قبيل الانتخابات الإسرائيلية بسبعة أيام، في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نظمت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، التي يفترض فيها حمل لواء المساواة وقيم الديمقراطية كما يفهمها التيار اليساري الصهيوني، مؤتمراً تحت عنوان "مؤتمر هآرتس للديمقراطية".
كان الهدف الأساسي للمؤتمر تبييض صفحة حكومة الاحتلال المؤقتة برئاسة يئير لبيد وجرائمها الوحشية في الضفة الغربية المحتلة، والدعوة لإبقائها، وللدقة، إبقاء معسكرها كله في الحكم، خوفاً من "الظلام القادم" الذي سيأتي مع عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم، وتقويضه المحتمل للديمقراطية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من مظاهر الليبرالية وحرية التعبير التي حملها المؤتمر، ومن ضمنها إتاحة منصة أمام نواب عرب من المعارضة، لسب الاحتلال وشتمه، والتهويل مما هو قادم، فقد حرص ناشر الصحيفة عاموس شوكن على تحديد السقف المتاح والمسموح به والتأكيد على "بقاء صحيفة هآرتس ملتزمة بإسرائيل دولة يهودية وديمقراطية".
وبمعزل عن الأسس الفكرية الإنسانية التي تؤكد استحالة الجمع بين الديمقراطية والإثنية، عدا عن حرص شوكن على تقديم اليهودية على الديمقراطية، وبعيداً عن هرطقات السجال الإسرائيلي الداخلي في كيفية ترتيب المعادلة، هل تسبق اليهودية الديمقراطية، أم الديمقراطية كلمة اليهودية، في توصيف إسرائيل، فإن اختيار شوكن الترتيب المذكور يؤكد زيف الليبرالية الإسرائيلية، وبضمنها من يصرّ على عكس ترتيب التوصيف، بتقديمه الديمقراطية على اليهودية، لأنه يؤصل بذلك لفوقية العرق اليهودي في سياق النظام المدني، حتى لو زعم أنه ضد الاحتلال. فلا يمكن أن تكون ضد الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ومع الفوقية العرقية داخل حدود الدولة، ثم تدعي الليبرالية والديمقراطية.
من هنا يمكن القول إن "الدموع" التي تذرف في دولة الاحتلال الإسرائيلي على "الديمقراطية" وأسس النظام الديمقراطي مما يحمله ويخبئه نتنياهو وائتلافه القادم "للديمقراطية الإسرائيلية ونظامها القضائي" هي دموع زائفة، ليس لأن نتنياهو نصير للديمقراطية وإنما لأن أصحابها خسروا الحكم بينما كانوا يبطشون بالفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ويواصلون الهدم والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين داخل أراضي 48.
وهي دموع تكشف زيف الادعاء بالليبرالية حتى لو جاءت من تشكيل حكومي "كسر تابو" إشراك عرب ومن التيار الإسلامي في حكومة صهيونية، ولو على هامش الائتلاف، فيما ظل قلباً وقالباً يمارس نفس الجرائم ضد الإنسانية، ضد الشعب الفلسطيني وضد مقدساته، من دون أي اختلاف عن ممارسات حكومات نتنياهو التي كانوا شركاء فيها في الماضي القريب.