يحرص المسؤولون اللبنانيون في كل مناسبة على التأكيد على أن ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يشهد تقدماً كبيراً، من دون أن يتطرقوا رسمياً إلى تفاصيل المفاوضات والنقاط التي تم التوصّل إليها، حفاظاً على حسن سيرها، تمهيداً لتوقيع الاتفاق النهائي، كما يستندون إلى المواقف الدولية المعنوية الداعمة للبنان، للتعويل عليها بأن البلاد ما تزال في سلم اهتمامات الخارج، رغم أن أي ترجمة مادية لن تحصل قبل البدء بالورشة الإصلاحية وإتمام الاستحقاقات الدستورية في موعدها.
وحضر ملف "الترسيم" في لقاءات رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي في نيويورك، حيث يرأس وفد لبنان إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي أكد أنّ "هناك تقدماً كبيراً" في الملف. أبرز اللقاءات شملت، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ لباريس دور أساسي، زاد أهمية في الفترة الأخيرة من بوابة شركة "توتال" الفرنسية التي تتجهز للتنقيب عن النفط والغاز بعد إنهاء الملف؛ ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إضافة إلى الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، حيث كان هناك استكمال للبحث في ما وصلت إليه مساعي الولايات المتحدة في المفاوضات.
وترافق تصريح ميقاتي أيضاً مع موقف للرئيس ميشال عون، أكد فيه أن "المفاوضات باتت في مراحلها الأخيرة"، في حين تطرّق نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب، المُكلف رئاسياً متابعة الملف، إلى تطورات إيجابية، خلال لقاءٍ لافتٍ عقده مع الوسيط الأميركي في نيويورك، علماً أنه ليس في عداد الوفد اللبناني، الأمر الذي صوِّب سياسياً بأنه خروج عن الموقف الرسمي اللبناني، في حين يعتبر نائب رئيس البرلمان أنه في نيويورك لتسلمه جائزة تكريمية من مؤسسة "Theirworld"، ومن الطبيعي كونه مكلفا من الرئيس عون بالملف أن يلتقي هوكشتاين الموجود أيضاً في المكان.
وقال بو صعب، في تصريح تلفزيوني، إنه "التقى هوكشتاين أكثر من مرة في الولايات المتحدة الأميركية وقد توضحت علامات الاستفهام وننتظر الطرح الإسرائيلي الخطي"، لافتاً إلى أن "هناك تقدماً كبيراً والتفاوض في مرحلته الأخيرة".
وفي سياق اجتماعات الوفد اللبناني في نيويورك، التقى ميقاتي اليوم وزير الخارجية الأميركي، الذي وصف اللقاء بـ"المثمر"، "وتمت مناقشة الحاجة إلى انتخابات رئاسية في الوقت المناسب وضرورة تنفيذ الإصلاحات لدعم الشعب اللبناني"، بحسب ما أشار المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان.
وقال بلينكن إن "الولايات المتحدة ستواصل العمل مع لبنان من أجل تحقيق السلام والازدهار".
من جهته، أكد ميقاتي أن "ملف الترسيم يشهد تقدماً كبيراً"، لافتاً إلى أنه "جرى بحث مجمل الملفات وتم التشديد بشكل خاص على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية وتمنينا دعم لبنان من كل من هو قادرٌ على ذلك".
وتطرّق اللقاء أيضاً إلى المواضيع المتعلقة باللاجئين السوريين، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي والكهرباء، والملف التربوي، وقال ميقاتي إننا "على أبواب عام دراسي وقد لمسنا تجاوبا وإن شاء الله خيراً".
وقال مصدرٌ مقرّبٌ من ميقاتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اللقاءات التي عقدها ميقاتي في نيويورك حملت إيجابية كبيرة لحرص الدول على استقرار لبنان، واستعدادها للوقوف إلى جانبه، بدءاً بالقطاعات التي تحتاج الدعم الطارئ مثل التربوي، والكهرباء، وأيضا الملفات ذات الأولوية مثل الملف الصحي الغذائي ودعم القوى العسكرية والأمنية، وغيرها، في حين أن الدعم المالي المباشر لمؤسسات الدولة يتوقف على الإصلاحات الواجب القيام بها من الجانب اللبناني".
