تسدل إسرائيل اليوم الأحد الستار على فترة حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لدولة الاحتلال، مع عرض الحكومة الجديدة التي سيقودها بداية زعيم حزب "يمينا" اليميني نفتالي بينت، ثم رئيس حزب "ييش عتيد" يئير لبيد، أمام الكنيست اليوم الأحد لأداء اليمين الدستورية، من دون أن يعني ذلك نهاية التطرف اليميني في الحكم الإسرائيلي، فبينت نفسه قال قبل أيام إن الحكومة الجديدة ستكون "يمينية أكثر من الحالية (برئاسة نتنياهو)"، ولبيد أطلق مواقف عدائية ضد حركة "حماس"، كما أن العديد من أركان الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي الجديد سبق أن عملوا مع نتنياهو، ما يعني أن الأطراف المؤثرة في الحكومة الجديدة، لن تتجه إلى سياسات جديدة، بل ستواصل مسار توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وحماية الاعتداءات في القدس المحتلة، وانتهاج سياسة توسيع التطبيع مع دول عربية كان نتنياهو بدعم من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد أطلقها.
ستواجه الحكومة الكثير من العوائق التي ستمثل تهديداً لتماسكها وبقائها
لكن هذه الحكومة ستواجه الكثير من العوائق التي ستمثل تهديداً لتماسكها وبقائها، خصوصاً بعدما عمد نتنياهو إلى تمرير قرارات حساسة تحملها مسؤوليات كبيرة منذ الأيام الأولى لوصولها. وحتى وإن نجحت الحكومة الجديدة بالحصول على ثقة الكنيست اليوم، يبقى استقرار عملها غير مضمون، وسط توقعات العديد من المراقبين بأنّ عمرها سيكون قصيراً، بينما لا يتوقّع أن يهدأ نتنياهو لناحية مواصلة التصويب على فترة الحكم الجديدة والتحول السياسي الذي شهدته إسرائيل مع مجيء الحكومة الجديدة، على الرغم من أنها لا تختلف في توجهاتها عن توجهات حكومات نتنياهو، ولا سيما لناحية العنصرية والتطرف والتفاخر بقتل العرب وسياسة الاستيطان.
وتأتي الحكومة الجديدة لتنهي وجود نتنياهو في السلطة، وهو الذي قضى 15 عاماً في رئاسة الحكومة على مرحلتين منفصلتين (بين 1996-1999، و2009-2021)، وكان واحداً من أكثر رؤساء الحكومات دموية، مع شنّ ثلاث حروب على غزة خلال فترات حكمه، وتمكّن من إطلاق مسار تطبيع مع عدد من الدول العربية، إضافة إلى دفع الأخير لطرح مشروع "صفقة القرن"، الذي يمثّل وصفة لتصفية القضية الفلسطينية، فضلاً عن سياسات التوسع الاستيطاني التي تبناها بقوة.
لكن نتنياهو، الذي سعى للتشبث بالحكم على الرغم من توجيه لوائح اتهام ضده في قضايا فساد، جرّ إسرائيل إلى أربع جولات انتخابية في غضون عامين، ليطيحه زعيم حزب "يمينا" اليميني نفتالي بينت، بالتعاون مع رئيس حزب "ييش عتيد" يئير لبيد، ويقضيا على أحلام نتنياهو بالبقاء في الحكم. لكن يبدو أن الأخير أبى المغادرة قبل "التنكيد" على خلفيه. وهو ما يبدو أنه دفع بينت، لدعوة نتنياهو، الأحد الماضي، إلى أن "لا يترك وراءه أرضاً محروقة". وقال بينت: "أدعو نتنياهو إلى أن يحرر الدولة لتمضي قدماً، يحق لمواطني إسرائيل اختيار حكومة جديدة". وأضاف: "هذه الحكومة (المقبلة) يمينية أكثر من الحالية (برئاسة نتنياهو)، لا تترك وراءك أرضاً محروقة".
وتعد موافقة نتنياهو على "مسيرة الأعلام" الاستفزازية التي تخطط الجماعات اليهودية المتطرفة لتنظيمها في القدس يوم الثلاثاء المقبل، والسماح بها بعد أقل من 48 ساعة على بدء الحكومة الجديدة الاضطلاع بمهامها، تحدياً كبيرا للأخيرة. ففي حال أسفر تنظيم المسيرة عن مواجهات كبيرة بين الفلسطينيين وأعضاء التنظيمات اليهودية المتطرفة بشكل يفضي إلى اشتعال الأوضاع في المدينة المقدسة، فإنّ الحكومة الجديدة ستجد نفسها في مواجهة تحد أمني وسياسي كبير. فانفجار الأوضاع في القدس يمكن أن يقود إلى اندلاع مواجهات في الضفة الغربية التي تتواصل فيها التظاهرات، ويحيي هبة فلسطينيي الداخل، فضلاً عن إمكانية أن يمهّد هذا الأمر لمواجهة عسكرية بين إسرائيل وحركات المقاومة في قطاع غزة، التي هددت بأنها لن تغضّ الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية في القدس المحتلة.
