بدأت الساحة الباكستانية تشهد حالة جديدة من الصراع السياسي، بعد أن دخل رئيس الوزراء السابق زعيم حزب حركة "الإنصاف" عمران خان إلى السجن، وبات يواجه عدداً كبيراً من الملفات في المحاكم، ما يرجح عدم عودته إلى الساحة السياسية في القريب العاجل.
إثر ذلك، بدأ الصراع بين الحزبين الرئيسيين في "التحالف من أجل الديمقراطية"، هما: حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني بزعامة الرئيس الباكستاني السابق آصف علي زرداري.
ويشكو الأخير من أن حكومة تصريف الأعمال يديرها حزب الرابطة، وأن أنشطتها تصب في مصلحة حزب شريف، بدلاً من الاهتمام بالقضايا الوطنية، بينما "الرابطة" يعتقد أن نواز شريف هو القائد الوطني الوحيد الذي يمكنه أن يخرج البلاد من المأزق الحالي، ويطلب من الشعب أن يدلي بصوته لصالحه خلال الانتخابات، التي تقرر إجراؤها في يناير/كانون الثاني 2024، كي يصل إلى منصب رئيس الوزراء.
هذا الأمر يثير حفيظة حزب الشعب الذي يتوقع أن يترأس الحكومة المقبلة، من خلال دعم كافة أحزاب التحالف له، بما فيها حزب الرابطة، كما دعم هو شقيقه شهباز شريف، رئيس الوزراء السابق.
الانقسام السياسي في صالح الجيش
وفي خضم أشد أنواع الانقسام السياسي، تلعب المؤسسة العسكرية على كل الأصعدة، وهي تسعى لاستخدام الأحزاب السياسية بعضها ضد بعض، بغية الوصول إلى أهدافها الرئيسية، كما يرى مراقبون، ساعية إلى أن تكون نتيجة الانتخابات المقبلة حكومة ضعيفة، لا يمكن لها الوقوف في وجه سياسات المؤسسة العسكرية. وأعرب بعض السياسيين عن قلقهم إزاء القضية.
وقال زعيم جمعية علماء باكستان المولوي فضل الرحمن، الذي يترأس "التحالف من أجل الديمقراطية" الذي يضم معظم الأحزاب السياسية والدينية في باكستان، إن تدخل أي جهة في الانتخابات المقبلة من أجل الحفاظ على مصالحها، أو مساندة حزب سياسي على حساب حزب آخر، سيدفع البلاد نحو أتون صراعات لن تحمد عقباها.
شودري محمد حسن: المؤسسة العسكرية تتدخل من أجل أن تكون الحكومة حسب تطلعاتها
وأكد، في بيان له في 21 سبتمبر/أيلول الحالي، أنه لن يسمح بـ"أن يحصل في الانتخابات المقبلة تزوير كما حصل في انتخابات 2018، حيث جرت مساندة حزب عمران خان، وفي النتيجة، نرى أن بلادنا تدفع الثمن الباهظ إلى هذا اليوم".
وفي تعليق على ذلك، قال المحلل السياسي الباكستاني شودري محمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن الانتخابات في باكستان منذ القدم لم تكن نزيهة، ودائماً يكون هناك جدل بشأنها، ولعل السبب الأبرز هو تدخل المؤسسة العسكرية، ولا شك أنها تتدخل من أجل أن تكون الحكومة حسب تطلعاتها.
وأضاف: "عادة هي لا تقبل حكومة قوية لديها أكثرية في البرلمان، أو تشكلها جماعة واحدة قوية، من هنا تتدخل كي تعطي للجميع حصتها المناسبة، كما تعتقد، وبالتالي لا يمكن أن تبقى الانتخابات من دون تدخل المؤسسة العسكرية".
لكن وزير الثقافة والإعلام في حكومة تصريف الأعمال مرتضى سولنكي أكد، خلال مؤتمر صحافي في إسلام أباد في 20 سبتمبر الحالي، أن مهمة الحكومة الرئيسية هي القيام بانتخابات نزيهة وشفافة، وهي تسعى للوصول إلى ذلك الهدف المنشود.
وشدد على أن لجنة الانتخابات تستعد لإجراء الانتخابات، وأنها ستجرى في الأسبوع الأخير من شهر يناير، مشيراً إلى أن بعض الجهات حاولت تضليل الناس من خلال الحديث عن أن حكومة تصريف الأعمال تسعى لتأجيل الانتخابات كي تتيح الفرصة لتمديد فترتها.
وأوضح أن تأجيل الانتخابات إلى أمد طويل يسيء إلى سمعة باكستان دولياً، تحديداً عند صندوق النقد الدولي، من هنا إعلان تاريخ الانتخابات خطوة إيجابية، مشدداً على أن باكستان، رغم ما تواجهه من التحديات، ستمضي قدماً إلى الأمام.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال أنوار الحق كاكر، في مؤتمر صحافي أخيراً، إن الانتخابات النزيهة من مهام حكومته الرئيسية، وهي تتعاون مع لجنة الانتخابات من أجل الوصول إلى ذلك الهدف، كي تتولى حكومة منتخبة زمام الحكم في البلاد، مشدداً على أن حكومة تصريف الأعمال تحافظ على الحياد، وتهتم بالقضايا الوطنية، ولن تنحاز إلى حزب سياسي، كما أنها لن تمنع أي حزب من القيام بأنشطته السياسية.
