كشفت مصادر دبلوماسية عربية عن أن استضافة وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان من قبل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية واجهت تحفظات من قبل بعض الدول العربية التي تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا.
وهاجم الوزير الأرميني، في كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري في دورته العادية رقم 159 بمقر الأمانة العامة بالقاهرة، الأربعاء الماضي، الدولة العثمانية واتهمها بـ"ارتكاب إبادة جماعية للأرمن، مطلع القرن العشرين".
عصام عبد الشافي: ما يربط بين تركيا والعرب أكبر بعشرات المرات مما يربطهم بأرمينيا
وقال ميرزويان إنه "خلال الأحداث المأساوية في أوائل القرن العشرين، حيث الآلاف من الأرمينيين فروا من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية في سنة 1915، وجدوا ملاذاً آمناً في الدول العربية خلال هذه الأيام الصعبة"، وأضاف: "الأرمينيون مُنحوا حرية العيش والازدهار في الدول العربية المضيفة، ولن ينسى الأرمينيون ذلك أبداً".
وأكدت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أنه "كانت هناك تباينات في مواقف مندوبي الدول العربية بشأن استضافة الوزير الأرميني. فبينما رأت بعض الدول أن ذلك يُعد بمثابة توازن في العلاقات بين الدول العربية ومحيطها الإقليمي، وخصوصاً مع التحسن في العلاقات بين تركيا وأرمينيا في الفترة الأخيرة، تحفظت دول أخرى، معتبرة أن ذلك يهدد العلاقات مع أنقرة".
وقال دبلوماسي في الجامعة العربية، تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه، إن "كلمة وزير الخارجية الأرميني، وما احتوته من إشارات تاريخية، لا تعبّر بطبيعة الحال عن المواقف الرسمية للدول العربية. حتى الدول التي شهدت العلاقات بينها وبين تركيا توترات، ومنها دولة مصر، لم تعترف رسمياً، حتى الآن، بموضوع "إبادة الأرمن"، حرصاً على العلاقات مع تركيا".
مناكفة سياسية مع تركيا
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المصري عصام عبد الشافي، لـ"العربي الجديد"، إن "مثل هذه اللقاءات، وما يشابهها، تعبّر عن خلل في البوصلة الاستراتيجية للقائمين على إدارة جامعة الدول العربية، لأنها تتم في إطار ما يمكن تسميته بالمناكفة السياسية مع تركيا فقط، من دون مراعاة لأي اعتبارات استراتيجية أو حتى مصلحية للدول العربية".
وأضاف عبد الشافي: "من منظور الأمن القومي العربي، وبعيداً عن أي اعتبارات تاريخية لما يسمى مجازر الأرمن، وبعيداً عن أي اعتبارات دينية باعتبار أن تركيا دولة مسلمة، فإن ما يربط بين تركيا والعرب أكبر بعشرات المرات مما يربطهم بأرمينيا على كل المستويات السياسية والاستراتيجية والاجتماعية".
محمد نشطاوي: أي محاولة لتأييد الطرح الأرميني قد تؤثر في العلاقات العربية – التركية
وتابع عبد الشافي، وهو مدير المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية في تركيا، أنه "من المنظور السياسي ليست هناك إشكالية أن تستضيف الجامعة أو غيرها من مؤسسات من تشاء وقت ما تشاء، لكن الأمر يرتبط بالعديد من الاعتبارات، أهمها السياقات السياسية لمثل هذه اللقاءات، ودلالات التوقيت، والأهداف الاستراتيجية التي يمكن أن تحققها، والفرص والتهديدات التي يمكن أن ترتبط بها".
وأوضح أنه "إذا كانت الجامعة ترفع راية الوساطة السياسية في مثل هذه الأزمات، فالأمر يتطلب أن تستضيف وزير الخارجية التركي لسماع وجهة نظره. لكن لا أعتقد أنها يمكن أن تقوم بذلك لأنها فاقدة للقدرة والإرادة وتتحكم فيها بعض النظم التي توجهها بما يخدم مصالحها الذاتية".
