دعا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، أمس الإثنين، إلى جلسة لانتخاب رئيس للبلاد في 14 يونيو/حزيران الحالي، تحمل الرقم 12، وذلك بعدما أقفل أبواب المجلس النيابي منذ 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بانتظار حصول نوعٍ من التوافق السياسي بشأن اختيار رئيس جدي للجمهورية.
وأتت خطوة بري بعد إعلان قوى المعارضة والتيار الوطني الحر رسمياً أول من أمس الأحد، تأييد ترشيح وزير المال السابق جهاد أزعور، لتخوض من خلاله المعركة الرئاسية بوجه مرشح "حزب الله" و"حركة أمل"، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية.
وتحوم الضبابية حول مصير جلسة 14 يونيو في ظلّ امتلاك كلّ فريق القدرة على تعطيل نصاب انعقادها (86 نائباً من أصل 128)، من دون ضمان أي من المرشّحَيْن حتى اللحظة النصاب المطلوب لانتخابه رئيساً (86 صوتاً) ولا سيما من الدورة الأولى، علماً أن انعقاد الجلسة ولو لم ينتج رئيساً فإن من شأنه أن يوضح أكثر خريطة الأصوات، والعدد الذي ينجح كل مرشح في تأمينه.
سيناريو تعطيل النصاب
وتنصّ المادة 49 من الدستور اللبناني على أن رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين، أي 86 نائباً، من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة أي 65 نائباً في دورات الاقتراع التي تلي. أما نصاب انعقاد الجلسة بكافة دوراتها، والذي لم يتطرق إليه الدستور، فيصرّ بري على أنه يتمثل في 86 نائباً، الأمر الذي يجعل عدم تأمينه متاحاً أمام القوى السياسية المتنافسة.
ويصبّ السيناريو الأكثر ترجيحاً باتجاه قيام "حزب الله" و"حركة أمل" بتعطيل النصاب تحديداً في الدورة الثانية، لقطع الطريق أمام فوز أزعور، الذي يتمتع بأصواتِ أكبر كتلتين مسيحيتين، حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، و"التيار الوطني الحر" بقيادة النائب جبران باسيل، بمجموع يتخطى الـ30 نائباً، وعدد من النواب المستقلين والتغييريين، الذين يؤكدون قدرتهم على تأمين أصوات 65 نائباً لصالح مرشحهم إذا ما تم الانتقال إلى دورة ثانية.
في هذا السياق، يقول الأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوري، وسام اللحام، لـ"العربي الجديد"، إن النصاب القانوني لانعقاد الجلسة هو 86 نائباً، بينما يجب أن يكون 65 في الدورات اللاحقة، بيد أن القوى السياسية على اختلافها تتمسك بنصاب الـ86 نائباً لكل الدورات لتكون لديها دائماً القدرة على التعطيل، إذ لا مصلحة لأي فريق في أن يقتصر النصاب على 65 نائباً، من هنا لا نرى أي إثارة جدية لهذا الموضوع للمطالبة بتصحيح النصاب.
ويرجح اللحام، تبعاً لذلك، أن تنعقد الجلسة بدورتها الأولى بنصاب الـ86 نائباً، من دون أن يتمكن أي من المرشحين الاثنين من تأمين 86 صوتاً نيابياً ليتم انتخابه رئيساً، ومن ثم ينسحب نواب "حزب الله" و"حركة أمل" ونواب آخرون إلى جانبهم من الجلسة لتطيير نصاب الدورة الثانية، التي في حال عقدها يحتاج المرشح إلى 65 صوتاً للفوز.
مارك ضو: مقتنعون بأن أزعور قادر على نيل 65 صوتاً
وفي خريطة التوافقات السياسية الجديدة، فإن "التيار الوطني الحر" انضم حديثاً إلى صفوف القوى المعارضة لانتخاب فرنجية والتي تتبنى أزعور مرشحاً لها، وذلك بعدما فضّل "حزب الله" ترشيح فرنجية على حساب باسيل، علماً أن أصوات نواب الأخير ليست كلها محسومة لصالح أزعور في ظل الخلافات الداخلية القائمة.
