استمع إلى الملخص
- وزارة الخارجية المصرية أكدت على أهمية المؤتمر لتحقيق توافق سوداني وبناء سلام دائم، مع التأكيد على احترام سيادة السودان وعدم التدخل في شؤونه.
- الحكومة السودانية اشترطت لنجاح المبادرة تمثيل حقيقي للشعب، توضيح الشركاء الإقليميين والدوليين المشاركين، ورفض حضور رعاة مليشيا الدعم السريع ودول الجوار المتهمة بتهريب السلاح.
رحبت الحكومة السودانية وأحزاب عدة خلال الساعات الماضية، بإعلان مصر نيتها استضافة مؤتمر للقوى السياسية المدنية، هدفه التوصل إلى توافق بينها حول سبل بناء السلام الشامل. وأكدت الحكومة وعدد من ممثلي القوى السياسية المدنية أن المؤتمر المزمع عقده في الشهر المقبل، يمكن أن يحدث اختراقا كبيرا لمصلحة إنهاء الحرب في البلاد، وإيجاد معالجة لحالة الانقسامات السياسية وفتح الطريق أمام خريطة طريق تخرج البلاد من نكبتها.
وكانت وزارة الخارجية المصرية، قد ذكرت في بيان لها، أمس الثلاثاء، أن مصر ستستضيف في يونيو/حزيران المقبل، مؤتمراً للقوى المدنية "في إطار حرص مصر على بذل كل الجهود الممكنة لمساعدة السودان الشقيق على تجاوز الأزمة التي يمر بها، ومعالجة تداعياتها الخطيرة على الشعب السوداني وأمن واستقرار المنطقة، لاسيما دول جوار السودان".
وأشارت الخارجية المصرية إلى أن المؤتمر سيُعقد بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، وأن الغاية منه هي التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية المدنية السودانية حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان، عبر حوار وطني سوداني سوداني، يتأسس على رؤية سودانية خالصة.
وأكد البيان أن النزاع الراهن في السودان "هو قضية سودانية بالأساس، وأن أي عملية سياسية مستقبلية ينبغي أن تشمل كافة الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة السودانية، وفي إطار احترام مبادئ سيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها".
وجاء الإعلان، مع تصاعد العمليات العسكرية في غضون الساعات الماضية خاصة في مدينة الفاشر، غربي البلاد، حيث تدور المعارك منذ أسابيع وفيها قتل أكثر من مائة من المدنيين. كما شهدت مناطق في مدينة أم درمان، غرب الخرطوم، اشتباكات تحاول عبرها "الدعم السريع" التوغل إلى أحياء الثورات الغربية. كما شنّ الجيش غارات واسعة على تجمّعات لـ"الدعم السريع" في كل من الخرطوم والخرطوم بحري، مع قصف مدفعي متبادل.
ويعيش السودان منذ 13 شهراً قتالاً ومعارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أسفر حتى الآن عن مقتل نحو 15 ألفاً من المدنيين، ونزوح ولجوء أكثر من ثمانية ملايين شخص، وتدمير البنى التحتية في معظم مناطق الحرب.
يعيش السودان منذ 13 شهراً قتالاً ومعارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع
ومنذ اندلاع الحرب العام الماضي، سعت الحكومة المصرية إلى تبني أكثر من مبادرة لإنهائها، أبرزها تبني القاهرة لاجتماع قمة دول الجوار السوداني في يوليو/تموز الماضي، والذي ناقش سبل إنهاء الصراع الحالي وتداعياته السلبية على دول الجوار، واتخاذ خطوات لحقن دماء الشعب السوداني. كما استضافت القاهرة اجتماعين منفصلين، الأول للمجلس المركزي لائتلاف قوى الحرية والتغيير في شهر يوليو/تموز، والثاني للكتلة الديمقراطية، خلال الشهر الحالي. كذلك شاركت مصر في مفاوضات سرية بين الجيش وقوات الدعم السريع جرت بالعاصمة البحرينية المنامة في الأشهر الماضية، ودعمت القاهرة في أكثر من مناسبة الوساطة السعودية الأميركية عبر منبر جدة.
