كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ضمن فعاليات منتدى شباب العالم، الحديث عن "التدخلات الخارجية في شؤون الدول، بقصد تخريبها"، وهو ما اعتبره سياسي مصري بارز، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنه "يمكن أن يكون موجهاً إلى الغرب".
وأضاف: "يرى النظام المصري أن حديث الدول الغربية في ملف حقوق الإنسان، هو تدخّل في شؤون مصر بما يضر الأمن القومي، ويهدد بتخريب البلد".
ولفت إلى أن "تحذير السيسي من التدخلات الخارجية، قد يكون حديثاً موجهاً إلى قوى إقليمية، يرى السيسي أنها تحاول التأثير على نظامه في الوقت الحالي"، موضحاً أن "حديث السيسي الآن يبدو أنه موجه إلى أطراف عربية وخليجية أخرى".
وأشار السياسي المصري إلى أن "قلق السيسي من التدخلات الخارجية طبيعي، إذ إنه يعلم تماماً أنه عندما حدث تدخل قبل ذلك في مصر، فقد أسقط نظاماً سياسياً حاكماً في أقل من عام، بالتعاون مع السيسي نفسه. لذلك فهو يعرف جيداً أساليب اللعب، كما يعرفها شركاؤه في الخليج، وبالتالي هو في حالة حساسية دائمة من هذه الناحية".
وأكد أن "حساسية السيسي من أي تدخلات خارجية، من الطبيعي أن تكون مرتبطة بالمؤسسة العسكرية والأمنية في مصر، والتي كانت فيما سبق الذراع الفاعلة للقوى الخارجية الإقليمية لإسقاط نظام الرئيس المنتخب محمد مرسي في عام 2013".
توجيه رسائل عبر "منتدى شباب العالم"
وعلى مدار ثلاثة أيام قضاها في مدينة شرم الشيخ السياحية، حاضراً وراعياً لـ"منتدى شباب العالم"، حاول السيسي، توجيه رسائل معينة إلى أطراف بعينها.
والكمّ الأكبر من الرسائل التي أطلقها الرئيس المصري خلال أيام المنتدى، كانت من نصيب الخارج، وكانت الرسالة الأبرز بينها هي "ضرورة تقديم المساعدات لمصر، سواء بالمنح أو بالقروض، أو بأي وسيلة أخرى، حتى تستطيع التغلب على مشكلاتها، ولا تصدرها للغرب كما حدث في دول أخرى".
وأشار السيسي في أكثر من جلسة من جلسات المنتدى إلى "دول بعينها"، قال إنه "لن يسمّيها كي لا يتسبب في إيلام مواطنيها، ثارت فيها الثورات وانتهى بها الوضع إلى التمزق والتشتت وظهور جماعات إرهابية فيها، وحدوث موجات من الهجرة".
ووجه حديثه إلى الغرب قائلاً إن مصر "لم يحدث فيها ذلك، ولم تصدر مهاجرين إلى الغرب، بل تستضيف لاجئين من دول أخرى، وتعاملهم معاملة حسنة، ولا تقيم معسكرات للاجئين كما يحدث في دول أخرى". وزاد على ذلك أن "الدولة المصرية لا تسمح باستخدام أراضيها لتكون معبراً للاجئين إلى أوروبا من دول مختلفة".
هدف السيسي الرئيسي من إقامة منتدى شباب العالم هذا العام، هو الرد على الانتقادات في مجال حقوق الإنسان
وحول خطاب السيسي، اعتبرت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد"، أن "هدفه الرئيسي من إقامة منتدى شباب العالم هذا العام، هو الرد تحديداً على الانتقادات التي توجه لنظامه في مجال حقوق الإنسان، وربط ذلك بملف المساعدات، وكأنه يقول للغرب، أنتم تطالبون بحقوق الإنسان، إذاً فلتساعدونا وتنفقوا على الشعب".
وأكدت المصادر، أن كل المسؤولين الغربيين الذين يلتقون السيسي سواء داخل مصر أو عند زيارته الدول الغربية أو حتى في المحافل الدولية، "يكون على رأس أجندتهم الحديث عن ملف حقوق الإنسان، ومدى التدهور الذي وصل إليه في مصر".
وأضافت أن "ذلك يزعج بشدة الرئيس المصري، ولذا قرر أن يرد بهذا الشكل الواضح والصريح وهو معادلة (حقوق الإنسان تساوي منح المساعدات) وأي حديث آخر غير ذلك مرفوض".
ولفتت المصادر إلى أن "السيسي أثبت بالدليل القاطع أن مسألة حقوق الإنسان، المتمثلة في حرية التعبير والتظاهر، لا تعنيه نهائياً ولا يؤمن بها تماماً، بل هي فقط ورقة يستخدمها لمساومة الغرب في مسائل أخرى، ويعتبر أن الإفراج عن بضع عشرات من المعتقلين السياسيين، يمكن أن يوحي للغرب بأن هناك انفراجة في ملف حقوق الإنسان".
