أعلنت مجموعة من الناشطات والناشطين الحقوقيين التونسيين المنخرطين في المجتمع المدني والقوى الحية والمؤمنة بمبادئ دولة القانون عن تكوين لجنة مدنية للدفاع عن استقلالية القضاء ومساندة تحركات القضاة دفاعاً عن استقلاليتهم.
وأكدت المجموعة في بيان مساء أمس السبت أن الهدف من تكوين اللجنة هو التصدي للخطاب التحريضي الموجه ضد القضاة والرامي لشيطنة المؤسسة القضائية لإحكام السيطرة عليها، إضافة إلى تقديم تصورات غايتها تحقيق إصلاح حقيقي للقضاء يضمن للمتقاضين حقهم في عدالة جيدة وناجزة.
وبحسب البيان فإن إحداث اللجنة يأتي بسبب "ما آل إليه الوضع الراهن في البلاد من تهديدات لاستقلال القضاء نتيجة التراجع عن مبدأ الفصل بين السلط وعن ضمانات استقلالية السلطة القضائية وما تمثلها من مخاطر على حقوق المتقاضين وحسن سير العدالة".
وأكدت المجموعة التزامها "بالنضال السلمي تحقيقاً لهذه الغايات السامية التي لا يمكن من دونها بناء دولة ديموقراطية تكرّس قيم المواطنة والعدالة والمساواة".
ومن بين الموقعين على عريضة تأسيس اللجنة وزير الدفاع الأسبق القاضي غازي الجريبي، والنائبة السابقة والناشطة بشرى بلحاج حميدة، وأستاذة القانون الدستوري سناء بن عاشور، والقاضي بالتعقيب عفيف جعيدي، والرئيس الأسبق لهيئة الانتخابات المستقلة كمال الجندوبي، والناشط الحقوقي رامي الصالحي، وأستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي، ومستشارة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، المحامية سعيدة قراش، وغيرهم.
فصل جديد من معركة استقلال القضاء
ويدخل القضاة التونسيون فصلاً جديداً من معركة استقلال القضاء التي يقودونها منذ أشهر في مواجهة قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، بعد حله المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بآخر معين وإصدار مراسيم تتيح له عزل القضاة دون منحهم أي حق في الطعن أو الاعتراض، ووصمهم بالفساد وتعطيل سير القضاء.
إذ بعد أسبوعين من الإضراب، قرّر القضاة التونسيون مواصلة تعليق العمل بكافة المحاكم العدلية والإدارية والمالية والمؤسسات القضائية مدة أسبوع ثالث، ابتداء من يوم غد الإثنين، وتفويض تنسيقية الهياكل القضائية ضبط ترتيباته وملاءمته حسب تطور الأوضاع.
وأعلن القضاة عن تنظيم تجمّع عام تحت عنوان "يوم غضب"، مفوضين تنسيقية الهياكل القضائية تحديد موعده، فيما جددوا دعوتهم عموم القضاة العدليين والإداريين والماليين إلى عدم الترشح للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولفروعها وإلى عدم سدّ شغور القضاة المشمولين بالإعفاء.
وطالب الحاضرون في جلسة عامة، السبت، تنسيقية القضاة بـ"مواصلة إدارة الأزمة بنفس الروح النضالية والمحافظة على وحدة الصف القضائي لضمان تواصل نجاح تحركات القضاة"، مفوضين إياها اتخاذ القرارات والترتيبات اللازمة، وفقاً لما تستوجبه تطوّرات الأوضاع.
وقالت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين روضة القرافي لـ"العربي الجديد" إنه لم تبق أي خيارات أمام القضاة في مواجهة تعنت رئيس الدولة وانغلاقه التام مع الأمة القضائية غير المسبوقة مع جمعه كل السلط واستفرده بالقضاء وأخذه من الصلاحيات على القضاء ما لم يأخذه رئيس أو مسؤول سلطة تنفيذية سابقاً.
وبحسب القرافي فإن الأزمة وصلت إلى مداها عندما أزاح المجلس الأعلى للقضاء ووضع مجلساً وقتياً صنعه هو ليتولى قيس سعيد بنفسه تأديب القضاة وعزلهم بشكل جماعي، في وقت "لا يملك أغلبهم ملفات ولم يتم تمكينهم من حق الدفاع والتأديب طبق القانون".
وبيّنت القرافي، على هامش مشاركتها في اجتماع أمس، أن "العملية هي عقوبة وتنكيل، لأن العمود الفقري لقائمة المعزولين يتكون من سلسلة القضاء الجزائي ومن قضاء الحريات وقضاء النيابة العمومية والتحقيق والدوائر الجزائية والجنائية، الذين لم يستجيبوا لتعليمات رئيس الجمهورية وتوجيهاته التي يوجهها مباشرة عبر التلفزة في ملفات ذات خلفية سياسية عالية في الصراعات المطروحة على الساحة التونسية في هذه الأزمة المحكمة".
وأضافت القرافي خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن العزل يهدف للتنكيل بالقضاة بسبب تمسكهم في أدائهم المهني الحيادي المستقل ورفضهم تطبيق تعليمات الرئيس. وقالت إن الغرض من العقوبة هو إرهاب كامل الجسم القضائي.
وأضافت القرافي أن الإصرار على مواصلة الإضراب يأتي بسبب تجاهل الرئيس، فيما تعالج وزيرة العدل الأزمة بمزيد الإجراءات التصعيدية، مثل التهديد بالاقتطاع من مرتبات القضاة وبعقوبات أخرى وصلت إلى حد دعوة رئيس الجمعية من التفقدية لمساءلته حول نشاطه النقابي، وكذلك هرسلة وتخويف جميع الهياكل والتنظيمات القضائية الستة التي تقود هذا التحرك.
وتابعت: "ليس هناك من خيار سوى الاحتجاج ودخول القضاة المعفيين في إضراب جوع، ما سيدفع إلى انضمام مزيد من الزملاء"، وأضافت: "ليس هناك أفق لحوار أو لحل سياسي؛ بل هناك تمسك وإصرار وتعنت من الرئيس على عدم التراجع على هذه المظالم التي استهدفت السلطة القضائية والقضاة وضد مقومات دولة القانون".
وأشارت القرافي إلى أن القضاة يقفون اليوم أمام محاولة الرئيس بشكل تام وضع يده عليهم بهدف النطق بالقانون كما يريد رئيس الجمهورية وليس باستقلالية وحيادية.