وكان رئيس الوزراء الباكستاني أشار في تصريحاته إلى الصراع الذي تجدد بين حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف وبين حزب الشعب، واتهام الأخير حكومة تصريف الأعمال، خصوصاً كاكر، بأنه ينحاز إلى حزب الرابطة.
وفي هذا الشأن، قال القيادي في "الشعب" سيد خورشيد شاه، في تصريح في مدينة كراتشي، إن رئيس الوزراء الحالي لا يبدو أنه رئيس لحكومة انتقالية، بل إن كل تصرفاته تشير إلى أنه قيادي في حزب الرابطة، وهو أمر خطر لمستقبل السياسة في باكستان.
وكان القيادي في الحزب نفسه بلاول بوتو أكد أيضاً، في خطاب أمام مهرجان شعبي في إقليم السند، أن نواز شريف سيعود من لندن إلى باكستان، لكنه لا بد أن يواجه الملفات القضائية، إذ إنه أمر لا بد منه، فالقانون يجب أن يكون على الجميع. يُذكر أن نواز شريف سيعود إلى باكستان من لندن، في 21 أكتوبر/تشرين الأول القادم، وهو مرشح حزبه لمنصب رئيس الوزراء.
تجدد الصراع بين الحزبين
وحول تجدد الصراع بين الحزبين، قال الإعلامي الباكستاني شهريار أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن الصراع بينهما صراع حقيقي، وكلما اقترب موعد الانتخابات، اشتد، فناخبو كل حزب لا يتحملون ناخبي الحزب الثاني، وبالتالي كل حزب سوف يتبنى سياسة تعارض الآخر، كي يقنع الناخبين بالإدلاء بأصواتهم والخروج إلى صناديق الاقتراع، من هنا هذا الأمر واقع لا محالة.
ولفت إلى أن تاريخ الصراع بين الحزبين طويل جداً، ويبدو أن حزب الرابطة الإسلامية جناح شريف سوف يشكل الحكومة في المركز نتيجة الانتخابات المقبلة، لأن المؤسسة العسكرية ترغب في ذلك، فهي الآن مقربة من حزب نواز شريف بدلاً من الأحزاب الأخرى، بينما الحكومات في الأقاليم سوف تتوزع بين أحزاب مختلفة، وفي المجمل سنشاهد حكومة هشة في المركز.
وحول المستقبل السياسي لعمران خان، قال أحمد إن حزب "حركة الإنصاف" وزعيمه يمران بفترة صعبة للغاية، ولا يتوقع في المستقبل القريب أن يعود خان إلى الساحة السياسية، ولكن حزبه سيبقى وسيحصل على بعض المقاعد في البرلمان، غير أنه لن يبقى له وزن بعد ذلك، خصوصاً أنه توزع إلى فروع، وانشق عنه قياديون كثر، كما أن خان يواجه ملفات قضائية مختلفة، وهي ستأخذ فترة أطول.
ملفات في حق السياسيين
وأعلنت هيئة المحاسبة الوطنية فتح أكثر من 80 ملفاً للسياسيين، بينهم نواز شريف والرئيس السابق أًصف علي زرداري ووزير المالية السابق القيادي في حزب الرابطة إسحاق دار. وأكدت الهيئة، في بيان أخيراً، أنها اتخذت كل الترتيبات اللازمة من أجل إحالة تلك الملفات إلى المحاكم والمضي قدماً فيها.
عبد الشكور: المؤسسة العسكرية لا تريد أن تبقى الأحزاب قوية
وأثارت الخطوة استغراب الكثيرين، خصوصاً أنها أتت في هذا التوقيت، فالجميع يتحدث عن الانقسام السياسي وضرورة العمل من أجل تقوية اللحمة الوطنية.
لكن المحلل السياسي عبد الشكور قال، لـ"العربي الجديد"، إن "كل ما يدور في الساحة السياسية من صنع المؤسسة العسكرية، وهي وحّدت كل الأحزاب المعارضة لعمران خان كي تسقط حكومته، ثم رأينا ما حل بخان نفسه، والآن لا تريد المؤسسة العسكرية أن تبقى الأحزاب الأخرى أيضاً قوية، بالتالي هي تلعب على كل الأصعدة، ولا يمكن تشكيل حكومة في البلاد إلا برضا المؤسسة العسكرية".
لكن المحلل السياسي حمزه أمير رأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قضايا الفساد التي فتحتها هيئة المحاسبة الوطنية لن يكون لها تأثير كبير في الوقت الراهن، غير أنه سيكون لها في المستقبل تأثير والأمر مرتبط برؤية الحكومة المنتخبة المقبلة. لكنه أضاف أن التلاعب بالقوى السياسية من قبل القوة الحقيقية في البلاد (يشير إلى المؤسسة العسكرية) "واقع لا ينكره أحد، وهو يحصل منذ القدم، واللوم على القوى السياسية نفسها. لقد رأينا كيف استُخدمت الأحزاب السياسية كلها في وجه حزب عمران خان، والآن سيأتي دور حزب آخر، وهكذا سوف تتبدل الأدوار، والبلاد تسير نحو أتون صراعات، عقباها لا تحمد".