تسير الإدارة الذاتية الكردية لمناطق شمالي وشرقي سورية، وذراعها السياسية "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، على الخطّ الأحمر تماماً، في طريق تمضي به لتعميق علاقتها بروسيا أكثر، وجعلها أكثر استراتيجية وتعاوناً. ويضع هذا المسعى الإدارة الكردية في سورية، أمام الكثير من الاحتمالات التي لا تنبئ بالإيجابية حيال الشراكة مع الولايات المتحدة، التي تعد أهم حليف للإدارة، وعلى وجه الخصوص لذراعها العسكرية، "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وتبرز هذه التساؤلات بعد الزيارة التي قام بها وفد من "مسد" برئاسة الرئيسة المشتركة إلهام أحمد، إلى موسكو، خلال الأسبوع الحالي، ولقائه المبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، تحت عنوان عريض فحواه بحث تطورات الأوضاع في مناطق شمال شرقي سورية ومستجدات العملية السياسية، غير أن التفاصيل حول الزيارة تشير إلى أعمق من ذلك.
تتخوف "الإدارة الذاتية" من انسحاب أميركي مفاجئ من شمالي وشرقي سورية
وقالت وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء الماضي، إنه تم خلال اللقاء "تبادل صريح للآراء حول الوضع في سورية مع التركيز على الأوضاع شمال شرقي البلاد، حيث أكد الجانب الروسي موقفه المبدئي الداعم لتسوية جميع القضايا التي تعيق استعادة سيادة ووحدة أراضي سورية بالكامل، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبأسرع ما يمكن". ووفق الوزارة، فقد جرى التأكيد على أهمية مواصلة الحوار بشكل فعّال بين "مسد" والنظام السوري "بهدف التوصل إلى اتفاقات تستجيب للتطلعات المشروعة لجميع السوريين، وتراعي خصائص المناطق والتعددية الإثنية والثقافية للمجتمع السوري". من جهته، وصف "مسد" اللقاء بالإيجابي، مشيراً إلى أنه "تم التأكيد على الحلّ السياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، وضرورة مشاركة مسد في العملية السياسية".
وفي حين تذهب التحليلات إلى أن تخوف الإدارة الذاتية و"مسد" لا يزال قائماً حيال انسحاب مفاجئ للقوات الأميركية من شمالي وشرقي سورية، وبالتالي ضرورة مدّ جسور إضافية نحو موسكو، فإنهما يكرّسان مبدأ التوازن في علاقة "الإدارة" بين واشنطن وموسكو، بما يشبه مبدأ "اللعب على الحبلين". إذ كان الرئيس المشترك لـ"مسد"، رياض درار، أعلن الأسبوع الماضي، عن نيّة المجلس إجراء زيارتين إلى كل من موسكو وواشنطن "بهدف بحث مشاركته في العملية السياسية السورية، بغية التوصل إلى حل سياسي وفق القرار الأممي 2254".
وحول هذه التساؤلات، قال درار، لـ"العربي الجديد"، إن العلاقة مع روسيا لم تكن منقطعة، مشيراً إلى أن الخروج الأميركي بعد ما وصفه بالاحتلال التركي لرأس العين وتل أبيض، ومن ثم إبرام وقف النار، دعاهم لعقد اتفاق جديد مع تركيا برعاية روسية، حول بقية الحدود. ونحن على علاقة إيجابية مع روسيا، كما أن الولايات المتحدة هي شريكة لنا في مواجهة تنظيم داعش، لكننا لم نأخذ منها إجابات حول الشراكة السياسية، ولم تساعدنا في العملية السياسية الجارية، وما زلنا نتوقع منها حضوراً إيجابياً في الحلّ السياسي، وعلى ذلك فنحن نشجع الطرفين الدوليين القويين في سورية (روسيا والولايات المتحدة) على أن يصلا إلى توافقات حول هذا الحل، وأن نكون جزءاً منه". ورأى أن "هذا التوافق بات أخيراً يتبلور من خلال اتفاق المعابر، والاتفاق على الإنعاش المبكر، وفي إدارة ملف درعا، ونتمنى أن يكون هناك مزيد من التوافقات تصل بنا إلى مشاركة حقيقية تحقن دماء السوريين في المواجهات التي لم نكن فيها سابقاً، كوننا كنا نواجه داعش وقوى الظلام".
