي "الشاباك" كشفه لـ"خلية سايبر" بقيادة مهندس برمجة إلكترونية من فلسطين المحتلة عام 1948، قال إنها نقلت معلومات أمنية خطيرة عن إحدى شبكات الاتصال، لحركة حماس. وقال حسام: "إن هذه الخلية عملت في تركيا بإشراف مباشر من الشهيدين الشيخ صالح العاروري والأقرع شخصياً".
وشملت لوائح الاتهام بنوداً سرية ولم تنشر نيابة الاحتلال إلا قليلاً منها، وقالت إنه "عقب النشاط المشترك لجهاز الأمن العام (الشاباك) والوحدة القُطرية الإسرائيلية لمكافحة الجرائم الخطيرة والدولية، قدمت وحدة السايبر في مكتب النيابة العامة للدولة لائحة اتهام إلى المحكمة المركزية ضد ثلاثة فلسطينيين من الداخل المحتل بتهم ارتكاب مخالفات أمنية خطيرة متعلقة بتسليم معلومات حساسة، على نطاق واسع، إلى منظمة حماس في تركيا وتعريض البنية التحتية الإلكترونية لشركة (سيلكوم) لخطر جسيم، خلال حملة عسكرية مستقبلية لدولة إسرائيل".
وبعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، داهم الاحتلال منزل عائلة الأقرع واعتقل حسام وعدداً من أفراد العائلة، وسط تنكيل وإهانة كبيرة، وحذرهم من أي اتصال مع عزام.
ويؤكد حسام أن أخاه كان فعلاً "مشروع شهادة" وختم بقوله: "35 عاماً من الجهاد والمقاومة كانت نهايتها مشرفة، ونحن نفخر به وبجهاده".