خطة بغداد للموصل المحررة: عودة لما قبل "داعش"

عثمان المختار (العربي الجديد)
عثمان المختار
صحافي عراقي متخصص بصحافة البيانات وتدقيق المعلومات. مدير مكتب "العربي الجديد" في العراق.
12 يوليو 2017
31DA6D46-C2FC-4E4F-9D97-4F59A64CA924
+ الخط -
اختفت سحب الدخان وتلاشت أصوات الانفجارات والقصف، وبدأت فرق الدفاع المدني ومنظمات دولية ومحلية بالدخول إلى أزقة الساحل الأيمن لمدينة الموصل العراقية برفقة الجيش والشرطة، مع انطلاق رحلة التنقيب عن الجثث الموجودة تحت الأنقاض والتي يُقدّر عددها بما بين 4 و6 آلاف جثة غالبيتها لعائلات قضت بشكل جماعي تحت أنقاض منازلها. وبينما تواصل فرق خاصة من جهاز مكافحة الإرهاب والجيش العراقي تفتيش المنازل والسراديب والأزقة الضيقة في المدينة القديمة، دخلت فرق من الأمم المتحدة وأعضاء الحكومة المحلية إلى الموصل مع المحافظ نوفل العاكوب لمعاينة المدينة وحصر الأضرار فيها.

في غضون ذلك، تتصاعد الدعوات لإيجاد خارطة طريق لإعادة استقرار الموصل وبنائها من جديد، من قبل قوى سياسية، ترسم كل واحدة سيناريو بما يتوافق مع مصالحها. إلا أن الواقع هو مصادقة الحكومة العراقية على برنامج كامل حظي بمباركة الولايات المتحدة ودعمها منذ مطلع الشهر الحالي، يتجاهل الأجندة الكردية لإقليم كردستان التي تطالب بضم أراضٍ من نينوى منها بمحاذاة الموصل لصالح الإقليم، وكذلك الأجندة التي تدعمها بعض القوى السنّية وتدعو لإقامة إقليم مستقل يعرف باسم إقليم نينوى، ويضم محافظة سهل نينوى المسيحية ومحافظة تلعفر ومحافظة الجزيرة التي تمتد حتى الحدود السورية، ومحافظة الموصل التي ستكون عاصمة للإقليم.

برنامج بغداد
خمسة بنود للبرنامج الحكومي العراقي تضم تفاصيل كثيرة وفقاً لوزير عراقي تحدث من بغداد لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن البرنامج بشكل عام يتضمن عودة الموصل وكامل مدن محافظة نينوى إلى ما كانت عليه قبل العاشر من يونيو/حزيران 2014، وهو يوم سقوط الموصل بيد تنظيم "داعش"، من دون أي تغيير من ناحية إدارية أو ديموغرافية. كما ينص البرنامج على تخصيص ثلاث فرق عسكرية في الجيش العراقي لإدارة الساحلين الأيمن والأيسر، وهي الفرقة التاسعة والفرقة 16 وفرقة التدخّل السريع الأولى، فضلاً عن قوات الشرطة المحلية التي ستكون من سكان الموصل أنفسهم، مع سحب مليشيات "الحشد الشعبي" من الموصل وكافة البلدات والمدن الأخرى في نينوى، وانسحاب أي قوات أخرى غير تابعة لبغداد، بما فيها قوات البشمركة التي ستلتزم بالانسحاب إلى حدود ما قبل اجتياح "داعش" للموصل. كذلك يحتوي البرنامج على بنود حول إعادة الإعمار وإرجاع النازحين إلى المدينة وتثبيت الاستقرار في الموصل وباقي مدن محافظة نينوى.

وكشف الوزير العراقي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب عدم إعلان البرنامج من قبل الحكومة رسمياً حتى الآن، أنه "لن يتم تعيين حاكم عسكري في الموصل كما تطرح اليوم بعض الجهات السياسية، كما أن ملف الأمن سيكون منوطاً حصراً بالجيش العراقي والشرطة المحلية المرتبطة برئيس الوزراء حيدر العبادي، وإدارياً يبقى المحافظ ومجلس المحافظة هو من يدير ملف المدينة وفقاً لقانون مجالس المحافظات غير المرتبطة بإقليم لعام 2008".
وحول ملف إعادة السكان والتعويض، أكد الوزير أن الكويت تبرعت بتنظيم مؤتمر مانحين لإعمار المدن المحررة من "داعش"، كما سيجري خلال أسبوعين من الآن مؤتمر في واشنطن لمناقشة ملف إعمار الموصل ومدن أخرى، وخلال ذلك سيتم اعتماد برنامج لإعمار البنى التحتية الضرورية لعودة السكان، من رفع الأنقاض إلى إصلاح شبكة الطرق وإيصال الماء والكهرباء وشبكات الهاتف المحمول للموصل وتعقيم المدينة، بعد انتهاء فريق عمليات حفظ السلاح التابع للأمم المتحدة وقوات وزارة الداخلية من رفع الألغام والمتفجرات من المنازل والمباني والمحلات التجارية المفخخة.

