على وقع استمرار الاشتباكات بين "حزب الله" اللبناني والاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، التي لا تزال تدور بشكلٍ متقطّعٍ ومتفاوتٍ من حيث حدّتها، أعادت الجولة التي يقوم بها رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، ويتصدّرها اليوم الأربعاء اللقاء مع المنافس الأشدّ رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الحديث عن الاستحقاق الرئاسي من بوابة الملف الأمني، رغم أنّ ظاهر الزيارات وعنوانها يتمثل في "حماية لبنان والوحدة الوطنية".
وتمكّن باسيل في اليومين الماضيين من جذب الأنظار إلى حركته التي وُضِعت في أكثر من قالبٍ ورُبِطت بملفات واستحقاقات بارزة، لا تقتصر على الأوضاع الأمنية والمخاوف من سيناريو الحرب، بل تشمل الرئاسة، بالدرجة الأولى، والتعيينات العسكرية، على رأسها قيادة الجيش، في ظلّ أجواءٍ ضبابية تخيّم على مستقبل قائد الجيش العماد جوزاف عون، رغم أن احتمال التمديد له ربطاً بالأحداث الأخيرة أصبح وارداً.
ويُعدّ قائد الجيش أيضاً من الشخصيات المرشحة "طبيعياً" لرئاسة الجمهورية، نسبةً إلى مركزه وطائفته المارونية وتجارب لبنان الماضية على مستوى قياديي المؤسسة العسكرية، ويملك عون بشكل خاص حظوظاً مرتفعة نسبة إلى تأييد واسع له لبنانياً وخارجياً.
وأعادت جولة باسيل الحديث عن الاستحقاق الرئاسي بعد الجمود الذي دخل به منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وانضمام "الجبهة الجنوبية" في لبنان إلى المعركة، رغم أن أكثرية الآراء تُجمِع على أنها لن تؤدي إلى إحداث أي خرق في الوقت الراهن.
تحييد لبنان عن الحرب
ويرجع ذلك لأسباب عدة، منها أن الحركة الخارجية المكثفة التي سُجِّلت قبل التطورات الراهنة جُمِّدت بالكامل، ولبنان لم يعد ضمن الأولويات الخارجية، لا بل بات يتعرّض لتهديداتٍ من مغبة مشاركته في المعركة، على رأسها تلك التي تلقاها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان قد حمل مبادرة المساعدة في حلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية.
كذلك، يصبّ التركيز الداخلي حالياً على مهمّة تحييد لبنان عن الحرب ومحاولة "تهدئة حزب الله"، وبالتوازي وضع خطة طوارئ استباقية في حال توسّع رقعة الاشتباكات، وهذه مؤشرات تدفع باتجاه القول بأن لا حلّ على المدى القريب للأزمة الرئاسية التي تدخل أواخر الشهر الجاري، عامها الأول، وملء الشغور ربما سيكون مرتبطاً بـ"صفقة" داخلية خارجية من بوابة أحداث الجنوب، تبعاً لتجارب لبنان السابقة، التي يرتبط فيها الاستحقاق الرئاسي بالأزمات والأحداث وتسوياتها.
وكرّر باسيل اليوم الأربعاء في جولته التي شملت عدداً من القوى السياسية، منها معارضة له، موقفه من أنه "لا يمكن انتخاب رئيس من دون توافق حقيقي، وبمشاركة الجميع بالاستحقاق ويجب تخطي المشكلات الصغيرة أمام الأزمات الكبيرة الراهنة". وهو ما أعلنه مع بدء زياراته التي استهلها بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس البرلمان نبيه بري، وأطراف سياسية أخرى، على أن تستكمل تباعاً، وقد تستثني البعض، منهم "حزب القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، علماً أن أبرز ما خرق المشهد أيضاً الاتصال الذي دار بينه وبين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
وقال باسيل بعد لقائه، مساء اليوم الأربعاء، فرنجية، إن الوحدة "تحصّننا لمواجهة خطر الحرب التي لا نريدها وتتهدّد بنا، ولكن إذا وقعت يجب أن نواجهها"، مشدداً على "ضرورة العمل من أجل إعادة الانتظام لمؤسساتنا الدستورية وتكوين سلطة تعمل على حلّ الملفات، خصوصاً الاقتصادية".
