تعرف المعارضة السورية المسلّحة منذ بداية معركتها مع النظام أهمية الاستيلاء على المطارات، والتي يعتمد عليها النظام في إظهار تفوقه العسكري، إلا أنه غالباً ما ارتبطت معارك السيطرة بالجهات الداعمة، في ظل غياب استقلال القرار الوطني، وهذا ما أجّل الحسم فيها إلى وقت آخر، باستثناء بعض المطارات، كمطار حمدان في ريف البوكمال الذي أضحى الآن تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومطار الضبعة العسكري الذي سرعان ما استعادته القوات النظامية السورية.
في الجهة الأخرى، كان تنظيم "الدولة الإسلامية" مدركاً أيضاً لأهمية السيطرة على المطارات في حسم المعارك العسكرية، وتمكّن بعد مرور أربعة أشهر فقط على إعلان "الدولة الإسلامية في العراق والشام" من السيطرة على مطار منغ العسكري في ريف حلب الشمالي، عبر قواته التي كانت بقيادة أبي عمر الشيشاني بالاشتراك مع كتائب المعارضة المسلحة، وذلك قبل الاصطدام بين الطرفين. وكان هذا المطار من أكبر القواعد الجوية النظامية، وظلّت المعارضة تحاصره لأكثر من عام قبل سقوطه.
يضع تنظيم "الدولة الإسلامية" استراتيجية في المعارك تقوم على فتح جبهة واحدة، إما ضد قوات النظام أو المعارضة أي أحدهما، وهو ما حصل خلال سيطرته على الفرقة 17 واللواء 93 في ريف الرقة ضد النظام، ومن ثم التوسع في ريف حلب الشمالي والسيطرة على عشرات البلدات والقرى ضد المعارضة، ليعود ويحشد باتجاه مطار الطبقة العسكري ويسيطر عليه، ويعلن أول محافظة سورية خارجة عن سيطرة النظام. ولذلك اختار التركيز على معركة المطارات، بعدما كانت الأنباء تتواتر عن حشده باتجاه مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، معقل "الجبهة الإسلامية"، وأقوى نقاط المعارضة هناك.
إذاً بعد ضمان "داعش" السيطرة على مطار الطبقة العسكري، يتّجه إلى المعركة الكبرى في دير الزور بهدف طرد جيش النظام من المطار العسكري للمدينة، أكبر النقاط الإستراتجية التابعة للنظام في محافظة دير الزور، والمحاصر من قبل كتائب المعارضة منذ نحو عامين.
وعلى الرغم من أن مهمة التنظيم قد لا تكون سهلة في مطار دير الزور العسكري نظراً لوجود قطع عسكرية عديدة تحيط بالمطار، أبرزها اللواء 137 مشاة، إلا أن المؤشرات تدلّ على أن مقاتلي "داعش" متجهون إلى إعلان السيطرة على ثاني المحافظات السورية في ظل الحشد الكبير والسيطرة على المناطق الشرقية الممتدة مع العراق، وسيمنحه ذلك التفوق، في حال حصل عليه، سرب طائرات حربية ومروحية. وربما يلجأ التنظيم إلى الاحتفاظ بطياري المطار كما فعل في الرقة، رغم إعدام معظم جنود النظام، وقد نشاهد طلعات جوية لـ"داعش" خلال الأيام المقبلة في ظل تهيئة القواعد الأساسية للطيران.
وفي سياق موازٍ، يستعد مقاتلو التنظيم في الخطوة التالية إلى السيطرة على مطار كويرس العسكري في ريف حلب الشرقي، والذي يُعد الأكاديمية العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط، وربما سيساعده في ذلك سيطرته على مطار الطبقة ومزرعة العجراوي، لأن الطريق ستصبح سالكة إلى مدينتي دير حافر وكويرس باتجاه المطار العسكري، والذي يعد القلعة الأكبر للنظام السوري في شمال البلاد.
وتبرز أهمية السيطرة على مطاري دير الزور وكويرس، بأنها ستؤدي إلى الحد من طلعات النظام الجوية إلى حد كبير على مناطق "الدولة الإسلامية"، ناهيك عن أنه لن يتبقى للنظام سوى مطار النيرب في حلب، ما سيضطره إلى الاستعانة بمطارات إدلب وحماة واللاذقية لتنفيذ القصف على مناطق شرقي البلاد.
ولعل العامل الأهم الذي يدفع بـ"داعش" غلى الإسراع في معركة المطارات، هو مواجهة الحلف الدولي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيله، وسعي النظام إلى التقرب من الغرب من خلال تكثيف الغارات الجوية، والتي كان آخرها استهداف عشرات المناطق في مدينة الرقة، ما أسفر عن مقتل أكثر من خمسين مدنياً، ونحو عشرة مقاتلين من تنظيم "الدولة".
وسيحاول "داعش" الاعتماد على المعركة الإعلامية في هذا الوقت لتهيئة الرأي العام الداخلي في سورية والعراق، والرأي العام الغربي في ظل إصدار مجلة "دابق" الناطقة باللغة الإنكليزية، بحجة أنه يواجه غزواً خارجياً، وتحسين صورته النمطية التي ارتبطت بالقتل والمجازر من جهة، وتلميع "الخلافة الإسلامية" التي أُعلن عنها قبل نحو شهرين، ونُصّب أبو بكر البغدادي أميراً عليها، والقول إنها من مناطق "الدولة الإسلامية" بسيطرته على المطارات الثلاثة الآنفة الذكر.
وفي ظل تكثيف النظام لغاراته، وسعي الحلف الدولي لشنّ ضربات عسكرية ضد "داعش" في سورية، ومواجهة الأخير لهما، يبقى الشعب السوري وحده الخاسر الأكبر في هذه الحرب.