على الرغم من الهدن المتتالية المعلنة، لا تتوقف المعارك في الخرطوم، فالطرفان، وفق الخبراء، لم يسبق لهما خوض حرب شوارع في عاصمة ولا يستطيع أحد منهما حسمها سريعاً، وبالتالي، يتوقع أن تكون الحرب طويلة.
ويقول أندرياس كريغ من معهد "كينغز" للأبحاث في لندن: "معركة الخرطوم تتحوّل إلى حرب استنزاف".
ويوضح أن الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) "لديهما القدرات نفسها".
في الخرطوم، لا يبدو أن هناك غلبة لأي من الفريقين، ولن يذهب أي منهما إلى التفاوض إلا إذا وجد نفسه في موقع قوة على الأرض.
ويشير مركز "صوفان" للأبحاث إلى أنه "مع إجلاء العديد من الأجانب بالفعل واستعداد آخرين لمغادرة السودان، يُحتمل أن يكون الطرفان يتحضّران لصراع بلا هوادة من أجل السيطرة على البلاد".
ويملك كلا الطرفين الأموال والمقاتلين لذلك.
وسبق أن أرسلا قواتهما لمحاربة المتمردين في السودان، خلال حرب دارفور التي اندلعت عام 2003، وفي اليمن إلى جانب تحالف بقيادة السعودية ومشاركة الإمارات. أما الأسلحة، فبعد فترة حظر طويلة، تمكنا من تنويع مصادرها.
السيطرة على الجو أم الأرض
ويمتلك الجيش السوداني - السادس من حيث العدد في أفريقيا جنوب الصحراء، وفق مركزي "ميليتاري بالانس بلاس" (Military Balance Plus) و"إنترناشونال إنستيتيوت فور ستراتيجيك ستاديز (IISS) - سلاح الجو، بينما قوات الدعم السريع تقاتل على الأرض فقط.
ويقول علي فرجي من جامعة غوتنبرغ في السويد لوكالة فرانس برس: "غير أن القوة الجوية لم تمنح الجيش السوداني إمكانية إطلاق رصاصة الرحمة" على قوات الدعم السريع كما كان يأمل.
فلكي تكون الضربات الجوية فعالة "ينبغي أن تكون الأهداف محددة بدقة من خلال معلومات قوية على الأرض أو عبر الأقمار الاصطناعية، وهي أداة لا يملكها الجيش السوداني"، وفق الخبير نفسه.
كما أن الجيش السوداني لا "يستطيع إلقاء قنابل بكثافة في أي مكان في الخرطوم، فهناك مدنيون والطرفان لديهما كذلك قوات على الأرض"، وفق ما يوضح كريغ.
وتتمتع قوات الدعم السريع من جهتها بالقدرة على التحرّك السريع بعربات خفيفة في مدينة مساحتها أكثر من ألف كيلومتر مربع، مقسمة إلى ثلاث مناطق بسبب مرور فرعي النيل، الأزرق والأبيض، فيها: وهي الخرطوم جنوباً والخرطوم بحري في الشمال وأم درمان في الشمال الشرقي.
وروى سكان لفرانس برس أنهم رأوا قوات الدعم السريع يقيمون نقاط تفتيش ومراكز لها في المنازل، كما رأوا قناصة فوق الأسطح. في المقابل، يؤكدون أن مواقع الجيش نادرة في الأحياء السكنية.
ويؤكد فرجي أنه "ليس هناك معركة واحدة من أجل السيطرة على الخرطوم، بل معارك عدة".
ويشير إلى أن "السيطرة على أم درمان، على سبيل المثال، لا يساعد بالضرورة على الاستيلاء على الخرطوم بحري"، إذ إن هذه المناطق منفصلة وتربطها ببعضها بعض جسور استراتيجية.
ورغم إعلان الولايات المتحدة والسعودية عن محادثات في جدة السبت بين طرفي النزاع، حذر الخبير من أن "هذا الوضع قد يجعل استراتيجية الاستنزاف تستمر طويلا".
كما أن الأرض التي يمكن أن يكسبها أحد الطرفين قد يخسرها مرة أخرى في أي وقت.
وإذا كانت مقاطع الفيديو الدعائية لقوات الدعم السريع "تظهر بوضوح أن مستويات التدريب متباينة للغاية" داخل هذه القوات، إلا أن ذلك لا يعني أن "القوات غير النظامية غير فعالة"، بحسب فرجي. والطرفان لديهما الأموال اللازمة للاستمرار.
ويضيف الخبير أن الجيش يستطيع الوصول إلى أموال الدولة، في حين أن دقلو يدير جزءاً كبيراً من مناجم الذهب في البلاد (السودان ثالث أكبر منتج في أفريقيا)، "وهو على الأرجح أحد أكثر الرجال ثراء في السودان".
وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، يحظى دقلو "بدعم قوات فاغنر" الروسية، التي وقعت عقوداً عبر أسماء مستعارة للعمل في مناجم الذهب في السودان.
ويقول كريغ: "كانت فاغنر مهمة للغاية لتدريب الجيش وقوات الدعم السريع، لكن إذا كان عليها أن تختار، فستنحاز إلى دقلو لأنه سمح لها أن تصبح مستقلة مالياً عن الدولة الروسية من خلال الذهب الذي يطرح في السوق العالمية عبر الإمارات".
(فرانس برس)