حرب أوكرانيا: روسيا والحلف الأطلسي ينتقلان إلى الهجوم

03 يونيو 2024
من القصف الروسي على خاركيف، الجمعة الماضي (دينيس كليمينكو/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اجتمع وزراء خارجية حلف الأطلسي في براغ لمناقشة التمويل المستدام لأوكرانيا، حيث تبرعت السويد بـ7 مليارات دولار، ووافقت عدة دول بما فيها الولايات المتحدة وألمانيا على استخدام أوكرانيا للأسلحة الثقيلة الغربية ضد أهداف روسية.
- روسيا حاولت تحقيق انتصار عسكري في أوكرانيا مستغلة ضعف الإمدادات الأمريكية وتراجع الموقف الأطلسي، لكن القوات الأوكرانية صمدت رغم الصعوبات وتأخر الدعم الغربي.
- الولايات المتحدة وحلف الأطلسي أظهروا دعمهم لأوكرانيا في مواجهة التهديدات الروسية، مع تنفيذ مناورات عسكرية كبيرة رداً على التهديدات النووية الروسية، مما يضع أوكرانيا في قلب صراع أكبر بين القوى العظمى.

برز تطوران مهمان في حرب أوكرانيا في الفترة الأخيرة؛ الأول هو اجتماع وزراء خارجية حلف الأطلسي في العاصمة التشيكية براغ، ومناقشة مسألة التمويل المستدام لكييف، ومبادرة بعض الدول بتقديم مساهمات ملموسة مثل السويد التي تبرعت بـ7 مليارات دولار. والتطور الثاني هو موافقة عدة دول، من بينها الولايات المتحدة، ألمانيا، السويد، فنلندا، والدنمارك على السماح للقوات الأوكرانية باستخدام الأسلحة الثقيلة الغربية لضرب أهداف عسكرية داخل أراضي روسيا. وأعلن الأمين العام للأطلسي ينس ستولتنبرغ في ختام اجتماع براغ، أن "ما تقوم به روسيا هو حرب عدوانية، وأوكرانيا لها الحق في استهداف أماكن عسكرية داخل روسيا".

مساعي روسيا في حرب أوكرانيا

جاء هذان التطوران في وقت باشرت فيه روسيا سعيها في فبراير/شباط الماضي لتحقيق انتصار عسكري كبير في حرب أوكرانيا في عدة جبهات. وتصاعدت حدة المعارك في الشهر الماضي على جبهة خاركيف، شمال شرقي أوكرانيا. واستغلت موسكو بصورة أساسية ضعف إمدادات الذخيرة الأميركية لكييف، وتراجع الموقف الأطلسي، لإلحاق الهزيمة العسكرية بها، والانتقال من الهجوم إلى الدفاع. وسمح الهجوم الروسي المتواصل منذ أشهر عدة على منطقة خاركيف، بتسجيل ملاحظات عدة: الأولى أن هذه الجبهة على وقع هجوم بري بالمدرعات، أتاح للقوات الروسية المهاجِمة تحقيق اختراق في الجبهة الأوكرانية، وقالت موسكو إنها سيطرت على عدة قرى، بينما قالت كييف إنها صدّت الهجمات وحافظت على سيطرتها على تلك القرى. والملاحظة الثانية أن الموقف صعب جداً بالنسبة للقوات الأوكرانية، المتمركزة في حالة دفاع أمام روسيا، المتفوقة عددياً والمتمتعة بذخيرة وافرة.

وكشفت مصادر عسكرية أوكرانية لوسائل الإعلام بأنه تم وقف "محاولات الغزاة الروس لاختراق دفاعاتنا"، لكنها اعترفت أن "الموقف عصيب للغاية، وتقوم القوات الأوكرانية بكل ما في وسعها للصمود عند خطوط ومواقع الدفاع، وتكبيد العدو الخسائر". وحسب ما هو ظاهر من سير المعارك، تراجعت القوات الأوكرانية إلى خطوط دفاعية محصنة، وفشل الروس حتى الآن في تحقيق أي اختراقاتٍ مهمة من شأنها فرض واقع جديد في هذه الجبهة. أما الملاحظة الثالثة فتمثلت في تأكيد كييف أن تأخيراً لأشهر عدة من الكونغرس الأميركي في التصويت على حزمة مساعدات ضخمة لها، كلفها كثيراً في ساحة المعركة. وأبدت أملها في وصول سريع لكميات كبيرة من المساعدات التي أقرت أخيراً لدعم دفاعاتها.