وأضافت أن "المدقق في خطابات السيسي المتعددة، لن يلمح في قاموسه السياسي واللغوي، ذكر كلمة (الديمقراطية) نهائياً، كما أنه لن يلمح أي حديث عن البرلمان أو الأجهزة الرقابية، أو أي مؤسسات أخرى داخل الدولة، ما يعني أنه يعلن أنه هو وحده الدولة، ولا شيء آخر".
وتابعت أن السيسي "في حديثه إلى الغرب قال لهم بشكل واضح إن الديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل المال عندما قال: هاتوا 50 مليار دولار وأنا أخلي الناس تنزل تتظاهر، وعندكوا حقوق الإنسان تقتصر على حرية التعبير وأن الناس تعمل مظاهرات، عندنا الناس بترجع من المظاهرات عايزة تاكل وتشرب".
مطاردة مصريين مرتبطين بالإمارات
في غضون ذلك، كشفت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد"، أن الفترة الأخيرة شهدت تحركات من جانب أجهزة في الدولة المصرية تتبع رئيس الجمهورية مباشرة، ضد عدد من الشخصيات والأسماء البارزة في قطاعات الإعلام، ومجتمع المال والأعمال، والسلك الدبلوماسي، من الذين ربطتهم في السابق علاقات قوية بمسؤولين في أجهزة إماراتية، وكانوا دائمي التردد على أبوظبي عقب انقلاب 30 يونيو/حزيران 2013.
وبحسب المصادر، فإن الإجراءات التي تهدف إلى إبعاد هذه الشخصيات عن أي مراكز ومواقع مؤثرة في اتخاذ القرار المصري، شملت أيضاً شخصيات وقيادات في مؤسسات سيادية، بعضهم كانت بمثابة حلقة وصل بين النظام المصري، والإمارات بتكليف مباشر من دائرة السيسي.
وأكدت المصادر أن حملة الإجراءات الجديدة تأتي على ضوء العلاقات الفاترة بين القاهرة وأبوظبي، في وقت تخشى فيه دائرة السيسي من توظيف شخصيات مصرية في مواقع ذات حساسية في القطاعات المختلفة للضغط على النظام المصري.
يرى السيسي ومعاونوه أنهم مكبّلون في مواجهة التحركات الإماراتية
وبحسب المصادر: "هناك حالة غضب تسيطر على السيسي ودائرته المقربة بسبب السياسات الإماراتية التي لم تتوافق كثيراً في الفترة الأخيرة مع المصالح المصرية"، مستدركة "لكن في الوقت ذاته يرى السيسي ومعاونوه أنهم مكبّلون في مواجهة تلك التحركات، في وقت لا يمكنهم الإقدام على خطوات خشنة ضد المصالح الإماراتية في مصر لعدم إلحاق مزيد من الخسائر بالاقتصاد المصري، مع تركز الوجود الإماراتي حالياً في القطاعات الاستثمارية والاقتصادية".
وقالت المصادر، إن الكثير من الإجراءات التي اتخذها النظام المصري ضد رجال أعمال وإعلاميين تندرج جميعها ضمن حملة ملاحقة ما يمكن تسميتهم "شركاء الإمارات".
ولفتت إلى أن من بين تلك الإجراءات ما اتُخذ ضد الإعلامي توفيق عكاشة والذي كان يوصف بأنه مفجر ثورة 30 يونيو، بعد توقيفه أخيراً في مطار القاهرة أثناء توجهه إلى الإمارات بدعوى تنفيذ أحكام نفقة لصالح مطلقته صادرة بحقه، على الرغم من صدور تلك الأحكام منذ عدة سنوات من دون أي تحرك.
وأشارت إلى أنه تم إطلاق سراحه بعد إلغاء سفره. وأكدت في الوقت ذاته أن عكاشة كان متوجهاً إلى الإمارات بغرض الإقامة الدائمة هناك، وهو ما أقلق مسؤولين في مصر من إمكانية استخدامه لتقديم برنامج عبر إحدى الوسائل الإماراتية.
واعتبرت المصادر، أنه كذلك يمكن تفسير السبب الأساسي لإقدام النظام المصري على إجراءات قوية ضد رجلي الأعمال حسن راتب، المحبوس على ذمة اتهامات بالاتجار في الآثار، ومحمد الأمين، والذي كان عراب سيطرة الإمارات على وسائل الإعلام المصرية في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 عقب استحواذه على عدد من القنوات، منها "سي بي سي" و"مودرن" و"النهار"، بالإضافة إلى صحيفة "الوطن"، وذلك قبل إلقاء القبض عليه أخيراً بتهمة الاتجار في البشر، والاعتداء على فتيات قاصرات من نزلاء إحدى دور الأيتام التي أسسها.
وبحسب المصادر فإنه "قبل هؤلاء جميعاً هناك النائب السابق عبد الرحيم علي، الذي اضطر للفرار إلى أبوظبي للإقامة هناك في بداية تصاعد التوتر بين البلدين".