كما يضمّ المعسكر المؤيد لأزعور "حزب القوات اللبنانية"، "حزب الكتائب اللبنانية"، وعدداً من النواب "التغييريين" والمستقلّين. في المقابل، لم يحسم "الحزب التقدمي الاشتراكي" بزعامة وليد جنبلاط موقفه بعد، على أن يتخذ قراره الخميس المقبل، علماً أنه كان في صفوف المعارضة عند ترشيحها النائب ميشال معوض في الجلسات الـ11 الماضية، كما أنه كان من مؤيدي أزعور، ووضع اسمه ضمن لائحة رئاسية توافقية.
كذلك، لم يحسم نواب في صفوف التغييريين، ومستقلون موقفهم بعد، في ظلّ رفضهم السير بفرنجية أو بأزعور، باعتبار أن الاثنين هما في دائرة المنظومة السياسية التقليدية المسؤولة عن انهيار البلاد نقدياً ومالياً واقتصادياً.
أما على ضفة "حزب الله" و"حركة أمل"، فهما مدعومان من عددٍ من النواب المستقلّين القريبين إلى فلكهما السياسي، ويعوّلان على نواب يعتبرون في خانة "قدامى تيار المستقبل" يشكلون "تكتل الاعتدال الوطني" من أمثال عثمان علم الدين ومحمد سليمان، ونواب محسوبين على "التيار الوطني الحر"، وحزب "الطاشناق"، لضمان انتخاب فرنجية أو تعطيل نصاب الجلسة، مع الإشارة إلى أن عدد النواب غير المحسومة أصواتهم يصل إلى ثلاثين، وهؤلاء قادرون على تغيير كل المعادلة.
ويقول مسؤول شركة استشارية مستقلة في لبنان لـ"العربي الجديد"، إن خريطة البرلمان الذي يتألف من 128 نائباً، تتوزع حالياً بين فرنجية وأزعور، على الشكل الآتي: 55 صوتاً مؤكداً لفرنجية، 43 صوتاً ضده، و30 صوتاً ضمن الدائرة الوسطية غير المحسومة، والتي قد تتغير في الجلسة.
في المقابل، يؤكد النائب مارك ضو من قوى المعارضة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، المشاركة في الجلسة، قائلاً: "كلنا مقتنعون بأن أزعور قادر على نيل 65 صوتاً (في الدورة الثانية)، بيد أن حزب الله وحركة أمل سيعطلان النصاب بانسحابهما"، مشيراً إلى أن كل فريق قادر على تعطيل نصاب جلسة 14 يونيو.
ويشير ضو إلى "أننا على تواصل مع الجميع، حتى مع الذين لم يحسموا قرارهم بعد، ويفضلون الانتظار قبل حسم موقفهم، ونحن بدورنا أخذنا المبادرة لخلق تقاطع بهدف إنقاذ البلاد، وأصبحنا أمام خيارين، فرنجية أو أزعور، فلتكن اللعبة ديمقراطية".
حليمة القعقور: أصبحنا أمام تكتل طائفي مسيحي ثلاثي الأبعاد في مقابل ثنائي شيعي
من جهتها، تقول النائبة حليمة القعقور، من قوى التغيير، لـ"العربي الجديد"، إن الجلسة لن تنتج رئيساً، ونحن لا نزال أمام المناورات نفسها والتسويات ذاتها، فيما كان معوّض لتعزيز القوة التفاوضية، ها هو اليوم أزعور مكانه، معتبرة أن المشهد الراهن قبيح جداً، وأصبحنا أمام تكتل طائفي مسيحي ثلاثي الأبعاد في مقابل ثنائي شيعي.
