نالت حكومة نتنياهو السادسة ثقة الكنيست في 29 ديسمبر/كانون الأول، بخلاف حكومات نتنياهو السابقة، وتشكلت الحكومة الجديدة لأول مرة؛ منذ العام 2009، من أحزاب يمينية صرفة، ترتكز على اليمين الديني المتطرف والأحزاب الحريدية، دون أن تستند إلى أي حزب من خارج معسكر نتنياهو.
يحمل التحالف الحكومي رؤية وأيديولوجية واضحتين تجاه هوية وطابع دولة إسرائيل، أهدافها وإدارتها. وفق اتفاقيات التحالف، وخطوط الحكومة العريضة، يمكن التكهن بسعي معسكر اليمين الديني الاستيطاني إلى استكمال سيطرته على مراكز صنع القرار والسياسات في إسرائيل، كذلك ترسيخ طابع دولة لليهود فقط، أيضاً؛ تثبيت مكانة السكان الفلسطينيين المتدنية، عبر منح الحد الأدنى من الحقوق المدنية المعيشية اليومية، وقمع الحقوق القومية الجماعية، بواسطة قوانين وسياسات عنصرية إضافية.
على الرغم من السياسات العنصرية البنيوية التقليدية الإسرائيلية تجاه المجتمع العربي، ستعمل الحكومة على نحوٍ مباشرٍ وجليٍ على تقليص الهامش الديمقراطي؛ الضيق أصلًا، وعلى زيادة جرعات العنصرية تجاه المجتمع العربي، مؤديةً إلى تزايد عدائية وقمع جهاز الشرطة للمواطنين العرب، تقييد الحريات العامة والفردية، تقييد جهاز القضاء، صَهْيَنة أعمق لجهاز وبرامج التعليم، وتضييق إمكانيات وأدوات العمل السياسي والنضالي الفلسطيني في إسرائيل.
هذا واقع جديد وقواعد لعبة جديدة تتطلب من المجتمع العربي الفلسطيني رؤية جديدة، وأدوات عمل سياسي ونضالي ومشاريع جديدة
تتضح تبعات الحكومة الجديدة المباشرة في اتفاقيات التحالف، وخطوط الحكومة العريضة، التي بدأت بترجمتها على أرض الواقع، أبرزها:
قمع سياسي بأدوات شرطية أمنية
حصل إيتمار بن غفير؛ حزب "عظمة يهودية"، على منصب وزير الأمن القومي (سابقًا وزارة الأمن الداخلي)، مع تعديلات واسعة في صلاحيات الوزير، تـمكنه من التدخل في الشرطة وبلورة سياساتها، وفي القيادة العملياتية للشرطة والتحقيقات، كذلك التحكم في ميزانية الشرطة. إلى جانب ذلك؛ حصل بن غفير على التحكم في وحدات حرس الحدود في الضفة الغربيّة، كما سيكون عضوًا في المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنيّة "الكابينت"، وحصل حزبه على رئاسة لجنة الأمن الداخليّ في الكنيست.
تولي بن غفير وزارة الأمن القومي يمكنه من السيطرة على صناعة القرار الأمني تجاه المجتمع العربي، وترجمة عقيدته العنصرية العدائية تجاه المجتمع العربي، بما في ذلك زيادة عنصرية وعدائية الشرطة؛ الموجودتين أصلًا، تجاه المجتمع العربي، وزيادة العنف والتنكيل بهذا المجتمع العربي، والملاحقة السياسية بقناع أمني شرطي، لا سيما في القضايا السياسية ونضال المجتمع العربي، وتجاه المجتمع العربي البدوي في النقب ومدن الساحل (ما يسمى المدن المختلطة)، حتى يتحول أي احتجاج سياسي إلى قضية أمنية، ويصبح التعامل معها على اعتبارها تهديدًا لأمن إسرائيل.
تعزيز الهوية "القومية اليهودية"
حصل حزب الصهيونية الدينية على حقيبة المالية؛ سيتولاها بتسلئيل سموتريتش، وحقيبة استيعاب الهجرة، وحقيبة الاستيطان؛ التي تحول اسمها إلى حقيبة "المهمات القومية"، تضاف إليها وحدة "الثقافة اليهودية"؛ التي انتقلت من وزارة التربية والتعليم، كذلك وحدة "الهوية اليهودية"؛ التي نقلت من وزارة الأديان، وكَلفت بها الوزارة عضوة الكنيست من حزب الصهيونية الدينية أوريت ستروك، التي تنكر وجود شعب فلسطيني، ستكون مسؤولة أيضًا؛ عن مشروع الخدمة المدنية.
