عاد التوتر إلى العلاقة بين حركة "حماس" ومصر التي تتوسط في ملفات قطاع غزة الأهم مع الاحتلال الإسرائيلي، في أعقاب ما تعتبره الحركة تلكؤاً مصرياً في تنفيذ استحقاقات التهدئة في القطاع المحاصر. وصمتت "حماس" طوال الشهرين الماضيين عن "تلكؤ" القاهرة في معالجة قضايا غزة وملفاتها الساخنة، وخصوصاً ما يتعلق بإعادة الإعمار والسفر والحركة التجارية عبر معبر رفح، واستحقاقات الهدوء الدائم في القطاع، رغبة منها في إعطاء الفرصة للوسيط المصري للتدخل مع الاحتلال بناءً على طلبات هذا الوسيط المتكررة.
لكن الحركة، وفق مصادر قيادية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فوجئت أكثر من مرة بموقف مصري معطِّل للتفاهمات التي جرت في أوقات مختلفة مع "حماس"، وبأن القاهرة كانت أكثر تشدداً من الموقف الإسرائيلي في بعض القضايا، ولا سيما إعادة الإعمار، بعدما نقل وسطاء آخرون للحركة مواقف إسرائيل في هذا الخصوص.
فوجئت "حماس" أكثر من مرة بموقف مصري معطِّل للتفاهمات
وعلى الرغم من محاولاتها لعدم التصعيد الإعلامي مع مصر، وجدت "حماس" نفسها محاصرة أكثر مما مضى، ومطلوب منها إعطاء تهدئة مجانية للاحتلال الإسرائيلي. ووفق مصادر "العربي الجديد"، أعطت "حماس" أكثر من مهلة للوسيط المصري للمضي قدماً في التفاهمات مع الاحتلال الإسرائيلي والبدء بإعمار ما دمره هذا الاحتلال في القطاع وفق المنحة المصرية التي تمت تغطيتها من الإمارات وقيمتها 500 مليون دولار، لكن على الأرض لم يبدأ أي عمل حقيقي بعد.
"حماس" تهدد بالتصعيد ضد الاحتلال
واضطرت "حماس" إلى هذا التصعيد الإعلامي مع مصر، على وقع تزايد المطالبات الشعبية لها في غزة بتحقيق انفراجات اقتصادية وحياتية ومعيشية، بعد أن قدمت إلى أهالي القطاع وعوداً بتغيير ملموس في أوضاعهم المعيشية عقب الحرب الأخيرة في مايو/أيار الماضي.
هذا التغيير الذي يريده الفلسطينيون في غزة "مرهون بتحرك الوسيط المصري بجدية، وإعادة العمل بالتفاهمات التي جرت في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة بوساطته، لكن ذلك لم يحدث، وسط تهرب مصري ورفض التعاطي مع أي مقترحات يمكن أن تسهل حياة الفلسطينيين وسفرهم وتعيد الإعمار في القطاع"، وفق ما قالت مصادر قيادية في غزة لـ"العربي الجديد".
وبعدما كانت "حماس" قد نجحت في منع محاولات من حركة "الجهاد الإسلامي" في الأسبوعين الأخيرين، لقصف تل أبيب ومناطق متاخمة للقطاع، في إطار محاولاتها لتثبيت وقف إطلاق النار وإعطاء رسالة للوسيط المصري بأنّها تضبط الميدان بقوة، لاحظ مراسل "العربي الجديد" في أعقاب نشر التصريحات على لسان مصادر قيادية في "حماس" مساء الاثنين، خلو المنطقة الساحلية شمالي غزة من عناصر أمنية مهمتها ضبط الميدان ومنع محاولات الفصائل لإطلاق صواريخ تجاه الأراضي المحتلة. وفي العادة، فإنّ عناصر أمن من "حماس" يوجدون بكثافة في المنطقة ومناطق حدودية أخرى لمنع أي تصعيد.