وتؤكد القعقور مشاركتها في الجلسة، لكنها لن تصوّت لا لأزعور ولا لفرنجية باعتبار أنهما يمثلان النظام ولن يقدّما أي شيء للبلاد، مشيرة إلى أننا على تواصل مع نواب يصل عددهم إلى 9، وسنتخذ موقفاً على أساس المشاورات.
رفض الاصطفافات
من جهته، يكشف النائب المستقل شربل مسعد، أنه على تشاور مع النائبين أسامة سعد وعبد الرحمن البزري (الثلاثة يشكلون تكتل صيدا - جزين)، ونواب يحملون مبادئ انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول 2019)، للخروج بموقف حول جلسة 14 يونيو على صعيد وضع ورقة بيضاء أو اختيار مرشح.
ويؤكد مسعد أننا نرفض الاصطفافات المصلحية التي تحصل، والتي لا نعرف كيف جمعت الأضداد. ويضيف: "نحن ضد أن يكون هناك فريق مسيحي بوجه فريق شيعي، بل نحن مع شخص يجمع الكل، لذلك لن نؤيد أزعور ولن ننتخب فرنجية. كما أننا لا نرى أن أيّا من الاثنين يمثل تطلعات وآمال الناس وانتفاضة 17 أكتوبر، والمرحلة هذه تحتاج إلى شخص إنقاذي".
ويشدّد مسعد على أنهم سيحضرون الجلسة، فهم يحترمون الدستور وتطبيق نصوصه، ومع سير اللعبة الديمقراطية، بغض النظر عن اسم الفائز فيها، لكنه في المقابل، لا يرى أن هناك رئيساً سيُنتخب، معتبراً أن هذه المرحلة هي مرحلة حرق أسماء، ولا رئيس في المدى القريب.
وعلى مقلب "الحزب التقدمي الاشتراكي"، يرى النائب بلال عبد الله في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن بري دعا إلى جلسة في 14 يونيو بعدما بات هناك مرشحان جديان للرئاسة، ونحن سنعلن عن موقفنا الخميس المقبل، بعيداً من تسجيل المواقف والتقاطعات التي تحصل بين الأفرقاء المصرين على مرشحي تحدٍّ والانقسام العمودي في البلاد.
ويلفت عبد الله إلى أن أزعور كان وسيبقى إنقاذياً بالنسبة إلينا ويملك رؤية اقتصادية وخبرة في الظرف الراهن، لكن نحن نسأل هل يحتمل البلد انقساماً؟ هل يملك أحد النصاب لانتخاب رئيس؟ هل يمكن الخروج من المأزق من دون تضافر الجميع؟.
ويرى عبد الله أن "المطلوب أن يبقى أزعور مرشحاً توافقياً والمطلوب من حزب الله وحلفائه أن يبادروا باتجاه التسوية وليس التصعيد"، معتبراً أن كل جهة عليها أن تعلن أنها لن تعطل نصاب الجلسة، وعندها لتأخذ اللعبة الديمقراطية مداها، ومن يملك 65 صوتاً سينتخب رئيساً.
أما على صعيد "حزب الله" وحلفائه، فيشدّد مصدرٌ نيابي في الحزب لـ"العربي الجديد"، على أنه "سنشارك في الجلسة، ولنا اختيار أي وسيلة ديمقراطية يمنحنا إياها القانون والدستور، ومنها الانسحاب من الجلسة، وهو الأسلوب الذي هدد به أصلاً الطرف الآخر، لقطع الطريق على وصول فرنجية، علماً أننا لم نتخذ القرار بعد، وهناك مشاورات مطولة حتى ذاك التاريخ".
ويشير المصدر إلى أن "منطق التحدي والإلغاء والإقصاء لا يسير في هذا البلد، التوافق أساسي لانتخاب رئيس، ولن يمرّ أي مرشح تحدٍّ سواء أزعور أو غيره".