الولايات المتحدة بدت معنية بالهجوم الروسي الجديد وتوقعت تصاعده

فتح الهجوم جبهة جديدة للقتال بعد مرور أكثر من عامين على الهجوم الروسي الشامل، الذي بدأ في 24 فبراير/شباط 2022. وحسب تقدير المصادر العسكرية الأوكرانية، فإن مساعي القوات الروسية للتقدم نحو عشرة كيلومترات من الحدود الروسية فشلت حتى الآن بفعل قتال كييف، التي سبق أن حررت خاركيف في سبتمبر/أيلول 2022. والملاحظة الرابعة هي أن الولايات المتحدة بدت معنية بالهجوم الروسي الجديد، وتوقعت تصاعده و"قد تحرز روسيا مزيداً من التقدم في الأسابيع المقبلة"، لكنها أبدت ثقتها بالجيش الأوكراني وشككت في إمكان أن تحرز موسكو تقدماً كبيراً، وذلك وفق تصريحات صدرت عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، الذي قال إن واشنطن لا تتوقع أي اختراقات كبيرة، ومع الوقت "ستتمكن أوكرانيا بفضل تدفق المساعدة الأميركية من الصمود في وجه هذه الهجمات خلال عام 2024". ومن هذه الزاوية جرى تفسير زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى كييف في منتصف الشهر الماضي، والتي جرى النظر إليها على أنها محاولة أميركية لشد الموقف الأوكراني.

والملاحظة ذات الأهمية الكبيرة هي أن هناك اختلافاً في أساليب القتال بين الطرفين، وبدا في الأيام الأخيرة وكأن الجيش الأوكراني يقاتل بأسلوب الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، من دون غطاء جوي على الأقل، ولولا صواريخ فرنسية وبريطانية، لحصل تقدم روسي كبير. واعتمدت كييف في المقابل على الطائرات المسيّرة من أجل تعويض النقص في ذخائر المدفعية، في وقت حظيت فيه القوات الروسية بطاقة نارية هائلة من مدفعية وصواريخ وقنابل جوية تقليدية، وزن بعضها وصل إلى طن ونصف الطن.

وبالتالي، فإن كل تقدّم روسي عسكري خلال المرحلة الماضية من حرب أوكرانيا وحتى في الأسابيع المقبلة، سببه الرئيسي النقص الكبير في الأسلحة والذخيرة، الذي عانت منه كييف على مدى الأشهر الستة الماضية، ومنها الذخائر الحيوية للمدفعية الأوكرانية، وأنظمة صواريخ الهجوم الأرضي، ونظام "باتريوت"، والدفاعات الجوية الأخرى، والذي مكّن روسيا من الاستيلاء على بلدة أفدييفكا في فبراير الماضي، بعد تسوية مبانيها بالأرض. ورغم الدفاع الأوكراني الناجح عن المدينة منذ عام 2014، إلا أن الفارق في ميزان القوى مكّن روسيا من احتلالها. وسمح هذا التفاوت للقوات الروسية بإطلاق ما بين خمس إلى عشر قذائف في مقابل كل قذيفة أوكرانية واحدة. وأهمية أفدييفكا، الصناعية، تمحورت في أنها موقع دفاعي قوي للقوات المسلحة الأوكرانية، ومركز للمعارك على مدى أشهر، ولذلك اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السيطرة عليها انتصاراً مهماً.

مناورات الأطلسي

وبعد المناورات النووية التي أجرتها روسيا في الشهر الماضي، والتلويح بضربات نووية تكتيكية، رد حلف شمال الأطلسي بمناورات من البلطيق إلى البلقان، وهي الأكبر منذ الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، آخذاً في الاعتبار احتمال تنفيذ موسكو تهديداتها، والقيام بضربات نووية بهدف تدمير مراكز القيادة الأوكرانية. وزاد من هذا الخطر احتمال إدخال قوات عسكرية من حلف الأطلسي أو إحدى دوله إلى أوكرانيا. غير أن مخاطر استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا ستنتقل إلى دول الجوار، مثلما حصل حين تم استخدام ذخائر مدفعية بريطانية ذات مفعول إشعاعي، انتقلت غيومها إلى بولندا، حسبما جاء في أحاديث خبراء روس إلى وسائل الإعلام. وعلى الرغم من أن الأطلسي لم يقرر ولم ينظم نفسه من أجل الدفاع عن أوكرانيا داخل حدودها، إلا أن هناك خوفاً متبادلاً بين الطرفين، مع محاولة كل طرف توجيه أكبر قدر من رسائل الردع للآخر. وعلى هذا المنوال، بدت أوكرانيا ضحية الصراع بين الطرفين، ومع ذلك لم تنجح روسيا في ردع الأطلسي عن دعم جارتها، ولكنها منعته من إرسال قوات للمشاركة في حرب أوكرانيا والقتال على الأرض، وبقي ذلك في حدود ضيقة مقتصرة على بعض الخبرات والمستشارين، وهو ما أثار غضب روسيا التي هددت بضرب أهداف عسكرية بريطانية داخل أوكرانيا.