من جانبه، قال فرنجية إنّ "الوقت ليس وقت الرئاسة، البلد أهمّ منا جميعاً". ولفت فرنجية إلى "أننا متفاهمون مع باسيل على 99% من الأمور، والموضوع هو حرصنا على البلد، ولا أحد حريص عليه أكثر من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري"، مشيراً إلى أن "المقاومة أظهرت حتى اللحظة حرصها على لبنان، ولولا ذلك لكانت فعلت مثل حماس بدخولها على الداخل الإسرائيلي، ولكنها كانت بذلك جرت لبنان إلى الحرب، من هنا لا يمكننا أن نزايد على المقاومة بحرصها على البلد".
ولفت أيضاً فرنجية إلى "أننا نتوافق مع باسيل على نقاط عدة، والهاجس البلد، والانقسام الحاصل وكيفية مواجهة ما يحصل بأكثر وحدة ممكنة ويجب أن نعمل على معادلة الشعب والجيش والمقاومة"، معتبراً أن ما يحصل في فلسطين وغزة جرائم بحق الإنسانية، ولا يمكننا إلا أن نكون إلى جانب القضية الفلسطينية.
تمثيلية
في السياق، يقول النائب عن كتلة "القوات اللبنانية"، رازي الحاج لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن جولة باسيل ذات أهمية لا على المستوى الداخلي ولا السياسي ولا على مستوى تحديات اليوم"، مشيراً إلى أن "باسيل وتياره مسؤولان عن تسليم قرار السلم والحرب إلى حزب الله وفريق الممانعة وإعطاء الغطاء لسلاحهم لمدة طويلة، واليوم ندفع هذا الثمن، وكل ما يمكن قوله الآن، البكاء على رأس الميت لا ينفع ولن ينفع".
ولفت الحاج إلى أن "حل الأزمة الرئاسية يكون بالأطر الدستورية وعبر مجلس النواب فقط، والمعارضة حققت إنجازاً سياسياً بمنع فرض مرشح حزب الله الرئاسي، أي سليمان فرنجية، ونستكمل المساعي حتى الوصول إلى الهدف المنشود بتطبيق حكم القانون والدستور، وأن تكون السيادة حصراً بيد الدولة".
ويرى الحاج أن "باسيل يهدف من لقاءاته الإيحاء بأنه لا يزال لاعباً أساسياً وأنه يقوم بمبادرات لم نفهم مضمونها بعد، ونحن لن نشارك بهذه التمثيلية"، مشيراً إلى أنه "صحيح حصل تقاطع معه على مستوى دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، لكن هذا لا يبرئ ذمته من الخطايا السياسية والاستراتيجية التي ارتكبها".
التوافق أساسي لانتخاب الرئيس
من جانبه، يقول النائب في كتلة "التنمية والتحرير" البرلمانية (يرأسها بري)، أشرف بيضون لـ"العربي الجديد"، إن "همنا التلاقي بين السياسيين، وكل خطوة في هذا الإطار هي محطّ ترحيب، ونحن سبق أن قلنا بأن الانتخاب لا يتم إلا بالتوافق السياسي، ونحن نؤمن بأن الوطن لا يبنى إلا بتضافر جميع الكتل السياسية التي يتألف منها البرلمان، ونأمل أن تؤدي جولة باسيل إلى تذليل العقبات التي تعيق الاستحقاق الرئاسي".
وشدد بيضون على أن "الاستحقاق الرئاسي حله مهم جداً، فهو معبر أساسيّ لصون الوحدة الداخلية وإخراج لبنان من أزماته وضمنها أزمته على الحدود الجنوبية"، لافتاً إلى أن "لبنان في قاع أولويات الدول، والظاهر اليوم أن لبنان أصبح بمكان ثانٍ عند الدول وحساباتها، من هنا يجب لبننة الاستحقاق وتغليب المصلحة الوطنية على باقي المصالح، وأن يكون الاستحقاق صنع في لبنان، رغم أن الدعم الخارجي يبقى مطلوباً، على أن يكون ثانوياً لا أساسياً".
