تفقد قائد الجيش الثاني الميداني المصري، اللواء أركان حرب، محمد ربيع، أول من أمس الثلاثاء، قرية جلبانة التابعة لمحافظة الإسماعيلية، والقريبة من قناة السويس، والتي لم تحظ تقريباً، بزيارة أي مسؤول حكومي أو عسكري ذي منصب رفيع طيلة العقود الماضية، قبل أن يغيّر دخول تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، إليها، الحسابات.
وتعدّ جلبانة آخر القرى غرب شبه جزيرة سيناء، وهي الأكثر قرباً من قناة السويس ذات الأهمية الاستراتيجية من الناحيتين الاقتصادية والأمنية لمصر. وشهدت القرية خلال الأيام الماضية، اشتباكات بين الجيش ومسلّحين من "داعش" ظهروا علانية في القرية، أخيراً، وسيطروا على مراكز حيوية فيها، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجيش.
زيارة عسكرية رفيعة إلى جلبانة
وبحسب مصدر قبلي من سكّان قرية جلبانة، تحدث لـ"العربي الجديد"، فقد وصل اللواء أركان حرب محمد ربيع، يرافقه رتل عسكري ضخم، أول من أمس، إلى جلبانة، من دون إعلان مسبق، في أول زيارة لمسؤول عسكري بارز لهذه القرية.
وجاءت الزيارة، بحسب المصدر، للوقوف على سير العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الصاعقة المصرية، والقوات الخاصة بالفرقتين 777 و999 في المنطقة، وبمعاونة من عشرات المقاتلين البدو من اتحاد قبائل سيناء، واتحاد بئر العبد، لملاحقة "ولاية سيناء" الذي يتحصن في مناطق عدة، جنوبي جلبانة.
تعليمات للجيش بإنهاء وجود "داعش" في جلبانة، وحشد كل القوة الممكنة لذلك بمساندة الأهالي
وقال المصدر ذاته الذي رفض الكشف عن هويته، إن اللواء ربيع أعطى تعليمات باستخدام كل القوة الممكنة برّاً وجواً لملاحقة عناصر "ولاية سيناء" جنوبي القرية، بالإضافة إلى حشد مزيد من القوة العسكرية النظامية من قوات الجيش، وكذلك من المجموعات القبلية المساندة له خلال الساعات المقبلة، للإسراع في مطاردة التنظيم، قبل تمكنه من تنفيذ أي هجوم في محيط قناة السويس.
ونقل المصدر عن ربيع قوله، إن هناك تعليمات صارمة من أعلى المستويات السيادية، بضرورة إنهاء وجود "ولاية سيناء" في المنطقة و"إلى الأبد"، مع توجيه دعوة عاجلة لكل أهالي جلبانة والمزارعين الذين فروا نتيجة الاشتباكات المسلحة التي اندلعت على مدار الأسبوعين الماضيين، إلى ضرورة العودة إلى منازلهم ومزارعهم فوراً، بما يساعد قوات الجيش والمجموعات القبلية خلال ملاحقتهم للتنظيم.
وخلال الزيارة، حرص اللواء ربيع، بحسب المصدر، على الاستماع لمطالب المجموعات القبلية بالمزيد من المركبات المصفحة والأسلحة النوعية، والتي لم تكن متوفرة خلال معارك رفح والشيخ زويد ووسط سيناء.
ووعد القائد العسكري بتوفير كل الإمكانات خلال وقت قصير جداً، من خلال قيادة عمليات الجيش المصري، المتواجدة على مقربة من جلبانة، في مدينة القنطرة شرق، التابعة لمحافظة الإسماعيلية إدارياً، ولسيناء جغرافياً. وأكد المصدر أن مسؤولي المجموعات القبلية بدأوا بتوجيه الدعوات لسكّان جلبانة، ولكافة المقاتلين البدو، بضرورة الوصول إلى القرية في أقرب وقت ممكن لإتمام المهمة.
"ولاية سيناء" يتحصن في البساتين
وكانت قرية جلبانة، التي تبعد حوالي 15 كيلومتراً عن قناة السويس، قد شهدت في 11 أغسطس/آب الحالي، ظهوراً علنياً لتنظيم "داعش"، سيطر خلاله مسلّحوه على مراكز حيوية، كمحطة الكهرباء وسكة الحديد، والجسور الرئيسية في المنطقة، بالإضافة إلى إغلاق الطريق الدولي، ونصب كمائن للبحث عن المتعاونين مع الجيش، والاستيلاء على عدد من سيارات المواطنين، واحتجاز آخرين في أماكن مجهولة.
كما منع عناصر التنظيم حركة المواطنين في داخل شوارع القرية لساعات عدة، ما دفع قوات الجيش لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق تشمل كافة أنحاء القرية، لملاحقة التنظيم، الذي كان قد استقر في مناطق زراعية جنوب القرية، وحصّنها بالعبوات الناسفة.