وقبل موقف "حماس" الجديد وغير المعتاد تجاه مصر، قالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إنّ رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، ووفداً من قيادة الحركة، كانوا ينوون في الأيام المقبلة زيارة مصر، على أن يتجهوا منها إلى قطر وتركيا وربما إيران، لكن يبدو أن القاهرة لم "ترحب" بالزيارة أو أنّها لم ترغب في إتمامها.
القاهرة تدرك أنّ هناك تململاً لدى "حماس" وفصائل غزة
تعطيل إسرائيلي لحلحلة أوضاع غزة
في المقابل، قال مصدران مصريان مطلعان على الوساطة التي تقودها القاهرة بين الحكومة الإسرائيلية وفصائل غزة بشأن إعادة إعمار القطاع وصفقة تبادل الأسرى، لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة تدرك أن هناك حالة تململ لدى "حماس" وفصائل غزة، مرجعين هذا التململ إلى النهج الإسرائيلي في التفاوض، وليس إلى توجه مصري أو سلوك مصري متعمد ضد الفلسطينيين.
وقال أحد المصدرين إنّ المسؤولين في القاهرة كانوا قد أبلغوا أن هذا النهج والمماطلة من جانب المسؤولين في تل أبيب يضع القاهرة في حرج، لكون الوسيط المصري مع كل خطوة يستطلع رأي الإسرائيليين، وبناءً على ذلك يكون التوجه للجانب الفلسطيني، وسط سعي مصري لتمرير اتفاق التهدئة وأي اتفاق من شأنه الوصول إلى تهدئة في القطاع. واستطرد المصدر، قائلاً إن "الفصائل، وعلى رأسها حماس، ترى أن مصر تضغط عليها من أجل تقديم تنازلات، والقاهرة ترى أنّها معنية بالتوصل إلى اتفاق تحت أي ظرف لضمان استقرار المنطقة، وهذه هي الجدلية".
من جهته، تحدث المصدر الآخر عن "غضب لدى الجانب المصري تجاه الجانب الإسرائيلي بسبب الحرج الذي يسببه له، نتيجة تغيّر الموقف الإسرائيلي بين وقت وآخر، وهو ما يسبب تعطل الملفات التي ترعاها القاهرة بشأن أوضاع قطاع غزة وتنفيذ مبادرة إعادة الإعمار التي سبق أن أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".
المماطلة من جانب المسؤولين في تل أبيب تضع القاهرة في حرج
بدورها، قالت مصادر دبلوماسية أخرى لـ"العربي الجديد"، إن "تحركات مصر وموقفها ورؤيتها لدورها كوسيط، تنطلق بالأساس من رؤية مفادها أن ملف إعادة الإعمار ينبغي أن يكون بيد القاهرة وحدها، لأسباب عدة، في مقدمتها ضمان الاعتماد عليها في ملف أي مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، مباشرة أو غير مباشرة، وهو الأمر الذي يدعم موقفها أمام الولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبية، علاوة على ضمان عائد اقتصادي للشركات المصرية التي ستتولى تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار". وأضافت المصادر أنّ القاهرة "لديها تخوفات طوال الوقت من دخول أطراف أخرى إقليمية على خط هذا الملف، اعتماداً على علاقاتها بالفصائل الفلسطينية".
لبيد في القاهرة لبحث القضية الفلسطينية
في السياق ذاته، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد سيقوم بزيارة إلى القاهرة هذا الأسبوع لبحث القضية الفلسطينية، وملف الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس". وذكرت هذه الوسائل أن لبيد سيلتقي وزير الخارجية المصري سامح شكري وكبار المسؤولين المصريين الآخرين. وأوضحت أن الغرض من الزيارة السياسية - الأمنية هو التعامل بشكل أساسي مع القضية الفلسطينية وقطاع غزة، مع التركيز على ملف الأسرى والمفقودين لدى "حماس".
من جهته، قال مصدر مصري تحدث لـ"العربي الجديد" إن زيارة لبيد تهدف إلى احتواء الغضب المصري بعدما تسببت تل أبيب في حرج للقاهرة، ما أدى إلى إرجاء الزيارة التي كانت مقررة لرئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل إلى تل أبيب، الشهر الماضي، بسبب تعثر مفاوضات صفقة تبادل الأسرى.