كشف مسؤول عراقي رفيع المستوى في وزارة الخارجية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، عن عزم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تنظيم مؤتمر لدول جوار العراق، إضافة إلى دول أخرى في المنطقة، لم يحددها، لبحث جملة من الملفات المتصلة بالعراق، ذات أبعاد أمنية وسياسية واقتصادية. وكشف عن تشكيل لجنة مصغرة داخل مكتب الكاظمي لهذا الأمر.
يأتي ذلك بعد أيام من تصريحات للكاظمي، أمام مجموعة من الصحافيين في واشنطن، قال فيها، إن بلاده تسعى إلى "دور في تقريب وجهات النظر بين الدول المتخاصمة والمتنافسة". كما تحدث من بغداد، في وقت سابق، عن "دور عراقي في تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة".
أمر الكاظمي بتشكيل لجنة من مجلس الوزراء للتحضير للمؤتمر
وتفيد المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" بأن الكاظمي أمر بتشكيل لجنة من مجلس الوزراء، تضم موظفين ومستشارين ومسؤولين بوزارة الخارجية، على رأسهم وكيل الوزارة الأقدم نزار الخير الله، لغرض التحضير لعقد مؤتمر لدول جوار العراق، وهي إيران وتركيا والسعودية والكويت والأردن، بالإضافة إلى ممثلين عن نظام بشار الأسد في سورية، وبمشاركة دول أخرى عربية مؤثرة، وممثلين عن الاتحاد الأوروبي.
وأوضح المسؤول في وزارة الخارجية العراقية أن الهدف من المؤتمر، الذي يجري التحضير له، هو تقريب وجهات النظر بين دول جوار العراق في ملفات أمنية وسياسية مهمة، وبين الدول المتقاطعة التي ستشارك في المؤتمر المقرر عقده في بغداد. ولفت إلى أن اللجنة لم توجه أي دعوات لغاية الآن إلى أي دولة، وما زالت تعمل على تهيئة محاور وملفات المؤتمر والتصور العام له. وأعرب، في الوقت نفسه، عن ثقته في عدم وجود تحفظ من جميع دول جوار العراق أو الدول الأخرى التي ستوجه لها دعوات إلى مثل هكذا مؤتمرات، لكن لا يعرف تمثيل كل دولة في حال عُقد المؤتمر المرجح أن يكون نهاية شهر أغسطس/آب الحالي أو مطلع شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
وكانت حكومة الكاظمي نجحت في تنظيم مؤتمر القمة الثلاثية، بين الكاظمي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، في بغداد في يونيو/حزيران الماضي، خصوصاً في ما يتعلق بتأمين مجريات القمة في المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية، وكذلك تنظيمها بشكل مناسب. وقال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة الكاظمي تعتبر استقرار البلد أولاً من استقرار محيطه، ولهذا تعمل منذ فترة طويلة على وساطات وتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لإبعاد العراق والعراقيين عن أي صراعات، ومنع دخول العراق أي محور إقليمي أو دولي". وأوضح أن "لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان تعمل على استضافة الجهات المسؤولة في الخارجية ورئاسة الوزراء، لمعرفة تفاصيل المؤتمر الإقليمي التي تنوي حكومة الكاظمي عقده وأهدافه. وبكل تأكيد سنكون داعمين لأي خطوات تهدف إلى استقرار العراق وتقوية اقتصاده، وتقوية التواصل الأمني مع كافة دول المنطقة". واعتبر أن العراق "قادر على استضافة مؤتمرات إقليمية بهذا الحجم، ونحن في البرلمان ندعم خطوات الحكومة بهذا الصدد، لما في ذلك من دعم لاستقرار العراق".
ولا تزال ملفات عراقية عدة عالقة مع مختلف دول الجوار، بعضها من مخلفات ما قبل الغزو الأميركي في عام 2003، وأخرى جديدة. لكن برزت إلى الواجهة أخيراً ملفات المياه مع تركيا وإيران وحزب "العمال الكردستاني"، والحدود السورية وتسلل مسلحي "داعش"، والملف الأمني على الحدود السعودية، والتجاري أيضاً، وترسيم الحدود مع إيران، فضلاً عن الديون المترتبة على العراق لصالح الكويت، والاتفاقات التجارية والنفطية مع الأردن. لكن يُرجح أن بغداد ترمي من وراء المؤتمر إلى تقريب وجهات النظر بين دول الجوار في الملف العراقي، وملفات أخرى في المنطقة، وتحديداً تركيا والسعودية وإيران، الدول المحورية الثلاث المجاورة للعراق، كون بغداد ما زالت تتفاوض وتتباحث مع مختلف دول الجوار في الملفات العالقة بشكل مباشر.
باسم خشان: نخشى أن يكون هذا المؤتمر عبارة عن صرف أموال وإغلاق الشوارع أمام المواطنين
في المقابل، قال النائب العراقي باسم خشان إن "المعلومات تتسرب من داخل الحكومة حول المؤتمر المقرر عقده، وبشكل غير رسمي، ونأمل منها كشف تفاصيله وأهدافه ومنافعه للعراق والعراقيين. ونحن نخشى أن يكون هذا المؤتمر فقط عبارة عن صرف أموال، وإغلاق الشوارع أمام المواطنين، بسبب الخطة الأمنية لحماية الوفود، كما يحصل مع زيارة أي وفد عربي، أو أجنبي، للعاصمة بغداد". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أنه "يجب أن تكون ملفات المؤتمر لصالح العراق، وليس لصالح الدول التي تحضر هذه الاجتماعات، فربما هكذا مؤتمرات تكون لها عواقب سلبية على العراق، لا إيجابية كما يتصور بعض العراقيين، من السياسيين أو المواطنين".
في المقابل، قال الخبير في الشأن الأمني والسياسي العراقي، علي البيدر، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "العراق يمتلك فرصة ذهبية لإقامة هكذا لقاءات دولية، لأسباب عديدة، في مقدمتها الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى علاقات متوازنة مع الجميع". وبين أنه "في المقابل هناك معوقات جسيمة في هذا المجال، أهمها موقف بعض الجهات السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة على الأرض قادرة على تعكير صفو تلك البيئة المناسبة لعقد هكذا تجمعات دولية". وأضاف البيدر أن "أهمية هذا المؤتمر تنبع من أنه سيعود بالنفع على العراق، إذا حصل على كافة المستويات والأصعدة، ويمكن للعراق من خلاله أن يتواجد في مصاف الدول الصانعة للقرار الإقليمي والدولي، وهذا ما سيحقق صفة معنوية اعتبارية لبغداد إذا ما حصل في ظروف شبه طبيعية".