وحول ما إذا كانت روسيا تستطيع أن تبلور اتفاقاً معيناً بين "الإدارة" والنظام السوري بشكل مقبول، أشار درار إلى أن "بإمكان روسيا أن تأتي بالنظام إلى تفاوض مجدي مع المجلس والإدارة". وتابع: "نحن سرنا بالتفاوض مع النظام منذ 2018 عبر لقاءات في دمشق، لكن لم نتقدم خطوة، لأن النظام متمسك بعناده وموقفه، ونحن كذلك نصر على الإدارة الذاتية لكل المناطق السورية، لأن ذلك يعني أن الشعب يحكم نفسه، دون التخلي عن سلطة مركزية تتمثل بوزارات سيادية، لأن اللامركزية وحدها تعني أن هناك شعباً بلا سلطة، لذلك لا بد من التوازن بين السلطتين في دستور جديد يضمن العلاقة الإيجابية، وروسيا تستطيع تدوير الزوايا في هذا الإطار".
يخطط وفد من "الإدارة الذاتية" لزيارة الولايات المتحدة
وحول إمكانية اعتراف روسي رسمي بالإدارة الذاتية كحكومة لإقليم حكم ذاتي، قال درار إن روسيا هي التي طرحت مشروعاً فيدرالياً لسورية سابقاً، وفتحت مكتباً للإدارة الذاتية في موسكو، والدستور المقترح منها لسورية تضمن غرفة للمناطق، بمعنى الإدارات المحلية، وسحبت صلاحيات من الرئاسة ومن الحكومة لمصلحة غرفة المناطق، وعلى هذا يمكننا أن نجد استجابة عملية في حال أدرنا حواراً بنّاء من مصلحة الجميع أن يأتوا قانعين بجدواه. وأشار إلى أن "روسيا تقف إلى جانب النظام لأنها لم تجد من الطرف الآخر، أي المعارضة، تجاوباً حقيقياً، وروسيا تتحكم بالنظام وتستطيع أن تأتي به إلى تفاوض يصل إلى درجة الاعتراف بشكل ما من أشكال الإدارة اللامركزية، تحت أي اسم، ونحن لا نصر لا على تسمية إدارة ذاتية أو محلية"، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية لم تعد بعيدة عن التطلعات الروسية.
من جهته، قال محمود حبيب، المتحدث باسم "لواء الشمال الديمقراطي"، المنضوي تحت "قسد"، إن "الزيارة تندرج ضمن المشاورات التي جرت أخيراً هناك، إذ سبقتها زيارة وزير الخارجية الاسرائيلي يئير لبيد إلى روسيا، وكذلك رئيس النظام السوري بشار الأسد، ولا أعتقد أن الحوارات بعيدة عن الشأن السوري". وقال حبيب، لـ"العربي الجديد"، إن علاقة الإدارة الكردية و"مسد" مع الروس "تراوح مكانها، ذلك أن روسيا لم تف بتعهداتها في ضمان صدّ الاعتداءات التركية، وأقصى ما فعلته أنها استمرت في انتشارها على خطوط التماس وبوضع ثابت يحقق لها مصالحها مع تركيا، ولا ينقض اتفاقها معنا كلياً، ويبقى الضغط الذي تمارسه علينا هو إعادة النظام ليبسط سيطرته على منطقة شمال شرقي سورية، والعودة بها إلى ما قبل 2011، واعتقد أن هذا سقف التنازلات التي تطلبها موسكو والتي تواجه رفضاً مطلقاً من قيادة شمال شرقي سورية السياسية والعسكرية".
ولفت المتحدث إلى أنه "إذا أردنا تقييم الزيارة إلى موسكو وبعدها إلى واشنطن، فاعتقد أن كل تلك الجهود والمشاورات تهدف إلى إنتاج حل مقبول وسريع للكثير من الملفات السورية بتوافق الأطراف، ومن الواضح أن مسد وقسد على رأس تلك الأطراف الفاعلة، وذلك تمهيداً لخوض المواجهة الأخطر مع إيران والصين، إذ إن الغرب يشعر بالقلق البالغ من دورهما والخطورة التي تشكلانها على الاستقرار في كامل الشرق الأوسط، وخصوصاً على إسرائيل، كما أتوقع أن تفضي تلك اللقاءات والمشاورات لحلحلة الكثير من الأمور العالقة التي كان يصعب توقع الوصول إلى حلّها سابقاً".