وضح رئيس حزب الصهيونيّة الدينية سموتريتش أهداف الوحدات الحكومية الجديدة بتعزيز الانتماء والهوية اليهودية والقومية، وفق مفاهيم تيار الصهيونية الدينية. ما يعني توسيع وتعميق تأثير هذا التيار وسيطرته على المجتمع والدولة في إسرائيل، إذاً لم تعد سيطرته مقتصرةً على المستوطنين وطلبة المعاهد الدينية.
آفي معوز عضو الكنيست الوحيد عن حزب "نوعم"، ذي التوجهات المتطرفة تجاه العرب والمثليين، ومعادٍ للقيم الليبرالية وحرية الأفراد، حصل على منصب نائب وزير في مكتب رئيس الوزراء، سيكون مسؤولًا عن سلطة "الهوية القومية- اليهودية"، التي أسست حسب طلب حزب "نوعم"؛ ما يعني؛ وفق تصريحات معوز، مسؤولية الحكومية الجديدة عن تعميم الانتماء القومي اليهودي، وتعزيز الهوية اليهودية؛ الفردية والجماعية، في إسرائيل.
معوز مسؤولًا كذلك عن البرامج اللا منهجية في جهاز التعليم، أي ترويض وصَهْيَنةَ البرامج في جهاز التعليم العربي، وإخضاعها لشروط اليمين الديني الصهيوني. بالتالي؛ ثمة خطر حقيقي يتمثل في احتمال صَهْيَنةِ وعي الطلبة في جهاز التعليم العربي، وقمع الهوية والانتماء والثقافة العربيّة.
يسعي معسكر اليمين الديني الاستيطاني إلى استكمال سيطرته على مراكز صنع القرار والسياسات في إسرائيل، كذلك ترسيخ طابع دولة لليهود فقط
تهويد الجليل والنقب
حزب "عظمة يهودية" برئاسة بن غفير حصل على وزارة "تطوير النقب والجليل"، مع تخصيص ميزانيّات كبيرة لها، كذلك ستنتقل سلطة "تطوير الزراعة" إليه من وزارة الزراعة. بمعنى سيكون حزب بن غفير مسؤولًا عن مشاريع تهويد النقب والجليل، ووضع الخطط الإستراتيجية لهذه المناطق ذات الكثافة السكانية العربية، كما يتحكم بالكثير من قضايا التخطيط والتطوير في البلدات والمدن العربيّة، فضلًا عن جهاز الشرطة.
إذًا بن غفير وحزبه سيملكون قدرة التأثير ووضع السياسات المدنية والاقتصادية والأمنية تجاه المجتمع العربي والبلدات العربية، وهذا يعني مزيدًا من التضييق ومنع التطوير، وحرمان البلدات العربية من توسيع مناطق النفوذ، إلى جانب الملاحقة السياسية بغطاء شرطي أمني.
خطورة التغيرات المتوقعة في سياسات الحكومة تجاه المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، ستزداد نتيجة التغيرات المتوقعة في جهاز القضاء الإسرائيلي، في حال طبقت خطة وزير القضاء يريف ليفين، التي أعلن عنها في الرابع من يناير/كانون الثاني.
تقييد جهاز القضاء
ترمي خطة وزير القضاء إلى إحكام سيطرة اليمين المتطرف على السلطة القضائية، وعلى تعيين القضاة وتقييد صلاحياتهم، وترويض جهاز النيابة العامة والمستشار القضائي للحكومة، تحت الادعاء أن جهاز القضاء؛ المتمثل في المحكمة العليا، يعيق تنفيذ السلطتين التشريعية والتنفيذية سياساتهما، التي تترجم رغبات الناخبين، فضلًا عن انحيازه إلى اليسار في إسرائيل. ترمي خطة وزير القضاء إلى ترويض السلطة القضائية ومنع الرقابة، وضمان سلطة قضائية محافظة لا تتدخل في عملية التشريع ولا تنتقد سياسات الحكومة.
