يؤكد الرئيس التونسي قيس سعيّد بلهجة واثقة أن "البرلمان المقبل سيكون معبّراً عن إرادة التونسيين بأمانة وصدق، عكس ما حصل في السنوات والعقود الأخيرة". ويكيل للبرلمانات السابقة كل عيوب الأرض، واعداً بوضع قانون انتخابي جديد على أساس استشارته الإلكترونية، الناجحة بنظره طبعاً رغم أنف الجميع.
لا أحد يعرف من أين يأتي الرئيس بكل هذه الثقة في برلمانه الجديد، الذي يعد بأن يكون صالحاً ووطنياً، بينما بدأت أصوات كثيرة تحذر من أن نظام التصويت على الأفراد وليس على القوائم سينتج برلماناً أكثر تشتتاً من سابقه، وسيقصي النساء والشباب، وقد يقود بالخصوص إلى صعود كل المؤثرين في بيئتهم المحلية، من بين أصحاب الأموال أيّاً كانوا، تجاراً أو مهربين، وسيقود أيضاً إلى صعود نزعة القبلية والانتماء العائلي والجهويات.
لا أحد يعرف أيضاً كيف قرر سعيّد فجأة، ومن دون استشارة أحد، أن يغيّر القانون الانتخابي، وربما الدستور، كما قال، واستبق حواره ووضع نتائجه سلفاً. فعلى ماذا سيتحاور أصدقاء الرئيس أصلاً إذا كانت النتائج معلومة؟ كل هذا لا أهمية له مطلقاً عند الرئيس فهو لا يسمع أحداً إلا صوته، ولا يكترث لأي تحذير، لا من الداخل ولا من الخارج.
منظمات ودول شقيقة وصديقة حاولت أن تقنعه بشتى الطرق بضرورة أن يكون الحوار تشاركياً وألا يقصي أحداً، ولكنه لا يعبأ ولا يهتم، ويتحدث عن سيادة وطنية انتقائية، تنتقد تركيا وتسكت عن أميركا وفرنسا، بينما تغرق البلاد شيئاً فشيئاً في ديونها وتلتهب أسعارها. أما حكومته فتبذل كل الجهد لإقناع صندوق النقد الدولي بإقراضها مرة أخرى، ومستعدة لكل التنازلات الممكنة، حتى التي رفضتها كل الحكومات السابقة. ويقول وزير خارجيته عثمان الجرندي، للسفير الأميركي دونالد بلوم، إنه يأمل في الدعم الأميركي لخيار رئيسه ولمفهومه للديمقراطية الذي لم يقنع أحداً.
لعله من المفهوم أن يحاول سعيّد فرض أمر واقع على الجميع في الخارج، ولكن الغريب أن يقبل به جزء من التونسيين يعرفون أن المركب سيغرق ولن ينجو أحد من ذلك. هؤلاء يستمتعون بالصمت أو بشعارات مسكّنة، وهم يراقبون المشهد، تقودهم بقايا أحلام بأن يطرد سعيّد أعداءهم من المركب ويلقي بهم في البحر، رغم أنهم يئسوا من ذلك على امتداد الأشهر الثمانية الماضية وهم ينتظرون ويأملون. لكن ماذا تفعل أمام الطمع والجشع وأوهام السلطة والعمى السياسي؟ حسابات خاطئة ستقود إلى انهيار بلد.