أما أستاذ العلاقات الدولية محمد نشطاوي، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه "بالنسبة للدول العربية، لم يكن هناك اعتراض على زيارة وزير الخارجية الأرميني وإلقاء كلمة أمام مجلس جامعة الدول العربية، لكن أيضاً لم يكن هناك تجاوب مع هذه الزيارة، خصوصاً أن عدداً من البلدان العربية لها علاقات متينة مع تركيا، وبالتالي لن تتجاوب مع إثارة قضية مذبحة الأرمن وحرب الإبادة التي تنفيها تركيا، ولا أظن أنه سيكون لها صدى لدى عدد من الدول".
لا تجاوب مع الطرح الأرميني
وأضاف "حتى الدول التي كانت في عداوات مع تركيا، مثل الإمارات والسعودية ومصر، الآن هناك تطبيع لهذه العلاقات، وبالتالي أي محاولة لتأييد هذا الطرح الأرميني قد يؤثر في العلاقات العربية - التركية".
وتابع: "لذلك لم يكن هناك تجاوب، وتُرك المجال لوزير الخارجية لإبداء رأيه وأفكاره، والعمل على أن تكون هناك محادثات ثنائية، وبالفعل كانت هناك محادثات ثنائية بين الوزير الأرميني وعدد من المسؤولين في البلدان العربية".
وحول مشاركة الوزير الأرميني، قال أستاذ العلاقات الدولية: "أظن أنها محاولة من أجل العمل على جر عدد من الدول العربية للوقوف في صف أرمينيا في نزاعها مع أذربيجان، ولكن أظن بأن وقوف تركيا مع أذربيجان وعدم تنديد عدد من الدول العربية بهذا الموقف، لا يفسح المجال لمزيد من المواكبة للطرح الأرميني في ما يتعلق بهذا النزاع".
وأوضح أن "هذا الخطاب حاول إلقاء الضوء على طبيعة النزاع بين أرمينيا وأذربيجان في منطقة القوقاز، وتفاصيل الأزمة الإنسانية في ناغورنو كاراباغ".
وفي السياق أضاف أن "الشيء الأساس الذي كان حاضراً بقوة في الخطاب، وفي لقاء شيخ الأزهر أحمد الطيب، أن الوزير الأرميني حاول أن يبين أن أذربيجان تستغل العامل الديني، وتحاول العمل على إضفاء الصبغة الدينية على هذا النزاع، وهو ما يرغب في ألا يطغى على العلاقات التقليدية بين أرمينيا والدول العربية، والتأكيد على أن هذه المحاولات لا أساس لها من الصحة".
وتعليقا على كلمة الوزير الأرميني في الجامعة العربية، قال مساعد وزير الخارجية المصري السابق السفير إبراهيم الشويمي، لـ"العربي الجديد"، إنها "تعتبر شهادة لصالح الدول العربية بأنها استقبلت الأرمن أحسن استقبال في وقت الشدة، وذلك لاعتبارات إنسانية من دون اعتبارات سياسية ضيقة، وأتاحت لهم سبل العيش الكريم بالسماح لهم بالعمل بما يحفظ كرامة الإنسان، وقدمت لهم أيضاً الرعاية الصحية، مثل مواطنيها".
من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، لـ"العربي الجديد"، إن "الدول العربية لم تدع وزير الخارجية الأرميني إلى جامعة الدول العربية، ولكن هو من عرض أن يُدعى إلى الجامعة العربية، وبالتأكيد أن الدول الأعضاء لم تتوقع أن يصرح ضد تركيا أو أن يتطرق إلى قضية الأرمن، خصوصاً في ظل المقاربات الأخيرة بين تركيا والأنظمة العربية".
وأضاف الأشعل أن "الدول العربية لا ترغب في فتح عداء جديد مع تركيا، بدليل أن الجامعة العربية لم تتخذ موقفاً ضد تركيا، ولم يصدر أي قرار بعد الاجتماع الوزاري".
ولفت إلى أن "قضية الأرمن هي قضية قديمة، ودوماً ما تُثار نكاية في تركيا أو كتحرك ضدها من أجل الضغط عليها، فما الذي يُعيد هذه القضية إلى الساحة مجدداً؟"، مضيفاً "أظن أن الدافع هو الضغط على تركيا بسبب تقارب الأخيرة مع النظام الإيراني، وكذلك التقارب التركي-السوري، والتقارب التركي-الروسي".