لليوم الرابع، تبقى العين على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين، وسط تساؤلات بشأن ما إذا كانت الجبهة ستتوسع ومعها رقعة المواجهات بين "حزب الله" والاحتلال الإسرائيلي، أم ستبقى في وضعية الفعل وردّ الفعل المتقطّع.
موقف لبنان الرسمي، الذي لم تجتمع حكومته فوراً وبشكل طارئ رغم خطورة المشهد بل اختارت الانعقاد الخميس، يؤكد ضرورة تحييد البلد عن الصراع، وعدم التصعيد، والحفاظ على استقرار الجنوب واللبنانيين، وهو تأكيدٌ مربوطٌ أيضاً بتحذيرات خارجية، خصوصاً فرنسية وأميركية بضرورة أن ينأى لبنان بنفسه عمّا يحصل في فلسطين المحتلة. من هنا تتكثف الاتصالات لردع "حزب الله" وضبط خطواته لعدم تطوّر الوضع أكثر.
ميدانياً، تُعتبر الصورة غير مستقرّة، فصباحاً يكون المشهد هادئاً بحذر، وفجأة تسمع أصوات القذائف والرصاص، ثم يعود الهدوء لساعات فتعتقد أن الأحداث انتهت، لكن الليل يكون له مفاجآته أيضاً بتجدد القصف. فقط الواقع الثابت، هو مشهد طيران العدو الإسرائيلي الذي يخرق الأجواء اللبنانية باستمرار، والشوارع الفارغة والمحال المقفلة، ودوريات الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
وفي جولة على بعض السكان في عددٍ من البلدات الجنوبية التي تقع على مقربة من القصف، التقى من تحدث معهم "العربي الجديد"، على أن ما يحدث اليوم شبيه إلى حدٍّ كبير بمشهد حرب يوليو/تموز 2006. فعلى الرغم من أن الاستقرار لم يكن يوماً تاماً في المناطق الحدودية، وكل فترة تعود إلى الواجهة التوترات والمواجهات مع العدو، بيد أن هذه المرّة الوضع اختلف، وهناك مخاوف جدية من تصعيد أمني.
ويجمع العديد من الأهالي أنهم لا يريدون حرباً في لبنان وبالجنوب خاصة، فهم يبحثون عن الاستقرار والأمان والحياة الطبيعية، وأن يذهب أولادهم إلى المدارس التي لا تزال مقفلة، منذ يوم الاثنين، نتيجة التوترات الأمنية، ومستعدون طبعاً للوقوف بوجه اعتداءات العدو الذي لا يزال يحتل أراضاً لبنانية، ويخرق بشكل مستمر البر والجو والبحر، ولكن يفضّلون تحييد البلد عن صراعات المنطقة.
هذا الإجماع يخرقه الشبان والعناصر الحزبية المرتبطة بحزب الله، الذين يسارعون إلى الردّ بأننا سنموت لتحرير أرضنا ولن نسمح للعدو بأن يواصل اعتداءاته وانتهاكاته، وإلى التأكيد أن الحزب لا يقوم بأي فعل إنما تصرفاته تندرج في إطار ردّ الفعل على الانتهاكات الإسرائيلية واحتلاله أراض لبنانية.
يقول رئيس بلدية كفرشوبا، قاسم القادري، لـ"العربي الجديد"، إن "كفرشوبا هي قرية حدودية وشهدت تبادلاً لإطلاق النار خلال هذه الأيام بين موقع الرمثا ورويسة العلم والسماقة، ومناطق أخرى فيها وجود لحزب الله"، لافتاً إلى أن الأجواء ذكرتنا بالأجواء القديمة أيام حرب تموز/يوليو 2006 وقبلها، والناس متخوفة طبعاً من تطور الأحداث، وانزلاق الأمور إلى اشتباكات واجتياح وقصف عشوائي وغيره".
