تستعد الأحزاب البرلمانية التونسية لجلسة التصويت على منح الثقة للتعديل الوزاري الذي أعلنه رئيس الحكومة هشام المشيشي، ويفترض عقدها الأسبوع المقبل.
وبرز تباين واضح بين مواقف الداعمين للحكومة والمعارضين حول ملامح التعديل الحكومي وشكله، وجرى الخلاف حول تقليص حصة النساء وما راج عن "شبهات الفساد" بشأن عدد من الوزراء.
وتنعقد جلسة التصويت على التعديل الوزاري في وضع صحي دقيق وتوتر برلماني غير مسبوق. فمن جهة، يعيش الحزام البرلماني للحكومة حالة من الانقسام بسبب الخلاف الدائر بين كتلتين من التحالف الحكومي، ائتلاف الكرامة وحركة النهضة، بسبب إصدار رئيس البرلمان راشد الغنوشي، أمس الأول، بياناً أدان فيه نواب الكرامة بـ"ممارسة العنف ضد الكتلة الديمقراطية"، ما دفع رئيس الكتلة سيف الدين مخلوف، إلى التهديد بمقاطعة الأعمال البرلمانية والجلسات، وإنهاء التنسيق والتوافق مع النهضة. ومن جهة أخرى تفاقمت تهديدات انتشار وباء كورونا، الذي أودى بحياة برلماني وأصاب العشرات بينهم.
إلى ذلك، شرعت الكتل والأحزاب البرلمانية في عقد اجتماعات لتحديد مواقفها النهائية من التعديل الوزاري وجلسة التصويت.
وتجتمع اليوم كتلة حركة النهضة، الحزب البرلماني الأول بـ54 عضواً، لدراسة المتغيرات والمواقف، وخصوصاً وسط توتر الأجواء البرلمانية وإعلان الدخول في اعتماد التدابير الاستثنائية بسبب انتشار وباء كورونا، الذي يحتم عقد جلسة عامة الثلاثاء لإقرار هذه الإجراءات لإلغاء شرط النصاب القانوني لبدء الجلسات، والسماح بالتصويت عن بعد، بما يحافظ على استمرارية أعمال البرلمان، وسط رفض المعارضين، خصوصاً قبل جلسة التعديل.
وفي تعليقها على التعديل الوزاري، استنكرت القيادية والنائبة بحزب النهضة يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اقتصار القائمة المقترحة من رئيس الحكومة على الرجال دون الكفاءات النسائية، في وقت استُغني فيه عن أربع وزيرات، ما قلص من حضور النساء في الحكومة، معتبرة أن "النساء لم يكنّ مجرد عدد ورقم يضاف أو إحدى أدوات الديكور والزينة للتشكيلة الحكومية".
وأضافت عضو شورى النهضة يمينة الزغلامي قائلة: "حسب علمي، هذه مقترحات الأحزاب الداعمة بيمينها ويسارها (بما فيها حزب النهضة)، وللأسف أجمع كلهم على عدم وجود كفاءات نسائية"، وتابعت: "فليتحمل الجميع المسؤولية في هذا الخيار".
استنكرت القيادية والنائبة بحزب النهضة يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اقتصار القائمة المقترحة من رئيس الحكومة على الرجال دون الكفاءات النسائية، في وقت تم الاستغناء على أربعة وزيرات
وعن الوزيرين اللذين تداولت اسميهما منظمات غير حكومية في علاقة بوجود شبهات تضارب مصالح، قالت الزغلامي إنه "سيقع التثبت دون تحامل أو تشويه، لأن السير الذاتية المقدمة من طرف الوزراء المقترحين عالية من حيث الكفاءة والاختصاص"، مشددة على أنه "سيتم التثبت مع رئيس الحكومة من وجود شبهات تضارب مصالح أو فساد من عدمه".
وحول التصويت على منح الثقة للتعديل الوزاري من عدمه، قالت الزغلامي إنه سينعقد "اجتماع لكتلة حركة النهضة اليوم الأحد"، مشيرة إلى أن "مساندة الحكومة ليست صكاً على بياض، وستتداول مؤسسات الحركة في هذا الموضوع".
ويبدو أن كتلة قلب تونس قد حسمت موقفها بالتصويت لفائدة التعديل الوزاري من خلال مواقف وتصريحات أبرز قيادييها المساندين للتعديل، الذين تقاسموا توجه وفكرة إبعاد وزراء الرئيس أو الموالين له.
وأكد القيادي والنائب عن حزب قلب تونس رفيق عمارة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التعديل الوزاري "في وقته وفي محله"، مشيراً إلى أنه "بهذا التعديل أصبحنا نتحدث عن حكومة هشام المشيشي، وطوينا صفحة حكومة الرئيس".
وأكد عمارة مواصلة مساندة حكومة المشيشي، مشيراً إلى أنه سيصوت لفائدة التعدل "من أجل مصلحة تونس، ومن أجل تحقيق الاستقرار اللازم حتى يشرع رئيس الحكومة في العمل على الملفات والإصلاحات الضرورية".
