استمع إلى الملخص
- منظمات حقوقية ومدنية تطالب بتدخل دولي لوقف العنف وتأمين ممرات آمنة، وتقديم الدعم الطبي والغذائي، وسط انتقادات لصمت المجتمع الدولي، وانشقاق مستشارين من قوات الدعم السريع.
- إدانات من وزارة الخارجية السودانية والقوى السياسية لحملات الدعم السريع، ومطالبات بإجراءات دولية حازمة، بينما تتهم قوات الدعم السريع رئيس مجلس السيادة بتسليح القرى.
تصاعدت أعداد المجازر التي ترتكبها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وسط السودان، وسط تضارب في أعداد القتلى والمصابين. وجاءت آخر تلك المجازر في قرية السريحة، شمال الولاية، والتي تبعد عن الخرطوم بنحو 80 كيلومتراً، وذلك حينما أطلقت قوة من الدعم السريع نيران أسلحتها الخفيفة والثقيلة، فقتلت 124 شخصاً، وأصابت العشرات، فيما اعتقلت 150 آخرين، وذلك طبقا لأحد أبناء المنطقة، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، مفضلا عدم ذكر اسمه. ويعدّ عدد القتلى هو الأعلى بعد حادثة مجزرة قرية ود النورة، غرب ولاية الجزيرة في يوليو/ تموز الماضي.
وعن المجزرة الجديدة، قال المصدر إن جنود مليشيا الدعم السريع قتلت حتى الجرحى بدم بارد. وقبل أسبوع، شنت قوات الدعم السريع حملات وصفت بالانتقامية على ثلاث مدن بولاية الجزيرة وأكثر من ثلاثين قرية بمنطقة شرق وشمال الولاية، وذلك عقب انشقاق أبوعاقلة كيكل المحسوب على شرق الجزيرة، من الدعم وانضمامه للقتال لجانب الجيش. وبدأت حملاتها الانتقامية من مدينة تمبول، حيث قُدّر عدد قتلاها بأكثر من 200 مدني، كما قتلت العشرات في قرى أخرى لم يتم حصرهم بدقة نتيجة لانقطاع شبكة الاتصالات عن ولاية الجزيرة منذ فبراير/شباط الماضي.
وبدأ أهالي قرية السريحة، اليوم السبت، في نشر صور من المجزرة وأخرى تظهر تجميعهم لجثامين قتلاهم قبل دفنها، كما نشروا مقاطع لعمليات تعذيب يقوم بها جنود الدعم السريع أثناء تعذيبهم لعدد من الرجال وكبار السن، داخل أحد مساجد القرية.
إبادة جماعية
عباس البشير علي، أحد أبناء القرية، قال إن الأنباء التي تأتيهم من هناك تدعو للأسى، حيث نزح الأهالي على أقدامهم بحثا عن الأمان. وذكر أن المليشيا تمارس إبادة جماعية في قرى ولاية الجزيرة تحت سمع وبصر الجيش، الذي ألقى عليه باللائمة لعدم تدخله لإنقاذ حياة المواطنين. وبين البشير علي لـ"العربي الجديد"، أن القرية بحاجة إلى كوادر طبية بصورة عاجلة وهناك نقص في الأدوية، وأن كثيراً من النازحين هائمين الآن، وأن قرى أخرى مهددة بالاجتياح، منتقداً صمت المجتمع الدولي حيال تلك الابادة اليومية.
وفي أحدث معلومات، اليوم السبت، انتقلت حملة الدعم السريع إلى قرية ود السيد بمحليةة رفاع، حيث أفاد شهود عيان، أن قوة عسكرية تحاصر القرية، فيما يخيم القلق على قرى لم تصلها الحملة.
انتقلت حملة الدعم السريع إلى قرية ود السيد فيما يخيم القلق على قرى أخرى لم تصلها
في غضون ذلك، وجه مؤتمر الجزيرة، وهو تنظيم مدني حقوقي يرصد الانتهاكات في الولاية، نداء استغاثة للجنة الدولية للصليب الأحمر وكافة المنظمات الدولية الإنسانية للتدخل الفوري لإنقاذ حياة المدنيين في شمال وشرق الجزيرة من الهجمات العنيفة وواسعة النطاق من قبل "مليشيا الدعم السريع". وطالب مؤتمر الجزيرة بالتدخل الفوري لإجلاء المصابين وتوفير ممرات آمنة وتأمين وصولهم إلى مراكز الرعاية الصحية الملائمة. كما طالب بوجود فرق إنسانية عاجلة لإجلاء المدنيين وتقديم الدعم الطبي والغذائي العاجل، بما يضمن حمايتهم في ظلّ تصاعد العنف والانتهاكات المروعة التي تواجهها هذه المناطق.