تشمل خطة الوزير: سن قانون "فقرة التغلب"، الذي يخول الكنيست إعادة سن قانون أبطلته المحكمة العليا بأغلبية 61 عضو كنيست فقط، منع تدخل المحكمة العليا في قوانين الأساس، إذ يحتاج نقاش دستورية القوانين اكتمال نصاب المحكمة العليا؛ أي 15 قاضٍيا، ويحتاج إلغاء قانون إلى أغلبية خاصة؛ منع المحكمة من استخدام "حجة المعقولية"، للحكم على التشريعات والقرارات الحكومية، تغيير تركيبة لجنة "تعيين القضاة"، بغية منح الحكومة سيطرة فعلية عليها، إلغاء نظام الأقدمية في تعيين رئيس المحكمة العليا، وتولى الحكومة صلاحية تعيين رئيس المحكمة العليا؛ الأمر الذي يمنح الحكومة القدرة على تعيين رئيس من خارج قضاة المحكمة العليا. أخيرًا؛ وفق الخطة ستكون مناصب المستشارين القانونيين للحكومة "مناصب "ثقة" للوزراء، يعين الوزير مستشارًا قانونيًا للوزارة، كما يخضع للوزير بدلًا من مستشار الحكومة القضائي.
لم يدافع الجهاز القضائي والسلطة القضائية؛ تاريخيًا، عن حقوق المجتمع الفلسطيني، كما لم يمنعا الغبن والتمييز في القضايا الجوهرية والمطالب الجماعية، مع ذلك؛ ستؤدي الخطة إلى تفاقم الوضع، وتلحق ضررًا بإمكانية؛ محدودة أصلًا، نضال المواطنين الفلسطينيين من خلال السلطة القضائية والأدوات السياسية، ضد العنصرية والتمييز والاضطهاد.
تحديدًا، ستمكن الخطة المقترحة الحكومة من تنفيذ الخطوط العريضة، واتفاقيات التحالف الموجه ضد المجتمع الفلسطيني، في المجالات المدنية والاقتصادية والاجتماعية والقومية، وسن قوانين تقيد العمل السياسي ومطالب المجتمع العربي السياسية. بهذا؛ يحاول اليمين استكمال الهيمنة على المجتمع وصنع القرار ومؤسسات النظام. ما قد يؤدي إلى تغيير جدي في قواعد اللعبة السياسية، تحديدًا تجاه الفلسطينيين في إسرائيل.
مواقف نتنياهو العنصريّة والعدائية تجاه المجتمع العربي، ومحاولته إلغاء وجود قضية احتلال وحقوق شعب قابع تحت الاحتلال، وممارسات استعمار استيطاني ممنهج في المناطق الفلسطينيّة التي احتلت عام 1967، ليست جديدة أو نتاج الانتخابات الأخيرة. يكمن الجديد في انتصار اليمين الديني المتطرف، وترجمة هيمنته على المجتمع الإسرائيلي عبر مقاعد الكنيست، ومنحه الإمكانية لتشكيل حكومة يمينية متطرفة صرفة.
بن غفير وحزبه سيملكون قدرة التأثير ووضع السياسات المدنية والاقتصادية والأمنية تجاه المجتمع العربي والبلدات العربية
سيعمل التحالف الجديد على استغلال هذه الفرصة، عبر سن قوانين وسياسات ترمي إلى حسم العديد من الملفات، التي تؤثر على صورة وطبيعة دولة إسرائيل، وتؤثر تأثيرًا مباشرًا على المجتمع العربي في الداخل، مضامين التحالف الجديد ستترجم سريعًا إلى سياسات وقوانين ونهج على أرض الواقع، كل هذا بالتوازي مع خطة الحكومة تغيير مكانة السلطة القضائية.
في حالة المواطنين الفلسطينيين؛ سيلحق الضرر بحقوقهم المدنية والقومية الجماعية، ولن يقتصر على الحقوق والحريات الفردية فقط. هذا واقع جديد وقواعد لعبة جديدة تتطلب من المجتمع العربي الفلسطيني رؤية جديدة، وأدوات عمل سياسي ونضالي ومشاريع جديدة.