اعتقلت سلطات السجون الروسية المعارض أليكسي نافالني الأحد، بعيد وصوله إلى موسكو آتياً من ألمانيا حيث أمضى فترة نقاهة لأشهر عدّة، بعد نجاته من تسميم مفترض، وقد استدعى توقيفه إدانة فورية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتُلاحق سلطات السجون الروسية نافالني (44 عاماً) منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول، بحجّة انتهاكه شروط حكم بالسجن مع وقف التنفيذ صدر بحقه في 2014.
وفيما كان يستعدّ لختم جواز سفره إلى جانب زوجته يوليا في أحد مطارات العاصمة الروسية، اقترب منه عناصر الشرطة واقتادوه، وفق مراسلي وكالة فرانس برس.
وأوضحت السلطات أن نافالني "مدرج على لائحة أشخاص مطلوبين منذ 29 ديسمبر/كانون الأول 2020 بتهمة انتهاكات متكررة للفترة الانتقالية"، مؤكدة أنه "سيبقى معتقلاً إلى أن تتخذ المحكمة قراراً" في شأنه، من دون أن تحدد موعد حصول هذا الأمر.
وكانت السلطات هددت الخميس باعتقال نافالني ما إن يصل إلى روسيا، وحجّتها في ذلك أنه لم يمثل أمامها مرّتين كل شهر وفق ما تقتضي شروط حكم بالسجن خمسة أعوام مع وقف التنفيذ صدر بحقه في 2014.
وتم في اللحظة الأخيرة تحويل مسار الطائرة التي أقلت نافالني من برلين إلى مطار آخر في موازاة توقيف غالبية حلفائه.
وبعدما كان مقرّراً أن تهبط الطائرة في مطار فنوكوفو في موسكو، حطت الطائرة التي تقل نافالني في مطار شيريميتييفو الساعة 20,12 (17,12 ت غ) بعد نحو ثلاث ساعات على إقلاعها من برلين، وفق صحافيين في فرانس برس على متن الطائرة.
وفي مطار فنوكوفو في موسكو حيث كان متوقعاً وصول المعارض، عمدت الشرطة إلى توقيف غالبية حلفائه الذين حضروا لاستقباله، وبينهم ليوبوف سوبول المعارض الروسي المعروف الذي اعتُقل قبل بضعة أسابيع. ولاحقاً أطلق سراح جميع الموقوفين.
وبحسب منظمة "أو.في.دي-إنفو" غير الحكومية، بلغ عدد الموقوفين الأحد في موسكو وسان بطرسبورغ على خلفية عودة نافالني قرابة 65 شخصاً.
— Всего задержали 69 человек в Москве и Петербурге, 62 из них в столице. Людей развезли по 10 отделам полиции. Среди задержанных было двое несовершеннолетних, их забирали родители. Также полицейские задержали как минимум шесть журналистов.
— ОВД-Инфо (@OvdInfo) January 18, 2021
ولوحظ انتشار كثيف لشرطة مكافحة الشغب التي فرقت بشكل تدريجي نحو مئتين من أنصار نافالني كانوا حضروا لاستقباله.
وكتب إيفان دجانوف القريب من نافالني على تويتر أن حلفاء المعارض متهمون بـ"عصيان" الشرطة.
وعلق نافالني من مطار برلين: "على عادتها، ما يميز السلطات الروسية هو خوفها"، مبدياً "سروره الكبير" بالعودة ومؤكداً أن "ليس هناك ما يخشاه في روسيا".
وسارع الاتحاد الأوروبي على لسان رئيس مجلسه شارل ميشال إلى رفض اعتقال نافالني مطالباً بالإفراج "الفوري" عنه.
The detainment of Alexey #Navalny upon arrival in Moscow is unacceptable.
— Charles Michel (@eucopresident) January 17, 2021
I call on Russian authorities to immediately release him.
ودعت ليتوانيا الاتحاد الأوروبي الأحد إلى "مناقشة (فرض) عقوبات جديدة" على روسيا بسبب اعتقال نافالني، فيما دعت بولندا إلى "رد سريع وحاسم على مستوى الاتحاد الأوروبي".
من جهتها، دعت فرنسا إلى "الإفراج فوراً" عن المعارض الروسي، وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها "تتابع وضعه مع شركائها الأوروبيين، بأقصى درجات اليقظة".
ووصفت أوتاوا توقيف نافالني بأنه "غير مقبول".
وأعلن وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو الأحد أنّ الولايات المتحدة "تدين بشدّة" توقيف نافالني، معتبراً أنّ "اعتقاله هو الأحدث في سلسلة من المحاولات لإسكات نافالني وشخصيّات معارضة أخرى وأصوات مستقلّة تنتقد السلطات الروسيّة".