وتشارك في الحملة الحكومية التي ستعتمد على إمكانيات ذاتية منها، وزارات الصحة والإسكان والإعمار والبلديات والداخلية والكهرباء والماء والري والبيئة والتخطيط، بدعم من الأمم المتحدة وفريق الدعم اللوجستي التابع لقوات التحالف الدولي. وأكد الوزير أن الخطة تقضي بإعادة جميع سكان الموصل وبث الحياة فيها قبل انتخابات إبريل/نيسان 2018 البرلمانية المقبلة.

خطة المائة يوم
من جهته، كشف محافظ الموصل نوفل العاكوب لـ"العربي الجديد" عن خطة المائة يوم في الموصل التي أطلقها مساء الإثنين الماضي. واعتبر العاكوب أن "ما حصل في الموصل هو كارثة بكل معنى الكلمة، فهناك دمار شامل في الساحل الأيسر الذي حُرر سابقاً، لكننا تمكّنا من الدخول مع تحريره وإصلاح البنى التحتية المهمة وإعادة الحياة، كإصلاح المدارس والمستشفيات والجسور والطرق ومياه الشرب والكهرباء، وقبل كل شيء مسح تراث داعش من عقول الناس". لكنه أضاف: "إلا أن الدمار في الساحل الأيمن يفوق ما حصل في الساحل الأيسر بخمسين ضعفاً تقريباً، ناهيك عن عدد القتلى الكبير من المدنيين، وما زالت الجثث بأعداد كبيرة تحت الأنقاض"، مشيراً إلى "أننا لذلك أطلقنا خطة المائة يوم، والتي بدأت منذ الإثنين، وباشرنا بالتعاون مع قوات الأمن بعمليات انتشال الضحايا وتنظيف الشوارع وإصلاح الطرق والمجاري والكهرباء وإيصال المياه". لكنه استدرك أن "إعمار هذه المدينة يستوجب توفير مبالغ كبيرة وتعويض السكان عن منازلهم المدمرة ومعالجة أين سيسكنون، لذا يمكن القول إن المهمة صعبة للغاية، لكننا متفائلون بأن الموصل ستعود أفضل مما كانت عليه قبل العاشر من يونيو/حزيران 2014".
وتابع: "سيتم اصدار بطاقات أمنية لكل المواطنين في الموصل بعد إعادتهم التي ستكون تدريجية، فما إن ننتهي من حي سكني حتى نعيد أهله إليه، وهكذا حتى ننتهي من كل الأحياء السكنية في المدينة"، مضيفاً: "لا حاكم عسكرياً للموصل أو نينوى، فهو يخالف النظام الديمقراطي في العراق، وهناك عزم على عدم العودة إلى ممارسات وأخطاء قبل اجتياح داعش للموصل".

واعتبر العاكوب أنه "من غير الممكن التخيل أننا سنكون بمعزل عن بغداد وتبقى نينوى وعاصمتها الموصل محافظة عراقية بعيدة عن أجندات القوى السياسية التي بالعادة تكون متماشية مع أجندات خارجية"، مشيراً إلى "أننا نحاول وضع تصور وإيجاد حل لمشكلة عائلات داعش، كما أن مسيحيي الموصل سيعودون إلى ديارهم هم وباقي طوائف نينوى"، متوقعاً أن يبدأ أوائل السكان بالعودة في الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، بينما سيتم استقطاع مبلغ لا يتجاوز 5 في المائة من مرتبات موظفي الموصل لتمويل تلك العمليات بسبب عدم القدرة حالياً على تأمين الحكومة لتلك المبالغ. وأضاف: "نتوجّه للمنظمات الدولية والعربية للمساعدة بإعادة الموصل كما كانت، لأن الدمار كبير والمدينة منكوبة".

أما السؤال الأكثر إلحاحاً لأهالي الموصل فهو أين سيسكن من هُدمت منازلهم ويُقدر عددها بأكثر من 23 ألف منزل ونحو 7 آلاف شقة سكنية، فقال عضو مجلس المحافظة محمد الحمداني، إن هناك عدة خيارات مطروحة من بينها أن تدفع الحكومة لهم ايجارات شهرية، فيما هناك من يطرح فكرة شمولهم بالقروض الميسّرة من البنك المركزي لبناء منازلهم، مضيفاً: "المشكلة أن الحكومة في بغداد لا تملك القدرة على تعويض الناس، وهذا ما يُعتبر أكبر تحدٍ لإعادة المدينة إلى سابق عهدها".


تحديات ومخاوف
وصف عضو مجلس العشائر المنتفضة ضد "داعش" في جزيرة البعاج، الشيخ محمد طالب الشمري، البرنامج الحكومي لبغداد بأنه سهل في الشرح والتنظير لكن الأصعب هو التطبيق. وأضاف: "ستكون معركة إعادة إعمار الموصل أسهل بكثير من معركة بسط بغداد سلطتها على نينوى بعيداً عن الأجندة الكردية وأجندة المليشيات، ونعتقد أن الأتراك لهم كلمة في الموضوع أيضاً".