موافقة نتنياهو على مسيرة الأعلام الاستفزازية تحد كبير للحكومة
في الوقت ذاته، أقدمت حكومة نتنياهو الأسبوع الماضي على خطوة أخرى من شأنها أن توفّر بيئة لإشعال الأوضاع في القدس، عندما قررت عدم الطلب من المحكمة العليا الإسرائيلية تأجيل قرارها المتوقع في 20 يوليو/تموز المقبل، بشأن مصير المنازل الفلسطينية في حي الشيخ جراح، والتي صدر قرار قضائي سابق بطرد مالكيها منها. وإن كان هذا القرار القضائي قد أشعل "هبة القدس" التي قادت إلى العدوان الأخير على غزة، وقامت المحكمة العليا بتأجيله بطلب من حكومة نتنياهو، فإن تراجع الحكومة عن الطلب مجدداً بتأجيل صدور القرار بشأن هذه المنازل، سيصب الزيت على النار.
كذلك، حرص نتنياهو على توريث الحكومة الجديدة تحدياً آخر لا يقلّ خطورة عن سابقيه، ويتمثّل في تأجيل اتخاذ قرار بإخلاء مستوطنة "أفيتار" التي دشنها التشكيل الإرهابي اليهودي "فتية التلال" على أرض فلسطينية ولا سيما على جبل صبيح جنوب نابلس، من دون الحصول على إذن الجيش والحكومة، وبدعم مباشر من دانيلا فايس، إحدى القادة التاريخيين للمستوطنين في الضفة. وقد سقط عشرات الفلسطينيين جرحى في التظاهرات التي ينظمونها بشكل متواصل، احتجاجاً على تدشين هذه المستوطنة.
وإلى جانب التحديات الأمنية التي يمكن أن تنجم عن الألغام الثلاثة التي تركها نتنياهو، فإنّ معالجتها يمكن أن تهدد استقرار الحكومة الجديدة، بسبب التباين الكبير في الموقف من مشاريع التهويد في القدس والاستيطان في الضفة الغربية، بين أحزابها. فنفتالي بينت، رئيس الحكومة الجديدة، ليس فقط يرأس حزباً يمينياً يمثل التيار الديني القومي المتشدد، بل سبق أن عمل شخصياً كمدير عام لمجلس المستوطنات في الضفة، مما يجعل التزامه بالمشاريع الاستيطانية كبيراً جداً. وهذا ينطبق أيضاً على حزب "تكفاه حدشاه" اليميني برئاسة الليكودي السابق جدعون ساعر، الذي سيتولى منصب وزير القضاء في الحكومة الجديدة، وحزب "يسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان.
وفي المقابل، فإنه يفترض أن يعترض حزب "العمل" وحركة "ميريتس" اليساريان والقائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس، على هذه المشاريع. وكانت الأحزاب اليمينية منذ مشاورات تشكيل الحكومة قد اشترطت لدعمها، أن يتبنى الائتلاف الجديد مواقف يمينية إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد طالب حزبا "يمينا" و"تكفاه حدشاه"، بأن توافق الحكومة الجديدة على إضفاء شرعية على عشرات النقاط الاستيطانية التي أقامها المستوطنون اليهود في أرجاء الضفة الغربية بدون الحصول على إذن من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. يذكر أن حزب "يمينا" يطالب بمنع المحاكم وضمنها المحكمة العليا من التدخل في قرارات الحكومة المتعلقة بالصراع مع الفلسطينيين، مثل بناء المستوطنات، مصادرة الأراضي وتدمير البيوت الفلسطينية.
مواقف الأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة تتباين حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية
من ناحية ثانية، فإنّ مواقف الأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة تتباين حول القضايا الاجتماعية الاقتصادية. فليبرمان، الذي سيتولى منصب وزير المالية، يجاهر بنيته تقليص المزايا المادية والاقتصادية التي يحظى بها التيار الديني الحريدي، ويعتبر أن ذلك أهم الالتزامات التي وعد بها قاعدته العلمانية. لكن سلوك ليبرمان هذا لن يكون مقبولاً بالنسبة لبينت وساعر، اللذين يريان أنهما مضطران للتحالف مع الحريديم في حال انهيار الحكومة، مما سيجعلهما يبديان ممانعة لتوجهات ليبرمان المعلنة.
إلى جانب ذلك، فإن هناك خلافات جوهرية بين الأحزاب بشأن الجهاز القضائي، إذ إن حزب "يمينا" تحديداً، معني بإضعاف دور المحكمة العليا، التي تلعب دور المحكمة الدستورية في الدول الأخرى، وهو ما يلقى معارضة معظم الأحزاب الأخرى في الحكومة.
وترتسم الكثير من علامات الاستفهام حول قدرة القائمة العربية الموحدة على البقاء ضمن الائتلاف الحاكم الجديد، بسبب محدودية الإنجازات التي حققتها لجماهير فلسطينيي الداخل، كما عكست ذلك بنود الاتفاق بينها وبين "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد. فأكثر ما حصلت عليه القائمة، هو تعهّد بالاعتراف بثلاث قرى فلسطينية في صحراء النقب، في حين أنه لا يوجد ما يضمن أن الحكومة الجديدة ستعترف بها في النهاية. من ناحية ثانية، فإنّ تفجر مواجهات في القدس الشرقية والداخل الفلسطيني أو اندلاع حرب مع غزة، سيمثّل اختباراً صعباً لقدرة القائمة على مواصلة البقاء في الائتلاف الجديد.
ونظراً إلى أن الحكومة الجديدة تستند إلى أغلبية ضيقة، بحيث تحظى بدعم 61 نائباً من أصل 120، فإنّ بقاءها سيظلّ مرهوناً بتوجّه أي نائب من الكتل البرلمانية التي تدعمها. ففي حال تمكّن الليكود وأحزاب اليمين الأخرى من إقناع نائب واحد فقط بالتصويت ضد الحكومة في مشاريع حجب الثقة، تسقط الحكومة فوراً.