الحكومة السودانية ترحب بدعوة مصر وتشترط
ورحبت الحكومة السودانية بعزم مصر استضافة مؤتمر لجميع القوى السياسية المدنية السودانية نهاية الشهر المقبل. وجدد بيان صادر من وزارة الخارجية السودانية، "ثقة السودان بحكومة وشعب مصر الشقيقة وقيادتها، باعتبارها الأحرص على أمن وسلام واستقرار السودان، لأن ذلك من أمن وسلام واستقرار مصر". وأشار البيان إلى أن "مصر هي الأقدر على المساعدة على الوصول لتوافق وطني جامع بين السودانيين لحل الأزمة الراهنة".
وأشادت الوزارة بما تضمنه البيان المصري من التشديد على احترام سيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والحفاظ على الدولة ومؤسساتها، وكذلك أن يكون هدف المؤتمر التوصل لرؤية سودانية خالصة باعتبار أن الأزمة قضية سودانية بالأساس.
وربط البيان السوداني، نجاح المبادرة المصرية بأن يكون هنالك تمثيل حقيقي للغالبية الصامتة من الشعب السوداني، "ممن سفكت دماؤهم وانتهكت أعراضهم ونهبت ممتلكاتهم وهجروا قسريا، والذين تعبر عنهم المقاومة الشعبية، وأن يكون أساس المشاركة التأكيد على الشرعية القائمة في البلاد، وصيانة المؤسسات الوطنية وعلى رأسها القوات المسلحة، ورفض إضعافها أو التشكيك فيها".
واشترطت الخارجية "توضيح من هم الشركاء الإقليميون والدوليون الذين سيحضرون المؤتمر وحدود دورهم، خاصة وأن المؤتمر يقصد منه الوصول لرؤية سودانية خالصة".
ورفض السودان أن يحضر المؤتمر "رعاة مليشيا الدعم السريع الإرهابية الذين يواصلون إمدادها بالأسلحة الفتاكة لقتل الأبرياء وانتهاك الأعراض، وتدمير البنيات الأساسية للبلاد، أو دول الجوار التي أشار إليها تقرير خبراء مجلس الأمن بأنها شريكة في تمرير وعبور رحلات السلاح من دولة الإمارات وصولاً إلى تشاد من خلال مطار أم جرس الذي ھُيئ لدخول هذه الإمدادات ومنها إلى دارفور".
وأكدت الخارجية السودانية كذلك تمسكها "تحديداً بعدم مشاركة الاتحاد الأفريقي وإيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا) ما لم يسبق ذلك بدء خطوات فعلية لرفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة القارية، وأن تصحح إيغاد موقفها الذي ينتهك سيادة السودان، حتى تكون محل ثقة الشعب السوداني، بما يمكنها من حضور مؤتمر كهذا".
كما اشترطت "أن لا يتجاوز دور أي أطراف إقليمية أو دولية ستحضر المؤتمر دور المراقب وتأكيد دعم المجتمع الدولي لما يتوصل إليه المشاركون بإرادتهم الحرة دون محاولة فرض أي أجندة خارجية أو رؤى خاصة بهذه الأطراف كما حدث من قبل".
الأمم المتحدة عن الحوار السوداني: نعمل على تقريب وجهات النظر
وفي السياق، قال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة، إن الأمم المتحدة تتشاور مع كل الأطراف السودانية من أجل تقريب وجهات النظر والوصول لحل سلمي. جاء ذلك عقب لقاء لعمامرة بمدينة بورتسودان، اليوم الأربعاء، برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، مشيرا إلى أن زيارته للبلاد تأتي للوقوف على حقائق الأوضاع على الأرض وبغرض التشاور مع المسؤولين بالدولة.
وأوضح لعمامر أن اللقاء مع البرهان تطرق إلى الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في معالجة الأزمة السودانية، وأن المهمة التي كلف بها من قبل الأمين العام تتمثل في تشجيع الأشقاء السودانيين للوصول إلى حل سلمي للأزمة في السودان.
وأكد حرص المنظمة الدولية على حماية المدنيين والتوجه نحو التهدئة وحل كل المشاكل القائمة من خلال الحوار، منبها إلى أن اللقاء تطرق أيضاً للمشاورات الجارية لاستئناف مسارات التفاوض.
