بعد الفيضانات المدمرة في ألمانيا... تغير المناخ والاحتباس الحراري يرفعان الضغوط والمنافسة الانتخابية
أعادت الفيضانات المدمرة والكارثية التي اجتاحت جنوب غربي ألمانيا خلال الأيام الماضية، والتي لم يسبق أن شهدتها البلاد منذ عقود؛ موضوع حماية المناخ إلى الواجهة مرة أخرى، وبخاصة أن الأحزاب تخوض حملات شرسة تحضيراً للانتخابات البرلمانية العامة في الخريف المقبل.
يأتي ذلك في وقت تعاني الأحزاب التقليدية من ضغوط كبيرة، لأنه لا ينظر إليها بالفعل على أنها معنية بحماية المناخ، ومن بينها حزب ميركل، الاتحاد المسيحي، المتصدر في استطلاعات الرأي. كل ذلك يتزامن مع نشر المفوضية الأوروبية، أخيراً، أفكارها حول سياسة المناخ، وكيف ينبغي خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55% بحلول العام 2030 مقارنة بعام 1990.
والسؤال المطروح حالياً هو: هل بات المناخ موضوعاً كافياً ليكون نقطة تحوّل في الحملات الانتخابية؟ وذلك خاصة بعد أن أظهرت الأيام القليلة الماضية أن الكثير يمكن أن يتغير في غضون ساعات قليلة.
"بايريشه 24" أشارت إلى أن مرشح الاتحاد المسيحي أرمين لاشيت هو أكثر المتأثرين، لأنه رافض لهذا الأمر بالمجمل، وإزاء ذلك، تشير رئيسة الأكاديمية السياسية في توتزينغ أورسولا مونش إلى أنه يتعين على الاتحاد المسيحي أن يخطو خطوة إلى الأمام عندما يتعلق الأمر بحماية المناخ، وترى أنه لا يزال هناك مجال لإحداث تقدم في طروحات الحزب في هذا المجال، وعليه أن يظهر أنه جاد بشان حماية المناخ. وترى مونش أن هذا التغيّر جيد لحزب الخضر، لأن الوضع لم يعد يتعلق بالشخصيات والأخطاء المزعومة لمرشحتهم لمنصب المستشار أنالينا باربوك، بل حول الموضوع الذي عمل الحزب البيئي دائماً لأجله، وهو مكافحة تغير المناخ. كما تشير مونش إلى أن المهمة الرئيسية للأحزاب هي الإجابة عن كيفية قدرة المجتمع والاقتصاد والناس على تحمل التغيير في الطاقة الخضراء والسيارات الكهربائية والهواء النظيف، والاهتمام بأولئك الذين دمّرت منازلهم وغمرت المياه سياراتهم، والذين يريدون معرفة من أية جهة سيتلقون المساعدة.
إلى جانب الموقف السابق، برز حدث آخر نال حيزاً من الاهتمام والرود الغاضبة في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو التصويب على المرشح لاشيت، الذي ظهر في مقطع فيديو وهو يضحك خلال إدلاء الرئيس شتاينماير بتصريحه، يوم السبت الماضي، عند قيامه بزيارته التفقدية لمناطق الفيضانات، قبل أن يعود لاشيت ويعتذر عما صدر منه. إلا أن الحزب الاشتراكي استغل هذه السقطة، وكتب أمينه العام لارس كلينغبايل على "تويتر": أنا حقاً عاجز عن الكلام، واصفاً سلوك لاشيت بالمشين والمثير للامتعاض. وفي السياق، اعتبر الكاتب ديرك بايتز، مع صحيفة "دي تسايت"، أن لاشيت المخضرم سياسياً يعرف أنه كان في كادر الصورة، وقد فعل شيئاً غير مقبول اجتماعياً وسياسياً، حيث بدا الأمر كما لو أنه يسخر من ضحايا الأيام القليلة الماضية، أو كمن يطلق نكتة سيئة أمام التابوت المفتوح في الجنازة، وقد سقط من الدور الذي كان على وشك أن يكون فيه، وهو رجل الدولة. وتابع: من الطبيعي أن يثير المشهد السخط، وسيسأل أعضاء المسيحي الديمقراطي أنفسهم عمّن تقدموا به مرشحاً، ولما لم يتم ترشيح ماركوس سودر، زعيم الحزب الشقيق الاجتماعي المسيحي في بافاريا، أما أولئك الذين لا يتعاطفون مع الاتحاد، فسيشعرون أن لاشيت رجل خطير سياسياً، ومن المحتمل أن يراجع الجميع مرة أخرى تقييمهم له؛ لأن الصورة قالت الكثير من الكلام.
وعليه، فإنه من الناحية السياسية، أصبحت الكوارث الطبيعية التي يتسبب بها المناخ الآن أرضاً صعبة بالنسبة للمرشحين، بعد أن كانوا قادرين على تسجيل النقاط بسهولة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة على المرشحة باربوك، التي لا تحمل أي منصب رسمي، إلا أن صحيفة "تاغس شبيغل" لفتت، أخيراً، إلى أنه يمكن للخضر أن يأملوا في الأسابيع المقبلة، وعندما تنتهي المرحلة الحادة من أزمة الفيضانات، سيتم إدراك أهمية إجراءات حماية المناخ بشكل أكثر محورية وعلانية.
وعلى العكس من باربوك، فإن لاشيت يشغل منصب رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا، وبإمكانه الاستفادة إذا ما تم تدارك الوضع بعد مقطع الفيديو، فيما الاشتراكي شولز، نائب المستشارة ووزير المالية الاتحادي؛ بات مرشحاً ليكون مديراً للأزمة، وهو الذي وعد خلال زيارته المنطقة المنكوبة بمساعدات مادية فورية، عدا عن خطة مفصّلة لإعادة الإعمار ورفع الدمار ودفع التعويضات، إلى ترميم البنية التحتية والمنازل ومحطات القطارات، التي تحتاج لسنوات من العمل، إلى جانب تذليل المعاناة الإنسانية.
وفي شأن متصل، أشارت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية إلى أن كارثة الفيضانات باتت هي أيضاً تحدياً سياسياً، بعد أن كان التحدث إلى شخص ما عن الطقس مرادفاً للتفاهة، لا سيما خلال الحملة الانتخابية. إن الأمر لا يقتصر على إظهار الامتنان والتعاطف، فالمطلوب هو القدرة على التصرف سياسياً. مع العلم أن المعارضة وجّهت انتقادات لحكومات الولايات المتضررة؛ لأنها لم تشكل فريق أزمة بشكل مباشر.
وأمام كل ما تقدّم، بدأت تطرح تساؤلات حول الجهة التي ستستفيد مما حصل في سبتمبر/أيلول، ولعل الجواب يعتمد على المدة التي سيبقى فيها موضوع التغير المناخي في صدارة اهتمامات الجمهور، من دون أن نغفل الإشارة إلى أن الخضر يمكن أن يسجل نقاطاً من خلال إيلاء المزيد من الاهتمام لكل ما يتعلق بملفه البيئي، خاصة أنه لا تزال هناك أكثر من عشرة أسابيع على موعد الانتخابات.