وقال المبر محمود، الأمين العام لمؤتمر الجزيرة، إن ما حدث هو "إبادة جماعية وتطهير عرقي، وكل جرائم الحرب، من تهجير قسري وتجويع مدنيين"، مشيرا إلى أن الجيش لم يدر جيدا خطة انسلاخ كيكل من الجيش ولم يتحسب للكارثة، وأراد فقط إحراج المليشيا سياسيا، وحث الجيش للاطلاع بمسؤوليته في حماية المدنيين.
وأضاف محمود لـ"العربي الجديد" أن المعلومات الواردة إليهم تشير إلى أن المليشيا حاصرت مدينة الهلالية وهددت بالانتقام ما لم يسلم الأهالي الأشخاص الموالين لكيكل. كما ورد إليهم معلومات عن اتخاذ الدعم السريع لأسر بمدينة ود مدني كدروع بشرية مقابل هجمات طيران الجيش وهو عين ما فعلته باحتجاز 150 من سكان قرية السريحة كرهائن. وتشير الإحصاءات الأولية إلى أن عدد القتلى وصل إلى 500 قتيل في الأيام الماضية، كما أن هناك إحصاءات لعشرات المفقودين.
ونادى الأمين العام لمؤتمر الجزيرة، المجتمع الدولي بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية ويتعامل معها وفقا لذلك ومحاصرة مصادر تسليحها.
لفتح ممرات آمنة
من جهتها، قالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إن قرى الجزيرة تتعرض للإبادة الجماعية. وناشدت اللجنة في بيان لها، اليوم السبت، الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي بالضغط لفتح ممرات آمنة والعمل الجدي على ذلك لتمكين الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود وغيرها من المنظمات من الوصول لمواطني قرى الجزيرة الذين يتعرّضون لإبادة جماعية من قبل مليشيات الدعم السريع ولا توجد إمكانية لإسعاف المصابين أو حتى إخراجهم لتلقي العلاج. وأشارت إلى أن الذين نزحوا على الأقدام، حصد الموت حياة البعض منهم، ويتهدد البعض الآخر.
من جهة أخرى، أعلن عدد من مستشاري قوات الدعم السريع انشقاقهم اليوم عنها وإعلان تأييدهم للجيش في قتاله، طبقا لمصادر حكومية سمت المستشار محمد عبد الله ود ابوك وعبدالقادر ابراهيم، ورفضت الافصاح عن البقية.
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد طالبت، أمس الجمعة، في بيان لها، المجتمع الدولي بإدانة حملات الدعم السريع بشكل فوري وقوي، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة مرتكبيها "وقادة ورعاة المليشيا الإرهابية، ووقف تدفقات الأسلحة والمرتزقة لها".
وأوضحت أن "صمت ولامبالاة المجتمع الدولي تجاه تلك الجرائم هو ما يشجع المليشيا وراعيتها الإقليمية على التمادي في ارتكاب المجازر والإبادة الجماعية دون خوف من العقاب".
ووجدت الحملات الانتقامية، استنكارا من القوى والتحالفات السياسية، منها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية والكتلة الديمقراطية وحزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل، والتجمّع الاتحادي وحزب الأمة القومي، فيما أودعت بعثة السودان في جنيف مذكرة احتجاج لدى مجلس حقوق الإنسان الدولي.
ومع تزايد الإدانات، أصدرت قوات الدعم السريع بيانا قالت فيه، إن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان يتحمل المسؤولية الكاملة عما تشهده ولاية الجزيرة من "اشتباكات مع المقاومة الشعبية وكتائب العمل الخاص". كما اتهمته هو والقائد أبوعاقلة كيكل بتسليح بعض قرى الجزيرة. وبينت أن قرى ولاية الجزيرة "ظلت حتى وقت قريب تعيش في أمن واستقرار متنامي، لكن استخبارات البرهان، ومكائد الإسلاميين والفلول أحالتها إلى ساحات حرب بعد أن وزعت السلاح بصورة همجية". وذكرت أنها ليس لها عداء مع أي مكون قبلي وأن عدوها الوحيد هي الحركة الإسلامية وميلشياتها، على ما أورده البيان.