احتاج السودان إلى 27 عاماً و335 مليون دولار كتعويضات للضحايا الأميركيين (وعائلاتهم الذين سقطوا بعمليات لـ"القاعدة")، وفوق ذلك إلى تطبيعٍ مع إسرائيل، حتى يغادر قوائم الإرهاب الأميركية، فيما احتاجت جماعة الحوثيين إلى 27 يوماً فقط، وبيانات أممية عدة، لحصول ذلك.
مجرد نزهة قضتها الجماعة في دهاليز التصنيف ثم غادرت بكلّ هدوء، تماماً كما صنعت عند اجتياح صنعاء أواخر العام 2014.
لا علاقة للأمر بالإعجاز الإلهي، على الرغم من أن الجماعة تزعم أنها تقاتل اليمنيين بتوجيهات إلهية. الأمر عائد إلى حظٍّ وافرٍ، غالباً ما يرأف بالجناة ويجعلهم في مواجهة عدالة عمياء، كما يحدث في ملاعب كرة القدم.
رياضياً، إلغاء هدف شرعي أو شرعنة هدفٍ باطل، إجراء لا تقوم به سوى تقنية "الفار" المثيرة للجدل، والتي تمّ تطبيقها في ملاعب كرة القدم خلال مباريات كأس العالم الأخيرة (عام 2018)، كعينٍ ساحرة للتحقق من الأخطاء التي قد يقع فيها حكم الساحة، بعد احتجاج الفريق الخصم. ويبدو أن البيت الأبيض قد اعتمدها في ملاعب السياسة أيضاً.
لا يوجد تفسير منطقي للشطب الفوري من قوائم الإرهاب الأميركية، سوى أن الإدارة في واشنطن قد طبّقت تقنية "الفار"، وأعادت بثّ لقطات مثيرة لا تحصل سوى في لقاءات الديربي، وذلك عندما يدخل حكم الساحة في عناد وتحد مع مدرب وقائد الفريق المستفيد، أو يرضخ لهدير الجماهير، فيقرر إلغاء ضربة جزاء صحيحة، والاكتفاء بالبطاقة الصفراء للاعب المتسبب بها. وهذا يوازي شطب الجماعة من التصنيف رضوخاً لهدير المنظمات، وإبقاء العقوبة الوهمية مفروضة على ثلاثة من قياداتها (عبد الملك الحوثي وعبد الخالق بدر الدين الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم).
فالجماعة قد أصبحت في خانة المستفيدين من تقنية "الفار" إلى جانب ناديي برشلونة ومانشستر سيتي الرياضيين. والمهم الآن هو السؤال عن الخطوة التالية: هل ستجلب الإدارة الأميركية السلام لكلّ اليمنيين، أم أنها قد منحت المليشيات شوطاً إضافياً لاستكمال اللعب الخشن؟
حتى الآن، لا يبدو أن جماعة الحوثيين ستقوم بتعديل سلوكها، فهي لا تزال تتعامل مع واشنطن وكأنها كوريا الشمالية. تعتقد أن الرئيس جو بايدن كفّر فقط عن خطأ سلفه دونالد ترامب، وأن تعيين مبعوث أميركي إلى اليمن (تيموثي ليندركينغ)، هو بمثابة اعتراف من الولايات المتحدة بعظمة الجماعة وندّيتها.
كل المؤشرات تقول إن جماعة الحوثيين لن تنصاع لأي دعوات دولية للسلام قبل اجتياح مأرب والاستيلاء على منابع الثروة. وحتى تتحقق لها هذه الورقة التفاوضية الهامة، ستمارس مزيداً من المراوغة، عبر قادة الصفّ الأول فيها، الذين يطلون تباعاً عبر "تويتر" بتصريحات عشوائية، يصف فيها أحدهم الدعوات الدولية لوقف الحرب بأنها "إيجابية"، ثم يأتي آخر ليقول إنها "سلبية" ولا معنى لها، وكأننا أمام جهاز فحص فاشل لفيروس كورونا.
تمتلك جماعة الحوثيين ورقة مهمة في يدها، تجعلها هي من تحدد زمان نزع فتيل الحرب، وهذه الورقة هي الوضع الإنساني. ملايين اليمنيين في مناطق نفوذها مجرد رهائن لديها، تستخدمهم كورقة لابتزاز المجتمع الدولي، وهذا الأمر هو ما جعل إدارة بايدن تعتقد أن إدارة سلفه قد سعت إلى توريطها في تصنيف تمّ إقراره في الوقت الضائع، ولذلك كان هدفها الأول هو التخلص من تبعات أكبر كارثة إنسانية على مستوى العالم.