Deeply troubled by Russia's decision to arrest Aleksey Navalny. Confident political leaders do not fear competing voices, nor see the need to commit violence against or wrongfully detain, political opponents.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) January 18, 2021
بدوره دعا جايك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن إلى "الإفراج فوراً" عن المعارض الروسي، و"محاسبة" المسؤولين عن تسميمه في أغسطس/آب.
Mr. Navalny should be immediately released, and the perpetrators of the outrageous attack on his life must be held accountable. The Kremlin’s attacks on Mr. Navalny are not just a violation of human rights, but an affront to the Russian people who want their voices heard.
— Jake Sullivan (@jakejsullivan) January 17, 2021
وعلى فيسبوك طالبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا المسؤولين الأجانب بـ"احترام القانون الدولي" و"الاهتمام بشؤونهم الخاصة".
واعتبرت منظمة العفو الدولية الأحد أن اعتقال نافالني يجعل منه "سجين رأي" ضحية "حملة لا هوادة فيها" للسلطات الروسية بهدف "إسكاته".
اتهام ونفي
أقام المعارض في ألمانيا منذ أواخر أغسطس/آب بعدما أصيب بإعياء شديد خلال رحلة العودة من سيبيريا إلى موسكو في إطار حملة انتخابية، وأدخل المستشفى في مدينة أومسك حيث بقي 48 ساعة ثم نقل إلى برلين في غيبوبة بعد ضغط مقربين منه.
وخرج نافالني من المستشفى في أوائل سبتمبر/أيلول، وخلصت ثلاثة مختبرات أوروبية إلى أنه سمّم بمادة نوفيتشوك التي طورت خلال الحقبة السوفياتية من أجل أغراض عسكرية. وهذا الاستنتاج أكدته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية رغم نفي موسكو المتكرر.
ويقول نافالني إن أجهزة الأمن الروسية دبرت لاغتياله بأمر مباشر من فلاديمير بوتين.
وتنفي موسكو عملية التسميم جملة وتفصيلاً رغم نتائج المختبرات الأوروبية التي تثبت أنه تعرض للتسمم.
وحتى الآن، ترفض روسيا فتح تحقيق جنائي لمعرفة ما حصل لنافالني، بحجة أن ألمانيا ترفض نقل بياناتها إلى روسيا.
لكن ألمانيا أعلنت السبت أنها أرسلت إلى موسكو غالبية عناصر التحقيق القضائي المتعلق بقضية التسميم المفترض لنافالني.
وتضمّ عناصر الملف الذي نقل إلى السلطات القضائية الروسية خصوصاً "محاضر جلسات استجواب" نافالني من قبل المحققين الألمان، فضلاً عن "عينات دم وأنسجة وقطع ملابس". وقالت ألمانيا إنها تنتظر الآن من موسكو أن "تُلقي الضوء على هذه الجريمة".
وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية الأحد أن موسكو تلقت الوثائق التي أرسلتها ألمانيا، لكنها أوضحت "أنها لا تتضمن أساساً أي شيء" مما طلبته موسكو.
حتى الآن، ترفض روسيا فتح تحقيق جنائي لمعرفة ما حصل لنافالني، بحجة أن ألمانيا ترفض نقل بياناتها إلى روسيا
ولا يزال نافالني الذي تتجاهله وسائل الإعلام الروسية، وغير الممثل في البرلمان، ولا يحق له الترشح بسبب إدانته بتهمة التهرب الضريبي التي وصفها بأنها قرار سياسي، أبرز أصوات المعارضة، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى قناته على موقع يوتيوب التي يتابعها 4,8 ملايين شخص ومنظمته الخاصة بمكافحة الفساد.
ورغم تعرض نافالني مراراً لملاحقات قضائية والحكم عليه بالسجن فترات قصيرة، نجح هذا الناشط في مجال مكافحة الفساد بتنظيم تظاهرات كثيرة حظيت بمتابعة عن كثب، فيما تسببت استراتيجياته الانتخابية بخسارات محرجة عدة للسلطة في استحقاقات محلية.
لكن تبقى شهرته محدودة خارج المدن الكبرى. وبحسب استطلاع للرأي أجراه مركز "ليفادا" المستقل، أيدت نسبة 20% فقط من الروس تحرك نافالني في حين رفضه 50%، أما الباقون فإما لم يسمعوا قط بالمعارض وإما رفضوا الإدلاء بآرائهم.
(فرانس برس)