وحول حصيلة الخسائر نتيجة الأحداث على الأرض، أكدت مصادر طبية عسكرية في شمال سيناء، لـ"العربي الجديد"، أن قوات الجيش خسرت عدداً من أفرادها خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة الاشتباكات اليومية بين الجيش ومجموعات "داعش" جنوب جلبانة، ومن بينهم 3 عناصر من قوات الصاعقة المصرية - الكتيبة 103.
وعرف من القتلى الضابط محمود إبراهيم الحرباوي من محافظة البحيرة شمالي مصر، والرقيب أحمد السعيد، والضابط محمد سيف نبيل من الكتيبة 103 صاعقة، بالإضافة إلى قتلى ومصابي المجموعات القبلية المساندة للجيش، والتي لا يزال عدد من أفرادها يتلقون العلاج في مستشفى العريش العسكري.
تحرص القوة العسكرية على عدم تكرار نموذج رفح والشيخ زويد وخسارة عشرات المقاتلين النظاميين والقبليين
وحول مستجدات الوضع الميداني، أوضح مصدر في المجموعات القبلية المشاركة في الهجوم على "داعش" في جلبانة، أن تواجد التنظيم يتركز حالياً في مزارع المانغو وأشجار الحمضيات المزروعة جنوب القرية على مساحات واسعة جداً، والتي تمتاز بكثافة عالية، تحجب الرؤية جيداً.
وأضاف المصدر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تفتيش هذه المناطق يحتاج لأسابيع عدة، ويستوجب مشاركة مئات المقاتلين من الجيش والمجموعات القبلية، وإلى عدد من سكّان القرية، للاستدلال على خبايا المزارع والطرق الالتفافية فيها، والتي يمكن لداعش استغلالها لمهاجمة القوة العسكرية المقتحمة، أو للهرب من المنطقة، في حال تضييق الخناق عليهم.
وأوضح المصدر أن القوة العسكرية المكونة من الجيش والمجموعات القبلية حريصة للغاية في تحركها في اتجاه مناطق تمركز "داعش"، نتيجة اكتشاف عشرات العبوات الناسفة التي زرعت في كافة طرق قرية جلبانة، وكذلك في البيوت التي كان يتحصن فيها عناصر التنظيم في جنوب القرية.
كما تحرص القوة العسكرية بحسب المصدر، على عدم تكرار نموذج رفح والشيخ زويد وخسارة عشرات المقاتلين النظاميين والقبليين نتيجة انفجار العبوات الناسفة المزروعة مسبقاً، والتي تنفجر بمجرد المساس بها، من دون أي تدخل بشري من عناصر التنظيم. وبرأيه، فإن هذا الوضع يصعّب المهمة كثيراً، ويتطلب المزيد من الوقت والجهد خلال الأيام القليلة المقبلة، لتنفيذ المهمة بأقل الخسائر، ومن دون إعطاء فرصة لـ"داعش" للهرب من المنطقة، أو التوجه لمهاجمة أي هدف عسكري أو مدني فيها.
يشار إلى أن المجموعات القبلية، وبمساندة من الجيش المصري، تمكنت من السيطرة على مناطق واسعة كان تنظيم "داعش" يسيطر عليها في مدن رفح والشيخ زويد والعريش ووسط سيناء، من خلال حملات عسكرية مستمرة، بدأت في شهر مارس/آذار الماضي، ولا تزال مستمرة لتطهير المناطق المستعادة من "داعش". ويتمّ ذلك بإزالة خطر العبوات الناسفة، وفلول التنظيم، وبعض الجيوب في المناطق الوعرة، سواء في نطاق ساحل مدينة رفح وجنوبها، وكذلك المناطق الجبلية في المغارة بوسط سيناء.
ويعود الاهتمام بمعركة جلبانة إلى قربها من قناة السويس التي هي ممر مائي اصطناعي ازدواجي المرور في مصر، يبلغ طولها 193.3 كيلومتراً، وتصل بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، وتنقسم طولياً إلى قسمين: شمال وجنوب البحيرات المرّة، وعرضياً إلى ممرين في أغلب أجزائها، لتسمح بعبور السفن في اتجاهين في الوقت نفسه بين كل من أوروبا وآسيا. فيما تعتبر القناة أسرع ممر بحري بين القارتين، وتوفر نحو 15 يوماً في المتوسط من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
وكان رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع قد كشف، مطلع الشهر الحالي، أن إيرادات القناة بلغت 704 ملايين دولار في يوليو/تموز الماضي، وهو أعلى إيراد شهري في تاريخها، إذ سجلت القناة ارتفاعاً في حركة الملاحة بعبور 2103 سفن في الشهر نفسه، ارتفاعاً بنسبة تجاوزت 25 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.