من جانبه، يقول النائب عن "قوى التغيير"، إبراهيم منيمنة، لـ"العربي الجديد"، إن "الجولة تأتي في إطار تحسين الوضع الداخلي بوجه التهديدات الإسرائيلية، وقد تلعب دوراً في كسر بعض الجليد، لكن لا أرى أنها ستحدث خرقاً جدياً ومباشراً على مستوى الاستحقاق الرئاسي، أو تؤدي إلى حسم الخيارات، من دون أن ننسى أن المبادرات الخارجية توقفت حالياً، وهذا مؤشر على أن الملف لا يزال مجمّداً".
ويضيف منيمنة: "من الطبيعي أن الوضع الضاغط والتهديد الحقيقي يحتم على القيادات السياسية الذهاب باتجاه الحسم لأن مواجهة العدو أو أي تهديد يكون بمؤسسات مكتملة المواصفات من الناحية الدستورية، على مستوى رئاسة الجمهورية والحكومة ورئاستها، فهذا يعطي ارتياحاً ومشروعية لاتخاذ القرارات الصعبة، في حين أن القرارات الصادرة عن حكومة تصريف الأعمال يبقيها موقع شكّ وتجاذب".
ولا يستبعد منيمنة قيام صفقة رئاسية من بوابة الأحداث "خصوصاً بالنظر إلى ارتباطات حزب الله الخارجية وتأثير ما يحصل في غزة والجنوب على المعادلات الإقليمية التي قد يكون لها انعكاس على الاستحقاق الرئاسي اللبناني، بالتالي كل شيء وارد، لكن علينا بالقدرات الموجودة مواجهة كل خطوة ضدّ مصلحة البلد وخارج الأطر الدستورية التي تقضي فقط الانتخاب عبر مجلس النواب وبجلسات متتالية".
لا مؤشرات على قرب حل الأزمة
في الإطار، يرى المحلل والكاتب السياسي وجدي العريضي في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "جولة باسيل متعددة الجوانب وتحمل أكثر من عنوان في هذه المرحلة، ولا شك أن باسيل انتهز الفرصة وقطفها بالنظر إلى ما يحيط لبنان من مخاطر خصوصاً على إمكانية امتداد حرب غزة إلى لبنان، وبالتالي، قام بخطوة استباقية للقاء الأصدقاء والحلفاء وحتى الخصوم السياسيين، واللافت اتصاله بالأمين العام لحزب الله، الذي يحمل أكثر من دلالة على ضوء الخلافات والتباينات بين حزب الله والتيار، ويمكن أن يؤسّس عندما تنتهي هذه الحرب أو ترمي بأوزارها جانباً إلى إعادة ربط هذه العلاقة بين الطرفين".
ويلفت العريضي إلى أن لقاء باسيل بفرنجية كان مفاجئاً خصوصاً أنّ الخطوط مقطوعة بين الرجلين والخلافات والتباينات كبيرة بينهما، ومن المنتظر أن تؤسس هذه الجولات لمرحلة لاحقة على مستوى الأوضاع السياسية الداخلية، وكسر الجليد على مستوى الاستحقاق الرئاسي وربما فتح النقاش والحوار على نطاق أوسع.
ويشير العريضي إلى أن تجارب لبنان التاريخية تظهر أن الرئيس "لا يُنتخب إلا بتوافق دولي وإقليمي، ولا شك أننا أمام تسوية كبيرة في المنطقة قد تعيد خلط الأوراق وسيكون لبنان ضمنها خصوصاً في ظل الشغور الرئاسي والانقسام الداخلي، ولا تمكن معرفة الجهة السياسية التي ستستفيد منها بانتظار التطورات وكيف ستنتهي الحرب، لكن في المقابل، لا مؤشرات بحلّ قريب لبنانياً، بانتظار أن تنتهي الحرب في غزة، ويبدو أنها طويلة وصعبة ومعقدة".