ويلفت القادري إلى أن "حركة نزوح حصلت منذ الأحد ولكن بالدرجة الأولى من قبل الزوّار ليس السكان الأصليين الذين غادر قلّة منهم، وخصوصاً مع انتشار الكثير من الشائعات والأخبار المضللة، ومنهم عاد إلى البلدة".
ويرى أن ما يحصل اليوم هو من أخطر الأحداث في السنوات الماضية خصوصاً "أننا نشعر أن العدو موجوع لأول مرة، فهذه المعركة تحصل في الداخل عنده، بينما كانت الحروب السابقة خارج الكيان الصهيوني، سواء في لبنان أو مصر أو سورية أو الأردن، لكن أن يتم الدخول إلى الكيان والتوغل بخمسين كلم إليه، واحتلال عشرات المستعمرات، وقيام عمليات أسر وغيره ليس بأمر سهل وكأنه من الخيال، لم يصدق أحد أن تصل الأمور إلى هنا".
ويشير رئيس بلدية كفرشوبا إلى أن العدو "مقروص وموجوع، وينفذ الضربات ويشعر بوجود تعاطف عالمي نحوه وفي الرأي العام الدولي، وكأن لديه تفويض بالضرب كيفما يريد".
ويضيف أن ما يهمّ الإسرائيلي أن "يبقى مسيطراً على المحيط من هنا تقوم طائراته باختراق مستمر للأجواء اللبنانية فتحلق طوال الوقت من دون أن تلتزم بالقرارات الدولية، كونه يعتبر أن تحركه هو نوع من الردع والاستطلاع وتدارك الأمور قبل حصولها".
ويشدد القادري على أننا متفقون في البلدة على "تحييدها عن الصراعات" وألا تكون "منصة لإطلاق النار بهذا الاتجاه أو ذاك، وتحدثنا إلى الأطراف بشكل مباشر وغير مباشر عبر الأمم المتحدة، بأن لا دخل لنا بالصراع، ولسنا فريقاً مسلحاً، والمدنيين لهم اشغالهم، ولا يريدون أن يتم وضعهم بالواجهة أو يأخذوننا شبه رهائن ويتم الضغط علينا من خلال قصف البلدة وتهجيرها لأغراض معينة".
ويستبعد القادري أن تتطور الأمور إذا إلا حصل اقتحام لغزة، فهذا ممكن أن يفتح المنطقة كلها على معارك لا يمكن توقع مداها"، مؤكداً أن "ثمن الاقتحام سيكون كبيراً، قد يصل إلى حدّ المجازر، ولن يبقى أي طرف على الحياد من الأطراف التي تدخل في الصراع العربي الإسرائيلي، وقد تنزلق الأمور عندها إلى حرب كبرى".
في السياق، يقول رئيس بلدية الماري والمجيدية يوسف فياض، لـ"العربي الجديد"، إن ليلة الثلاثاء كانت "صعبة جداً، وربما لم نشهد مثيلاً لها حتى في حرب تموز 2006، على صعيد الماري".
وقال فياض لـ"العربي الجديد"، إن "16 قذيفة إسرائيلية انشطارية سقطت في وسط سهل الماري، أمس الثلاثاء، واقتصرت الأضرار على الماديات وفي الممتلكات والأرزاق وأماكن آبار المياه".
ووتابع فياض "عانا أهلنا كثيراً في عام 1948، وخلقنا وأملنا أن نعيش بأمان نحن وعوائلنا، ونحن طبعاً نضحي ولا نتحدث عن القضية عامة بل المحلية، همّنا أن نبقى في بيوتنا، فإلى أين نذهب، خصوصاً بظل الأوضاع الاقتصادية، ومن يمكن أن يستوعبنا، لن نهرب، وسنبقى في أرضنا، وها نحن اليوم فيها بعد ليلة صعبة أمس، وسنظل. نريد أن نموت في لبنان وبأرضنا وتحت سقوفنا ومتشبثين بأرضنا أكثر من السابق، ونأمل أن تنتهي الأمور على خير، رغم أننا نشعر بأنها قد تستمرّ وتتصاعد أكثر".