وأشار إلى أن "الخارج يترقب الوضع في لبنان، ويشدد على أهمية إجراء الاستحقاقات الدستورية في موعدها على رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول، لأنها ستنسحب بإيجابية على وضع البلد ككلّ أمنياً واقتصادياً ونقدياً واجتماعياً، في حين أن أي تأخير قد يحصل من شأنه أن يزيد من التدهور الحاصل، والأخطر أمنياً"، مؤكداً أن "التخوف موجود من أي فوضى ممكن أن تحصل في لبنان في حال حدث فراغ رئاسي".
ولفت المصدر المطلع على لقاءات ميقاتي إلى أن "الحيز الأكبر نالته ملفات ترسيم الحدود البحرية والانتخابات الرئاسية والحكومة المراد تشكيلها والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، باعتبار أن هذه الاستحقاقات مهمة جداً في تحديد مسار المرحلة المقبلة لبنانياً وتلعب دوراً أساسياً في النهوض الاقتصادي المنتظر، كما وأعطي ملف الكهرباء والتربية أهمية خاصة".
وقال إن ميقاتي متفائل بالمرحلة المقبلة في حال مرّت كل الاستحقاقات كما يجب، سواء على صعيد تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للبلاد، وإتمام ملف ترسيم الحدود، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي، في خطوات ستؤسس كثيراً للنهوض المنتظر.
وكان ميقاتي أثنى أمس، خلال اللقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على الكلمة التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أكد فيها ضرورة العمل لتوفير الاستقرار في لبنان.
وأشار مكتب ميقاتي الإعلامي إلى أنه "خلال اللقاء تم التأكيد على أن أولوية الاستقرار في لبنان هي في إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها".
واستقبل ميقاتي، أمس، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في مقر بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة، والذي جدد دعم الجامعة للبنان واستعدادها للتحرك عربياً لدعم لبنان على الصعد كافة، لا سيما في موضوع إنجاز الاستحقاقات الدستورية في موعدها، مشيراً إلى أن "وفداً من الجامعة سيزور لبنان للمتابعة".
كما استقبل ميقاتي المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، وجرى البحث في المراحل التي قطعها التعاون بين لبنان والصندوق والمهمة التي تقوم بها بعثة الصندوق في لبنان حالياً، كذلك، التقى ملك الأردن عبدالله الثاني الذي جدد الوقوف إلى جانب لبنان لتمرير الصعوبات التي يعاني منها في كل المجالات، مشدداً على أنه سيكثف اتصالاته مع الدول المعنية لتسريع الخطوات الكفيلة بمساعدة لبنان في حل أزمة الكهرباء.
وفي وقتٍ كان ينتظر فيه لبنان من الولايات المتحدة الدعم في ملف الكهرباء، منذ فترة طويلة، دخلت إيران على الخط الرسمي، حيث زارها وفد لبناني رسمي، وتم إبلاغه أمس موافقة طهران على تزويده بـ600 ألف طن من الوقود مقسّمة على 5 أشهر، بانتظار عودة ميقاتي لوضعه في تفاصيل الجولة، خصوصاً في ظل البلبلة التي حصلت حول ماهية الدعم، باعتبار أن الهبة تجنب لبنان العقوبات الأميركية، أمّا أي تعاون آخر يوقعه تحت مقصلتها.
وتتزامن هذه الأحداث والمواقف مع وجود وفد صندوق النقد الدولي في لبنان، الذي يقوم بجولة على المسؤولين اللبنانيين للاطلاع على تفاصيل مشاريع القوانين والشروط المسبقة التي كانت تعهدت السلطات اللبنانية القيام بها في إبريل/نيسان الماضي، من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق.
وسمع المسؤولون اللبنانيون، خلال اجتماعاتهم مع الوفد التي تزامنت أيضاً مع إضراب المصارف، كلاماً عالي النبرة على صعيد تأخر لبنان كثيراً في البدء بتنفيذ الإصلاحات وإقرار القوانين الإصلاحية، على رأسها "كابيتال كونترول"، وموازنة عام 2022، والسرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف، والتي من دون القيام بها لا مساعدات ولا دعم للدولة اللبنانية.