تشكل الحرب في أوكرانيا فرصة لبعض القوى الغربية، وللمعارضة السورية، لإعادة تفعيل بعض الآليات التي قد تشكل ضغطاً على روسيا في الملف السوري.
إلا أن البعض يرى أن هذه التحركات قد لا تثمر عن نتائج كبيرة، نظراً لأنها تأتي متأخرة، بعدما تمكنت روسيا بالفعل من تغيير المعادلات في سورية لصالح النظام، فيما انحسرت المعارضة إلى مناطق محدودة.
وفي هذا السياق، استضافت العاصمة الأميركية واشنطن، أمس الأول الخميس، اجتماعاً موسعاً ضم ممثلين عن عدد من الدول العربية والغربية. وأكد المجتمعون التزامهم بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ورحبوا بالإحاطة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية غير بيدرسن، بما في ذلك مبادرة "خطوة بخطوة"، وهي المبادرة التي جدد معارضون سوريون رفضهم لها.
ووفق بيان نشرته وزارة الخارجية الأميركية، فإن المشاركين في الاجتماع، الذين يمثلون كلا من جامعة الدول العربية، ومصر، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، والعراق، والأردن، والنرويج، وقطر، والسعودية، وتركيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، إلى جانب بيدرسن، دعوا إلى تحقيق نتائج ملموسة في الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، التي ستعقد في 21 مارس/آذار الحالي.
أكد المشاركون في اجتماع واشنطن التزامهم السعي من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية
وقال ممثلو الدول في بيانهم، إنه مع اقتراب الذكرى 11 للانتفاضة السورية السلمية في 15 مارس، "نعترف باستمرار معاناة الشعب السوري، وهو أمر غير مقبول ويجب أن ينتهي".
الضغط من أجل المساءلة عن الجرائم
وأضاف البيان أن تلك الدول "ستواصل الضغط من أجل المساءلة عن أخطر الجرائم التي ارتكبت في سورية، منها استخدام الأسلحة الكيميائية، وكذلك الضغط من أجل إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً، إضافة إلى مواصلة الدعم للاجئين السوريين والدول المضيفة، حتى يتمكنوا من العودة طوعاً إلى ديارهم بأمان وكرامة، بما يتماشى مع معايير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
وأكد المشاركون التزامهم السعي من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، الذي يحمي حقوق كافة السوريين وكرامتهم. وشددوا على أهمية وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، فضلاً عن المساعدات عبر الخطوط، ومشاريع الإنعاش المبكر المتوافقة مع قرار مجلس الأمن رقم 2585.
وكان بيدرسن قد أعلن نهاية يناير/كانون الثاني الماضي أنه حصل على دعم من مجلس الأمن للتقدم في مقاربة "خطوة بخطوة" بين الأطراف المعنية، "لتحديد خطوات تدريجية ومتبادلة وواقعية محددة بدقة، وقابلة للتحقق، لتطبّق بالتوازي بين الأطراف المعنية وصولاً إلى القرار الدولي 2254".
رفض مقاربة بيدرسن "خطوة بخطوة"
غير أن أعضاء في هيئة التفاوض السورية المعارضة رفضوا هذه المقاربة من جانب بيدرسن، وطالبوا بإعادة تفعيل دور "مجموعة من أجل سورية".
وقال الأعضاء، في بيان الخميس الماضي، إن هذه المقاربة "تنهي حق الشعب السوري، وتحرف قرار مجلس الأمن الدولي 2245"، وقد رفضت شعبياً ورسمياً، "لكن المبعوث لم يلتفت، أو يرد على مخاطبته رسمياً، بل دعا إلى جولة جديدة لاجتماعات اللجنة الدستورية، تحت منهجية خطوة بخطوة".
وفي السياق، بحث ممثلون عن الائتلاف الوطني السوري، مع الفريق الفرنسي المختص بالملف السوري، في مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، مستجدات الأوضاع الميدانية والسياسية في سورية، إضافة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته على الملف السوري.
وقالت الدائرة الإعلامية في الائتلاف، في بيان، إن نائب رئيس الائتلاف الوطني لشؤون العلاقات الخارجية عبد الأحد اسطيفو رفض، خلال الاجتماع، مبادرة بيدرسن "خطوة مقابل خطوة"، انطلاقاً من موقف الائتلاف "الرافض لأي طرح غير واضح المعالم".
وجدد التزام الائتلاف بالحل السياسي، وفق القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري، وفي مقدمتها بيان جنيف والقراران 2118 و2254 وتحقيق الانتقال السياسي الكامل.
ضرورة تغيير سياسة الغرب تجاه سورية
وناقش الجانبان، بحسب البيان، "العدوان الروسي على أوكرانيا وتداعياته على السياسة العالمية، خصوصاً القضية السورية". وأكد اسطيفو ضرورة تغيير سياسة الغرب تجاه الملف السوري، وإعطائه أهمية أكبر، على اعتبار أن التراخي بالتعامل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سورية أدى إلى قيامه بغزو أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، قال عضو في الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري، وفي اللجنة الدستورية، لـ"العربي الجديد"، إن هذه اللقاءات تزيد الزخم للملف السوري وتعيده إلى الأولويات الدولية.
وأضاف أن البيان الذي صدر عن "المجموعة المصغرة" أكد على الحل السياسي وتحييد القضايا الإنسانية، وإبعاد الملف السوري عن المساومات الدولية خارج إطار السياق الدولي للحل.
غازي دحمان: لم يعد أمام القوى الدولية الكثير لتفعله لتصحيح أخطائها السابقة
من جهته، انتقد رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، أنس العبدة، ما سماه "تواطؤ الدول الغربية وازدواجيتها في المذبحة التي تجري بسورية، مقابل محاولة حماية أوكرانيا وشعبها بسبب التدخل الروسي".
ونقلت وكالة "الأناضول" عن العبدة قوله إن "السلوك اللامبالي للغرب في سورية سينعكس عليهم، فروسيا وإيران جعلتا المنطقة مرتعاً للإرهاب العابر للحدود، وحولتا سورية إلى معمل مخدرات يفتك بالشعوب جميعها".
"شهر محاسبة" النظام السوري
هذه التحركات المرتبطة بالحرب الروسية في أوكرانيا، تناغمت معها في وقت سابق السفارة الأميركية في دمشق، عبر تغريدة في "تويتر"، قالت فيها إن شهر مارس الحالي سيكون "شهر المحاسبة" للنظام السوري، وإن الإفلات من العقاب سينتهي في سورية.
لكن المحلل السياسي غازي دحمان، استبعد أن تثمر عن نتائج ملموسة، إذ لا يتعدى مفعولها السياق الإعلامي، وفق قوله. وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القوى الدولية، التي سلمت منذ وقت مبكر الملف السوري لروسيا، لم يعد أمامها الكثير لتفعله لتصحيح أخطائها السابقة، خصوصاً أنه ليس لديها العزيمة ولا الخطط لتغيير المعادلة الميدانية الراهنة، التي استقرت خلال السنوات الأخيرة بجهود مضنية من نظام بشار الأسد وحليفيه الروسي والإيراني، بينما ظل الغرب يبيع المعارضة السورية الأوهام".
وتوقع دحمان أن تكون هذه التحركات مجرد "زوبعة في فنجان" ومرتبطة أساساً بالوضع في أوكرانيا، إلا في حال تفاقم الوضع هناك، فقد يلجأ الغرب إلى التفكير جدياً في خلق مصاعب لروسيا في مناطق أخرى، وفي مقدمتها الساحة السورية.