وختم بقوله: "إيماننا يبقى بالدولة والمؤسسات وجيشنا البطل واليونيفيل، وسيبقى كذلك".
من جهته، يقول الخبير العسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب لـ"العربي الجديد"، إن الأحداث المتقطعة في الجنوب لا تشي بأكثر من فعلٍ وردّ فعلٍ، ورأينا أنه حتى الساعة لم تتطوّر الأمور إذ قد يكون الهدف منها فقط استدراج الاحتياط الإسرائيلي عن شمال غزة، وبالتالي تفتيت الجهد الإسرائيلي لأن يكون منصباً باتجاه غزة".
ويرى ملاعب أن "كل التحركات من خارج جبهة غزة لا تشي بأن هناك عمل كبير سوف يحصل، أما التصعيد فقد يكون مرهوناً بمدى تحقيق الهجوم الإسرائيلي نجاحات، ورأينا تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي التي قال فيها إن ما تشهدونه هو البداية محاولاً استغلال العطف الخارجية نحوه وتمكن من استحضار قوة عسكرية أميركية كبيرة إلى شواطئ فلسطين المحتلة، وبالتالي، إذا كان هذا البداية، فقد يكون متوقعاً أن يخوض قتالاً برياً داخل غزة بما يعلنه من أن هدفه هو إنهاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وما يشكل خطورة هنا هو رفضه المفاوضات على تبادل الأسري، الأمر الذي يعني أن قواته هي من ستدخل لتحرير اسراه كما يخطط".
ويلفت ملاعب إلى أنه إذا كان السيناريو المذكور هو "ضمن المخطط الإسرائيلي فهذا يعني أن هناك عملية برية، وهذه الأخيرة سيكون لها تأثيرها في القرار بمحور المقاومة بالتدخل أو لا من خارج غزة، وهذا التدخل مرهون باعتبارات ليس أقلها القرار الإيراني الذي بدوره مرهون بكيفية الردّ على الغزو البري".
وتابع "إذا ما نجح الفلسطينيون في غزة بردّ وكسر هذا الهجوم البري، واستنزاف العدو في تلك المناطق، فيمكن الاتفاق على عدم فتح جبهات أخرى، علماً أن هذه الجبهات إن فتحت هناك قوة ردع أميركية في المنطقة جاهزة للتدخل لتأمين نجاح العملية الإسرائيلية".
واضاف "إذا حاولت ايران التدخل، سواء عبر أذرعتها أو مباشرة بإرسال الصواريخ الإيرانية، فإن القوة الأميركية موجودة للتعامل مع أي قوى من خارج فلسطين المحتلة قد تفشل العملية الإسرائيلية".
ويلفت ملاعب إلى أننا أمام إبادة جماعية يجب ألا يُسكَت عنها، ويجب أن نسمع كلاماً قاسياً في اجتماع الجامعة العربية اليوم لوضع العالم أمام مسؤولياته، فالاحتضان العربي مهم وقادر على افشال العملية الإسرائيلية، أما ترك العملية فقط لقرار إيراني فهذا بمنتهى الخطورة".
ومن المقرر أن تعقد جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا، اليوم الأربعاء، على مستوى وزراء الخارجية لبحث "العدوان الإسرائيلي على غزة"، بناء على طلب دولة فلسطين.
وكان مندوب دولة فلسطين الدائم لدى الجامعة العربية السفير مهند العكلوك قد قال الأحد، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الاجتماع يأتي لبحث "سبل التحرك السياسي على المستويين العربي والدولي لوقف العدوان الإسرائيلي ومساءلة مرتكبيه وتوفير الحماية الدولية لشعبنا وتحقيق السلام والأمن المرتكز على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".