الصراع في السودان: تحدٍّ متعدد الأبعاد لمصر
ويرى القيادي في حزب الأمة القومي، عروة الصادق، أن مصر تملك التأثير على عدد من القوى السياسية والحركات المسلحة والرموز المؤثرة في الحالة السودانية، وأن الصراع في السودان "يشكل تحديًا متعدد الأبعاد لمصر، حيث يؤثر على الاستقرار والأمن في المنطقة ومصالح مصر الداخلية".
وأوضح الصادق لـ"العربي الجديد"، أن دعم مصر أو الدعوة للوساطة بين الفرقاء السودانيين "يعكس دورها الإقليمي والعربي الحميد والمطلوب والمرجو في تعزيز السلام والاستقرار". وبيّن أن حزب الأمة لديه موقف ثابت مع القوى السياسية والمجتمعية السودانية في غالبها الأعم، بما فيها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).
ويرى القيادي السوداني وجوب استمرار مصر في جهودها للوساطة بين الفرقاء السودانيين، لافتاً إلى أنه "يجب أن تكون هذه الجهود شفافة ومحايدة، مع التركيز على تحقيق الاستقرار والمصالح المشتركة، ونركز من جانبنا على المصلحة العليا للشعب السوداني".
وأكد أنه على مصر أن "تساير رغبة السودانيين في الحكم المدني الديمقراطي الرشيد، وألا تظن أنه يمكن استنساخ نموذج الرئيس السيسي في الخرطوم".
أما ماهر أبو الجوخ، القيادي في حزب التحالف السوداني وفي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن القوى المدنية الديمقراطية "تسعى للحوار حتى مع طرفي الحرب، ولا تستثني إلا حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية وواجهاتها".
وبيّن أبو الجوخ أنه وحتى اللحظة لم يتلقوا دعوة رسميا من مصر لعقد اللقاء، مشيرا إلى أنه وبعد وصول الدعوة سيكون هناك نقاش مع الجهة الداعية في ما يتصل بالإجراءات الفنية المرتبطة بالأطراف المشاركة، وأجندة المؤتمر، وكلها مسائل توضح مع الدعوة وتخضع للحوار، وإذا تم التوصل لاتفاق حولها لن يكون هناك مانع من المشاركة في المؤتمر، لأن الحرب تتطلب الحوار حتى بين طرفي الحرب.
الحوار السوداني: تجاذبات إقليمية ودولية
بدوره، يرى القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله، أن دعوة مصر لاستضافة مؤتمر للقوى السياسية والمدنية السودانية نهاية يونيو المقبل، تندرج وفق تصريح المتحدث باسم الخارجية المصرية في مسارين. المسار الأول حسب خلف الله تزايد الاهتمام الإقليمي والدولي بتداعيات وتأثيرات استمرار حرب التدمير العبثية في السودان على السلم والاستقرار في الإقليم والمنطقة، بالتزامن مع تداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي على شعب فلسطين والوجود والانتشار الأميركي - الأوروبي في البحر الأحمر، وما تقوم به واجهة إيران المذهبية في اليمن، وهو ما أخرج الحرب السودانية من دائرة النسيان إلى دائرة الضوء.
أما المسار الثاني حسب المصدر ذاته، فهو "الشجون المصرية الخاصة، باعتبار مصر من أكثر دول الجوار السوداني تأثرا باستمرار الحرب وتداعياتها، وبشكل خاص أمنيا واقتصاديا، وهو ما عبرت عنه بعقد مؤتمر الجوار السوداني، واستضافتها في مايو الجاري بالقاهرة "لما سمي بالمؤتمر الثاني للكتلة الديمقراطية".
ولفت خلف الله الانتباه إلى توقيت الدعوة المصرية، "حيث جاءت بعد استضافة إثيوبيا لمؤتمر تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، ما يؤشر لتجاذبات إقليمية ودولية أسهمت من قبل في إطالة أمد الحرب، بما أتاحته من هامش للمناورة".