واعتبر أن "إيصال الماء والكهرباء وتعبيد الطرق ثم إعادة السكان، عملية سهلة للغاية، لكن لدينا أجندات تتصارع على نينوى وستكون هناك دماء إن لم تفرض واشنطن نفسها على الجميع، وهو ما نشكك به أيضاً، فواشنطن تريد مبررات في العراق تسكت معارضي وجودها العسكري، لذا يمكن القول إن المعركة مع داعش انتهت عملياً، لكن هناك معارك أخرى سياسية واجتماعية وحتى عسكرية إذا لم تحل بالطرق الدبلوماسية".

وفي السياق، وجّه مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، نداء أمس الثلاثاء لإحقاق "العدالة" و"المصالحة"، بعد استعادة مدينة الموصل. وقال في بيان إن على العراق "مواجهة سلسلة من التحديات في مجال حقوق الإنسان وقد تؤدي في حال لم يقم بذلك، إلى مزيد من العنف والمعاناة". وقال إن "نساء وأطفال ورجال الموصل عاشوا جحيماً على الأرض وعانوا من تصرفات منحرفة ووحشية لا توصف". وحذر من أن "مقاتلي داعش يمكن ان يواصلوا القتل والترهيب عبر تفجيرات وعمليات خطف". وأكد أنه "عندما تسمح الأوضاع الميدانية، على الحكومة العراقية إصلاح دولة الحقوق وضمان احترام حقوق الإنسان وحاجات المدنيين الأساسية في المناطق المستعادة من داعش".

من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية أمس إنها رصدت نمطاً للهجمات التي قامت بها القوات العراقية والتحالف الدولي في معركة الموصل بما ينتهك القانون الدولي الإنساني وربما يصل إلى جرائم حرب. وقالت المنظمة إن القوات العراقية وقوات التحالف نفذت سلسلة من الهجمات التي تخالف القانون في غرب الموصل معتمدة بشدة على قذائف صاروخية بدائية الصنع ذات قدرة محدودة على التصويب مما ألحق دماراً بمناطق ذات كثافة سكانية عالية. وانتقدت المنظمة أيضاً تنظيم "داعش" لارتكابه مجموعة من الجرائم، من خلال تعمد تعريض المدنيين للأذى.


حرب كلامية
ومع مرور ساعات قليلة على إعلان بيان النصر وتحرير الموصل، أطلق زعماء في مليشيات "الحشد الشعبي" تهديدات مباشرة للأكراد في حال عدم انسحابهم الفوري إلى حدود الإقليم وترك مدن وبلدات نينوى لبغداد. وقال زعيم مليشيا "العصائب" المرتبطة بإيران، قيس الخزعلي، في رسالة وجّهها إلى من وصفهم المكون الكردي والمكون السنّي، بأن "هناك من استغل داعش للتمدد على غير أراضيه، وعليه أن يعلم أن ذلك غير ممكن الآن وعليه أن يعرف أن مصلحته مع العراق"، في إشارة إلى مشروع الانفصال الكردي عن العراق.

فيما قال القيادي في مليشيات "الحشد" جواد الطليباوي إن "تحقيق النصر على داعش في محافظة نينوى لا يعني توقف العمليات العسكرية القتالية بل الاستمرار لإخضاع كامل الأراضي العراقية لسيطرة الدولة ومنها سهل نينوى وكل الأراضي التي تسيطر عليها قوات البشمركة". وأضاف الطليباوي: "لا نستبعد استخدام القوة ضد قوات البشمركة في حال رفضت الانصياع بتسليم الأراضي المحررة للقوات العراقية"، محذراً "رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني من مغبة التمسك بالأراضي المحررة". وأعلن أنه "في حال رفض البارزاني الانصياع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، فإننا لن نكتفي بطرد قوات البشمركة من المناطق المحررة، بل سنقف على مشارف محافظات الإقليم".

وهو ما رد عليه القيادي في "التحالف الكردستاني" حمة أمين، قائلاً: "ليجربوا استخدام القوة معنا إذاً". وشدد أمين في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، على أن "المدن التي حُررت بدماء البشمركة هي للأكراد، والانسحاب غير مطروح اليوم، وعلى المليشيات ان تعرف قدرها جيداً ولا تهدد الإقليم"، معتبراً أن "لغة التهديد غير مجدية مع الأكراد، وفي حال تعرضت قواتنا لأي اعتداء في المناطق التي تتواجد بها البشمركة سيتم الرد بأضعاف".

ذات صلة

الصورة
أسلحة للعراق الجيش العراقي خلال مراسم بقاعدة عين الأسد، 29 فبراير 2024 (أحمد الربيعي/فرانس برس)

سياسة

كشفت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، وجود ضغوط إسرائيلية على دول أوروبية وآسيوية لعرقلة بيع أسلحة للعراق وأنظمةة دفاع جوي.
الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
تظاهرة في بغداد ضد العدوان على غزة ولبنان، 11 أكتوبر 2024 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

منوعات

اقتحم المئات من أنصار فصائل عراقية مسلحة مكتب قناة MBC في بغداد، وحطموا محتوياته، احتجاجاً على عرضها تقريراً وصف قيادات المقاومة بـ"الإرهابيين".
الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.
المساهمون