في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت مصر رسمياً عن دحر الإرهاب في محافظة شمال سيناء، وذلك خلال زيارة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للمحافظة، إذ أكد يومها أنها باتت منطقة خالية من الإرهاب وأن المجال بات مفتوحاً للتنمية فيها.
كما برزت أخيراً تظاهرات للمهجرين تطالب بالعودة إلى ديارهم، ما أوجد معضلة في التعامل معهم، لا سيما في ظل حمل جزء منهم للسلاح منذ قتالهم مع الجيش ضد تنظيم "داعش".
الأنظار موجهة نحو اتحاد قبائل سيناء
وتتجه الأنظار إلى مجموعات الدعم القبلية المعروفة بين أهالي سيناء باسم اتحاد قبائل سيناء، والتي تتفرع منها عدة مجموعات قبلية، وكذلك مجموعات أخرى كالكتيبة 103 و"المندوبين" في الشيخ زويد، بالإضافة إلى مجموعات تابعة لقبائل السواركة والأرميلات.
يأتي ذلك في ظل البحث عن مصير هذه المجموعات بعد انتهاء مهمتها، خصوصاً وسط الحديث عن ممارسات وانتهاكات لعناصر منهم في ظل الصلاحيات الواسعة الممنوحة لهم.
توصية بسحب سلاح اتحاد قبائل سيناء
وفي السياق، كشفت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، عن مذكرة رسمية، رفعتها أجهزة عسكرية إلى مؤسسة الرئاسة، تضمنت ضرورة إعداد تصور خاص بتفكيك مجموعات الدعم القبلية، التابعة لاتحاد قبائل سيناء، وسحب الأسلحة، التي تم توزيعها على مقاتليها.
مصدر: توصية المؤسسة العسكرية تضمنت تحذيرات من تزايد أعداد المجموعات القبلية
وبحسب أحد المصادر فإن التوصية التي جاءت من المؤسسة العسكرية، تضمنت تحذيرات من تزايد في أعداد المجموعات أخيراً، رغم تراجع مستوى العمليات.
وقال إن "الزيادة التي رصدتها دوائر معلومات تابعة للمؤسسة العسكرية، في أعداد المقاتلين التابعين (للمجموعات) لم يتم الإبلاغ عنها من جانب قيادة تلك المجموعات، ولم تُخطر بها بشكل رسمي".
وكان عدد المقاتلين من أبناء القبائل والعائلات الكبرى في سيناء وقت الإعلان عن تشكيل قوات مجموعات الدعم عام 2017، يقدر بألف مقاتل، من قبائل الترابين والسواركة والأرميلات والبياضية والأخارسة والدواغرة، إلا أنه بحسب المصدر تزايدت أعداد تلك القوات.
ولفت المصدر إلى أنه خلال الفترة الأخيرة، "رصدت دوائر معلومات عسكرية، تعمل في سيناء، تواجد أسلحة نوعية في أيدي العناصر التابعة لمجموعات الدعم المشكلة من القبائل، وذلك بخلاف نوعيات الأسلحة الموزعة عليهم من جانب المؤسسة العسكرية عند تأسيس تلك المجموعات".
مصدر: استندت التوصية إلى المخالفات التي ارتكبها القائمون على أمر تلك المجموعات
وأشار إلى أن التوصية المرفوعة أخيراً بشأن تلك المجموعات، "استندت إلى كون المخالفات التي ارتكبها القائمون على أمر تلك المجموعات، قد تفتح الباب إلى مزيد من العواقب السلبية التي ربما تقود إلى تحول تلك المجموعات القتالية إلى أزمة جديدة في سيناء لاحقاً، أو تحد جديد في مواجهة قوات الجيش هناك".
وأوضح أن "ممارسات بعض تلك المجموعات وعناصرها باتت مصدر إزعاج وقلق لأجهزة الأمن العاملة في شمال سيناء، خصوصاً في ظل عدم قدرة أجهزة وزارة الداخلية، وبعض التمركزات الأمنية في المحافظة، على ضبط إيقاع تلك المجموعات التي تجوب شوارع المدن في معظم فترات اليوم، بخلاف المتفق عليه".
وأشار المصدر إلى أن من بين المخاوف التي توقفت أمامها المؤسسة العسكرية بشأن تلك المجموعات "وجود خلافات قديمة بين القبائل الكبرى لم يتم تجاوزها بشكل كامل، ولكن تم التوافق على إرجاء البت فيها لحين الانتهاء من مواجهة المجموعات المتطرفة في سيناء".