وانتقدت الأحزاب والمنظمات بشدة تغييب المرأة عن التعديل الوزاري، وقرب بعض الأسماء للأحزاب الداعمة، ووجود شبهات فساد وتضارب مصالح، على غرار تنبيه منظمة "أنا يقظ" من تعيين وزير الصناعة والطاقة المقترح سفيان بن تونس، باعتباره عضواً في حزب "قلب تونس"، ولوجود تضارب مصالح من وراء تعيينه الذي وصفته المنظمة بـ"المشبوه"، بحسب بيانها.
يبدو أن كتلة قلب تونس قد حسمت موقفها بالتصويت لفائدة التعديل الوزاري من خلال مواقف وتصريحات أبرز قيادييها المساندين للتعديل، والذين تقاسموا توجه وفكرة إبعاد وزراء الرئيس أو الموالين له
إلى ذلك، تداولت منظمات تقريراً للهيئة العليا للرقابة تتناول "شبهة تضارب مصالح وزير التشغيل يوسف فنيرة"، فيما اعتبرت المعارضة أنه "جرى تقاسم التعيينات بين الأحزاب الداعمة، خصوصاً حركة النهضة وقلب تونس وتحيا تونس وكتلة الإصلاح".
وأفاد النائب عن كتلة الإصلاح الوطني فيصل الطاهري، "العربي الجديد"، بأن هناك اختلافاً في المواقف والتقديرات حول التعديل الوزاري داخل الكتلة، و"سيجري تقريب وجهات النظر ودراسة الموقف بما يتناسب مع الوضع الذي أصبحت تطغى عليه الاحتجاجات، وفي النهاية يجب أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها كاملة في القيام بالإصلاحات".
وأضاف الطاهري أن "لهذا التعديل وجهين: ففي جانب، هو اضطراري لسد الشغورات، وآخر تعديلي، ولرئيس الحكومة الحق في إجراء أي تعديل على أساس ما يراه من تقييم، غير أنه بالنسبة إلينا كبرلمانيين، أعطينا ثقتنا على أساس حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن الأحزاب، ونرجو أن يكون رئيس الحكومة قد حافظ على هذا الجانب".
وتابع بأنه "على ما يبدو من القراءة الأولية بأنه جرت المحافظة على هذا الشرط، إلا من شخصية واحدة، في انتظار مزيد من التدقيق، ونحن نشاطر موقف رئيس الجمهورية بأن يكونوا بعيدين عن التجاذبات السياسية، ومن تعلقت بهم شبهات، حتى ولو يجري حسمها بالقضاء".
وبالرغم من الانتقادات والصعوبات، يمكن تمرير التعديل الوزاري وحصوله على الأغلبية المطلقة من الأصوات الداعمة للحكومة هذا الأسبوع، من خلال أصوات كتل النهضة (54 عضواً) وقلب تونس (29 عضواً) وكتلة الإصلاح (16 عضواً) وكتلة تحيا تونس (10 نواب) والكتلة الوطنية (9 نواب)، وهو ما يعني 118 صوتاً، في وقت يتطلب فيه التصويت 109 أصوات فقط، هذا دون اعتبار إمكانية مراجعة كتلة ائتلاف الكرامة (18 نائباً) لموقفها بالتصويت أيضاً للتعديل الحكومي.
في المقابل، تحافظ المعارضة على مواقفها الواضحة من التعديل برفضها المبدئي لحكومة هشام المشيشي، حيث تقف الكتلة الديمقراطية، التي تضم حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، في صدارة المعارضين (بـ38 نائباً)، تليها كتلة الدستوري الحر (16 نائباً)، ومجموعة متحركة من النواب غير المنتمين إلى كتل واضحة تضم 26 نائباً، مواقفهم متغيرة ومتباينة، نصفهم مع الحكومة وبعضهم ضدها.
وينتظر أن تنعقد الجلسة العامة للتصويت على التعديل الوزاري الأسبوع المقبل، حيث ينص القانون الداخلي على عقد اجتماع مكتب البرلمان في غضون يومين من تلقيه طلب التعديل وتفصيل أسبابه والسير الذاتية للوزراء المقترحين، وبدوره يحدد مكتب البرلمان، برئاسة راشد الغنوشي، موعد الجلسة العامة الذي لا يتعدى أسبوعاً من ذلك.
وينص القانون على أن التصويت يكون بالأغلبية المطلقة (أي 50 زائداً واحداً)، على ألا يقل عن 109 أصوات من أصل 217 عضواً في البرلمان، ويكون التصويت على كل وزير على حدة وليس على قائمة التعديل بأكملها.
وفي جانب متعلق، تدهورت صحة النائبة عن التيار الديمقراطي المعارض، سامية عبّو، بعد إضرابها عن الطعام الذي دام عدة أيام بالبرلمان، ونُقِلَت اليوم الأحد إلى المستشفى.