بدت أوكرانيا ضحية الصراع بين روسيا والأطلسي

أرادت واشنطن تحويل زيارة بلينكن إلى كييف إلى قيمة رمزية صريحة، وقبل كل شيء من أجل إبداء التضامن ومحاولة الاعتذار من الأوكرانيين، بسبب تخلّفها عن الوفاء بتعهداتها التي قطعتها على نفسها منذ فترة ما قبل حرب أوكرانيا وملخصها أن "واشنطن لن تسمح لروسيا بهزيمة أوكرانيا". لذلك فقد وجّهت عبر بلينكن رسالة إلى روسيا مباشرة من الداخل الأوكراني، وليس عن بعد، للتأكيد على الالتزام مع كييف. ومع ذلك لم يكترث الروس، بل واصلوا الهجمات الكبيرة، وهددوا بمزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة. وقال بلينكن إن "المساعدات الأميركية في الطريق إلى أوكرانيا، وستحدث فارقاً"، لكن بقي الأمر في حساب الوعود. من الواضح أن لبوتين رهانا على أمرين: انشغال إدارة جو بايدن بالحملة الانتخابية الرئاسية التي باتت قريبة، وكذلك حرب إسرائيل على غزة أولاً، ثم احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ثانياً، وذلك بفعل امتلاكه رؤية مختلفة عن بايدن في حرب أوكرانيا وصدرت عنه تصريحات عدة حول استعداده لإنهاء الحرب ووقف مساعدة أوكرانيا.

أسباب التقدم الروسي

هناك عدة أسباب للتقدم العسكري الروسي: السبب الأول هو نية بوتين أن يقدم نفسه في الولاية الرئاسية الجديدة مختلفاً عن السابق، لذلك قام بجملة من التعديلات المهمة، على رأسها استبدال وزير الدفاع صديقه الحميم سيرغي شويغو، بأندريه بيلوسوف، الذي عمل في إدارة الرئيس الروسي، وشغل حتى يناير/كانون الثاني 2020 منصب مساعد رئيس الدولة في القضايا الاقتصادية، فضلاً عن مناصب أخرى، مثل رئيس مجلس إدارة شركة النفط "روسنفت"، والمسؤول عن تطوير تقنيات إنشاء مركبات النقل عالية السرعة، وأنظمة التحكم الذكية، ومعدات النقل من الجيل الجديد. كما أن تعيين شخصية اقتصادية على رأس مؤسسة عسكرية، ظهر على ضوء إعطاء مزيد من السلطات لدنيس مانتوروف، النائب الأول لرئيس الوزراء في الحكومة الجديدة برئاسة ميخائيل ميشوستين. وأشرف مانتوروف على الصناعات الدفاعية والمدنية الروسية، التي فاجأت الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين بزيادة إنتاج المدفعية بشكل أسرع من حلف الأطلسي بأكمله، على الرغم من العقوبات. وقالت الحكومة الروسية، إن "زيادة مكانة نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الصناعة، ترجع إلى أهمية ضمان الريادة التكنولوجية في جميع المجالات"، مثل تصنيع الطائرات وبناء الأدوات الآلية والإلكترونيات اللاسلكية والمجمع الصناعي العسكري.

السبب الثاني هو ظهور بوادر تراخ في الوضع الداخلي الأوكراني منذ حوالي عام، مع معاناة قيادة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من فساد في أعلى الهرم، ونشوب خلافات بينه وبين بعض القادة العسكريين المؤثرين مثل قائد الجيش السابق فاليري زالوجني، الذي أعفاه من مهامه بسبب خلاف حول تجنيد حوالي نصف مليون جندي أوكراني من أجل شن الهجوم الكبير من أجل التحرير. والسبب الثالث هو تراجع الدعم الغربي، فمن جهة تأخر الدعم الأميركي بالسلاح والمال، ومن جهة أخرى عبّر تضارب المواقف الأوروبية عن ارتباك واضح في دعم كييف في حرب أوكرانيا وعكس ذلك نفسه في التعاطي فردياً مع المسألة، كما هو حال فرنسا وبريطانيا. ردد بوتين أنه مستعد لوقف الحرب عن طريق التفاوض، شرط الاعتراف بخط التماس الحالي للمعركة، مهدداً بمواصلة القتال، إذا لم تستجِب كييف والغرب. وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا على منصة إكس (تويتر سابقاً) إن "الرئيس الروسي يحاول عرقلة قمة السلام" التي بادرت إليها أوكرانيا في سويسرا الشهر الحالي، من خلال استخدام الوفد المرافق له لإرسال "إشارات زائفة" حول استعداده المزعوم لوقف الحرب.