وأوضح أن "تلك الخلافات حال تفجرها مجدداً في ظل تواجد هذا الكم من الأسلحة في أيدي أبناء القبائل المشاركين في مجموعات الدعم سيفجر الأوضاع في سيناء مجدداً".
ويستوجب ذلك، بحسب المصدر، سرعة إعداد تصور شامل بشأن تفكيكها، والحد من الصلاحيات الممنوحة لها، مشيراً إلى "ضرورة وجود رؤية موحدة بين أجهزة الدولة المعنية بشأن التعامل مع هؤلاء المقاتلين".
وأضاف أنه "في الوقت الذي ترى فيه القوات المسلحة ضرورة العودة إلى ما قبل مرحلة مواجهة داعش، هناك أجهزة أخرى ترى في بقاء مجموعات الدعم ضرورة لمنع عودة العناصر المتطرفة مجدداً أو ظهور أية بؤر إرهابية جديدة".
السيطرة على اتحاد قبائل سيناء مهمة صعبة
وفي السياق قال أحد مسؤولي المجموعات القبلية ويُدعى أبو أحمد المنيعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن عدداً من المجموعات القبلية لم يكن لها هيكل تنظيمي للعمل، وإنما عملت بشكل تطوعي، وانتهى وجودها بانتهاء المهمة.
وأضاف أن المجموعات سلّمت سلاحها الممنوح من الجيش، خصوصاً السلاح المتوسط والثقيل، وكذلك المركبات التي حصلوا عليها من قوات الجيش، والتي عادت إلى قواعده، بينما "مئات المقاتلين يعملون بشكل رسمي ومهني ومسجلون في كشوفات رسمية لدى الجهات الأمنية، وهم المنضوون تحت اتحاد قبائل سيناء الذي يقوده رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، ويُعتبر المؤسس الأول للمجموعات القبلية المساندة للجيش في سيناء".
ويُقدر عدد هؤلاء بحسب المنيعي بـ350 مقاتلاً، "يحملون سلاحهم الخفيف والثقيل، وسلاح القنص، وجيبات مصفحة، حصلوا عليها من قوات الجيش بشكل رسمي، ضمن الحرب على الإرهاب".
أبو أحمد المنيعي: تحذير من المساس بسلاح القبائل والعشائر في سيناء
وأشار إلى أن "أي حديث عن تفكيك المجموعات القبلية يعني السيطرة على اتحاد قبائل سيناء، وهذه مهمة صعبة، في ظل حرص الاتحاد على استمرار حمله للسلاح، تحت حجج مختلفة".
ولفت إلى أن "هناك تحذيرا من المساس بسلاح القبائل والعشائر في سيناء، وهو سلاح شخصي اعتاد أهالي سيناء على الاحتفاظ به طيلة العقود الماضية منذ الاحتلال الإسرائيلي، بحجة ملاحقة المجموعات القبلية وفكفكتها".
وبالتزامن مع المعلومات السابقة، أعلنت الرئاسة المصرية عن اجتماع عقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أول من أمس الأحد، مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الدفاع الفريق محمد أحمد زكي، واللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، واللواء محمود توفيق وزير الداخلية، واللواء محمد عبد الفضيل شوشة محافظ شمال سيناء، لنقاش ملفات تتعلق بسيناء بشكل خاص.
وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المستشار أحمد فهمي إن الاجتماع "تناول متابعة الموقف التنفيذي لجهود التنمية الشاملة بمحافظة شمال سيناء، حيث وجه الرئيس بأن تهدف هذه الجهود إلى صياغة مسار تنموي متطور ومتكامل، يتسق مع أهمية وخصوصية المكانة الفريدة لسيناء، ويتناغم مع جهود الدولة المماثلة في كل ربوع مصر، وذلك بتكاتف جميع وزارات وهيئات الدولة".
كما اطلع الرئيس في هذا الإطار على "الإجراءات والجهود الكبيرة التي بُذلت في سيناء على مدار السنوات السابقة من أجل استعادة الأمن والاستقرار، بما يمهد الطريق لتنفيذ الرؤية التنموية للدولة والعديد من المشروعات القومية في سيناء، بهدف توفير الحياة الكريمة ومستوى المعيشة اللائق لأهالي سيناء".
وجاء الاجتماع بعد أن أنهى مئات المهجرين المصريين من مدينة رفح، يوم 27 أغسطس/ آب الماضي، اعتصامهم الذي بدأوه يوم الجمعة 25 أغسطس الماضي، للمطالبة بالعودة إلى قراهم التي هُجروا منها قبل سنوات.