استمع إلى الملخص
- الدعم الإيراني لحزب الله يعزز نفوذ إيران في السياسة اللبنانية، حيث زار مسؤولون إيرانيون بيروت مؤكدين دعمهم للبنان وحزب الله، مع السعي لوقف إطلاق النار في لبنان بالتزامن مع غزة.
- يسعى ميقاتي للحفاظ على التزام لبنان بالقرار الدولي 1701 وتعزيز انتشار الجيش في الجنوب، مع تنسيق دائم مع رئيس البرلمان لضمان استقرار الوضع الداخلي.
توترت العلاقات الرسمية بين بيروت وطهران أخيراً، مع رفض طهران، أمس الاثنين، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها إسماعيل بقائي، اتهامات رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي لإيران بالتدخل في شؤون لبنان، وذلك على خلفية تصريحات منسوبة إلى رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني محمد باقر قاليباف. وقال بقائي خلال مؤتمر صحافي أسبوعي أمس، إن "إيران لم تكن لديها النية على الإطلاق ولم تقدم على أي خطوة يمكن أن تثير شبهة التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية".
وتابع "نجري مباحثات مع أي بلد لديه مبادرة ومقترح لوضع حد للجرائم والعدوان ضد لبنان والإبادة الجماعية في قطاع غزة"، مشيراً إلى وقوع "سوء فهم" بشأن تصريحات قاليباف. وكانت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية نقلت عن رئيس مجلس الشورى قوله الأسبوع الماضي إن طهران مستعدة للتفاوض مع باريس بشأن تطبيق القرار الدولي 1701 (الذي وضع حداً للعدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006) في لبنان ووقف إطلاق النار في العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي اتسع في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد مواجهات استمرت أكثر من 11 شهراً، وبدأت في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
التوتر بين بيروت وطهران
واستدعت تصريحات قاليباف انتقاداً علنياً نادراً من ميقاتي، الذي استغرب في بيان الجمعة الماضي: "هذا الموقف الذي يشكّل تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان". وطلب ميقاتي من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب "استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت (توفيق صمدي) والاستفسار منه عن حديث قاليباف". وأول من أمس الأحد، كرّر قاليباف تصريحاته الجدلية باعتباره أن "الركيزة الأساسية للشعب اللبناني هو المرشد علي خامنئي والمسؤولون والشعب الإيراني". وزار قاليباف بيروت في 12 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
إسماعيل بقائي: هناك "سوء فهم" بشأن تصريحات قاليباف
وسبق قاليباف في زيارة بيروت، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في 4 أكتوبر الحالي، وكان لافتاً قوله إن "الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت ولا تزال داعمة للبنان، وكانت ولا تزال داعمة للبنانيين الشيعة، وكانت ولا تزال داعمة لحزب الله، وكان من الضروري أن أقول هذا شخصياً". وأضاف عراقجي أن طهران تدعم جهود وقف إطلاق النار في لبنان بشرط أن يدعمه حزب الله ويتزامن مع وقف إطلاق النار في غزة.
وفي 4 أكتوبر الحالي أيضاً، رأى المرشد الإيراني علي خامنئي، في خطبة الجمعة، أن "الأعداء لن يحققوا النصر أبداً على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله". وأضاف خامنئي، في خطبة ألقى جزءاً منها باللغة العربية خلال تأبينه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي اغتيل في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر الماضي، أن "لا أحد يحق له انتقاد اللبنانيين في مساندة أشقائهم الفلسطينيين بالدفاع عن أرضهم".
تاريخياً، مرّت علاقات بيروت وطهران بمراحل عدة. المرحلة الأولى كانت بين عامي 1952 و1967، مدفوعة بانضمام شاه إيران، محمد رضا بهلوي (حكم بين عامي 1941 و1979)، والرئيس اللبناني كميل شمعون (1952 ـ 1958)، إلى حلف بغداد (1955 ـ 1979)، المخصص لمواجهة نفوذ شيوعية الاتحاد السوفييتي. المرحلة الثانية في العلاقات بين بيروت وطهران كانت بين عامي 1967 و1979، حين اتهم شاه إيران السلطات اللبنانية، بتسهيل تدريب منظمة التحرير الفلسطينية لأطراف معارضة له. في عام 1979، وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، بدأت المرحلة الثالثة، ومحورها تأسيس حزب الله في لبنان. وفي المرحلة الرابعة، بعد انتهاء الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، اهتمت إيران بتدعيم بنية حزب الله.
وجدي العريضي: بري يفهم ما أراد ميقاتي إيصاله من الرد على إيران سواء حصل تنسيق بينهما أو لا
ومع تنامي نفوذ حزب الله تحولت إيران إلى لاعب أساسي في السياسة اللبنانية، حتى إنه في 22 سبتمبر 2014، قال نائب طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني، المقرب من خامنئي، في حينه، إن العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد. وقصد بذلك سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014. غير أنه بعد بدء الاعتداءات الإسرائيلية الواسعة على لبنان، واغتيال نصر الله، وتتالي المواقف الرسمية اللبنانية لجهة تطبيق القرار 1701، بما فيه من تراجع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وتعزيز انتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان، فإن مرحلة جديدة من علاقات بيروت وطهران تلوح في الأفق، وسط ترقّب موقف حزب الله في هذا السياق.
موقف ميقاتي
في السياق، اعتبر الكاتب وجدي العريضي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن توقيت موقف ميقاتي "سببه قد يعود إلى أن لبنان يحترق اليوم وهناك عدوان إسرائيلي كبير على أراضيه والتدخل الإيراني يزيد الطين بلّة، ويؤكد المقاومة وأموراً كثيرة وأبرزها عدم فصل مسار لبنان عن غزة، وهذا يربك الحكومة التي تسعى جاهدة لوقف هذه الحرب. فكان الموقف من ميقاتي الذي لا يمكنه أن يستمرّ في السكوت طويلاً وهو المعروف عنه الهدوء وتدوير الزوايا، فانتفض بوجه الموقف الإيراني، خصوصاً أنه وعد الأميركيين بأن الجيش اللبنانيين جاهز للانتشار في الجنوب ولبنان ملتزم القرار 1701، لذلك فإن الموقف الإيراني يشكل إحراجاً لرئيس حكومة لبنان أمام المجتمع الدولي علماً أنه ليس بجديد، كما يشكل نوعاً من العقبة".
ولفت العريضي إلى أن هناك تنسيقاً دائماً بين ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري في كل شاردة وواردة، وهناك تماهٍ بين الطرفين على تطبيق القرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب، وبري يفهم ما أراد ميقاتي إيصاله من هذا الرد سواء حصل تنسيق بينهما أو لا في هذا الإطار. وحول التوتر بين بيروت وطهران أشار إلى أن "الكلام الإيراني يهدف إلى مسألة أساسية تتمثّل بأن يبقى لبنان ورقة لديه حتى يفاوض فيها الأميركي خلال أي مفاوضات سواء نووية أو غيرها، أو كي يمتصّ العدوان الإسرائيلي المرتقب على إيران، الذي ربما يكون على مستوى كبير، من هذا المنطلق فإنّ إيران تسعى للإمساك بورقة حزب الله والتفاوض بها".