التنافس حول التأثير في مجريات الحرب ومصائرها ومستقبل السودان والإقليم، هو المحك الذي يختبر جدوى وتأثير الدعوة المصرية
وزاد أن التنافس حول التأثير في مجريات الحرب ومصائرها ومستقبل السودان والإقليم، هو المحك الذي يختبر جدوى وتأثير الدعوة المصرية، مؤكدا أن حل عقد التجاذبات والمنابر المتعددة وأولوياتها، وعقدة التباين في مواقف القوى السياسية والمدنية من الحرب وأطرافها، مهمة ليست بالهينة حينما تربط كذلك بتطلعات الشعب السوداني، واحترام سيادته ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه.
وختم خلف الله تصريحاته لـ"العربي الجديد"، بأن حزب البعث لا يبني مواقف مسبقة، وسيناقش أي دعوة يتلقاها ليقرر حولها.
وفي السياق، رحب القيادي في حزب الاتحادي الديمقراطي، بأي جهد لوقف الحرب في السودان، موضحا أن دور مصر "مهم جدا في إنهاء الأزمة السودانية، لأن ما يربط الشعبين الشقيقين من علاقات وتاريخ مشترك وأمن قومي مشترك يجعل من مصر اللاعب الأساسي في حل الأزمة السودانية.
أما الطاهر ساتي، رئيس تحرير صحيفة اليوم التالي فيرى أن مصر من الدول المؤهلة لتحقيق السلام في السودان، وقد تكاد تكون الدولة الوحيدة التي سعت لإيقاف الحرب قبل اندلاعها، ودعت كل القوى السياسية لعمل كل ما هو ممكن لتفاديها، وكل القوى السياسية لبتّ دعوتها ما قبل الحرب في القاهرة، عدا قوى الحرية والتغيير المتحفظة في السابق على أي دور مصري، "وهو موقف سلبي وغير مبرر عطل الوفاق والتوافق".
وذكر ساتي لـ"العربي الجديد"، أن "الحرية والتغيير غيرت بعد الحرب موقفها العدائي تجاه مصر لموقف تصالحي، ويمكنها الآن الاستجابة للدعوة الجديدة، بينما الكتلة الديمقراطية متحمسة أصلا وطالبت أكثر من مرة مصر بلعب دور في حل الأزمة السودانية".
وتوقع ساتي أن تأتي الاستجابة واسعة هذه المرة من مختلف التحالفات السياسية السودانية، "لأن ظروف البلاد تفرض الحاجة للقاء سوداني جامع في مائدة حوار سوداني شامل". كما توقع أن يعقد الحوار السوداني السوداني في مصر، بعد اكتمال مفاوضات جدة وما يخرج منها من ترتيبات عسكرية وأمنية، لأن جدة غير معنية بالشؤون السياسية.
وأكد أن مصر تقف الآن على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، وبذلك تختلف عن كثير من الدول العربية الموالية لطرف دون الآخر، حسب تقديره.
وفي سياق الحديث عن مفاوضات جدة، نفى نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، موافقة الحكومة على استئناف مفاوضات جدة بين الجيش و"الدعم السريع". وجاء النفي بعد تقارير صحافية أشارت إلى الموافقة الحكومية، وذلك عقب اتصال هاتفي لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن برئيس مجلس السيادة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان.
وأوضح عقار في مخاطبة جماهيرية في بورتسودان، اليوم، أن "ما يتم تداوله غير صحيح، وأننا لم نوافق بعد على استئناف مفاوضات السلام في جدة"، مبينا أن الرفض "ليس للسلام، إنما السلام يحتاج لمرتكزات لم تحقق بعد، ولا يمكن أخذنا إلى هناك مثل الأغنام".
وفي توضيح آخر من مجلس السيادة، قال بيان، إن رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان تلقى اتصالاً هاتفياً من بلينكن، تطرقا خلاله لمسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل ترقية وتعزيز التعاون المشترك. وأوضح البيان، أن الاتصال تناول الحاجة إلى وقف الحرب في السودان وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وذلك لتخفيف معاناة الشعب السوداني، كما تطرق وزير الخارجية الأميركي أيضا إلى استئناف محادثات جدة والحاجة لوقف الأعمال العدائية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، دون الخوض في المزيد من التفاصيل.