يعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن، على ما يظهر، أن مهمته في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي قد انتهت حالياً بانتزاع وقف إطلاق النار، فجر الجمعة، بعد 11 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن المطلوب الآن من إدارته لا يتعدّى العمل على تعزيز هذا "الإنجاز" وتثبيت شروط استمراره، بحيث لا تتكرر مثل هذه المواجهة في عهده.
خطاب بايدن في أعقاب توقّف القتال وإيفاده لوزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الذي ينتظر أن يصل في الأيام القليلة المقبلة إلى المنطقة في مهمة تتعلق بالترتيبات الجديدة، يشيران إلى أن طموحه لا يتصل بالجوهر بقدر ما يقتصر على احتواء الأزمة. فالرئيس الديمقراطي من مدرسة تقول إن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من النوع الذي "لا يقوى (الرئيس الأميركي) على تجاهله ولا على حلّه، بل يقوى فقط على إدارته".
نظريةٌ المقصود بها ترك القرار لتل أبيب مع الاحتفاظ لواشنطن بهامش تتحرك ضمنه كمسوِّق وكمظلة تحول دون تدخّل الأمم المتحدة. وهي قاعدة طبّقها بايدن في هذه الأزمة التي تعامل معها منذ البداية، تماماً كما تعامل معها الاحتلال الإسرائيلي على أنها مشكلة أمنية - صاروخية، وزعم أنه عمل على حلّها بهذا الأفق.
وكانت غاية الرئيس الأميركي وقف إطلاق النار وليس إنهاء الاحتلال، ولو أنه يعرف جيدا أن هذا الأمر الأخير هو أصل المشكلة برمّتها. وهو إذ يعترف ولو لفظياً بأن "حل الدولتين هو الأفضل" للخروج من هذه الدوامة القاتلة، إلا أنه يدعو إلى هذا المخرج من باب النصيحة وليس من باب اعتماده كصيغة تلتزم بها إدارته وتعمل على جعلها ملزمة لإسرائيل أيضاً.
فطوال مدة العدوان، لم يأت البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية على ذكر سيرة هذا الحل إلا بصورة عابرة، ولمرات قليلة جداً، مع أن جهات غير قليلة ومؤثرة حثت الرئيس على اغتنام الفرصة لتسويق خيار حل الدولتين والتمهيد له "لتحاشي تكرار المواجهة التي صارت دورية في غياب حل يضمن السلام".
غاية الرئيس الأميركي وقف إطلاق النار وليس وقف الاحتلال، ولو أنه يعرف جيدا أن هذا الأمر الأخير هو أصل المشكلة برمتها
كذلك، كان بإمكان بايدن الاستناد إلى تحوّل ملحوظ في أميركا بهذا الاتجاه، وبالأخص في الكونغرس الذي برزت في مجلسيه كتلة وازنة بصوتها إن لم يكن بحجمها من حزبه الديمقراطي، سبقته وسارعت منذ انفجار الأزمة إلى الدفع باتجاه الضغط على إسرائيل لوقف العدوان، ولحملها على الدخول في طريق حل الدولتين.
فالتغيير الذي طرأ على تركيبة الحزب في الكونغرس وفي صفوف قواعده، أدى إلى كسر الموانع، ليس فقط في إدانة عدوانية إسرائيل بلغة غير مسبوقة في حدتها، بل أيضا في تقديم مشروعي قانون في مجلسي النواب والشيوخ لوقف صفقة سلاح، منها "قنابل ذكية" لتل أبيب، بقيمة 735 مليون دولار. طبعاً ليس من المتوقع أن يمر أي منهما.
ومع ذلك، فإن مجرد وصول الرفض في الكونغرس، الذي كان تاريخيا حصن إسرائيل في واشنطن، إلى هذا الحد، هو ورقة كان بإمكان الرئيس ضمّها إلى حيثيات أخرى للدفع نحو ما يتخطى وقف إطلاق النار. لكن هذا ليس في حسابات بايدن، إذ لديه رؤية أخرى للسلام الذي "لن يتحقق إلا بعد أن تعترف المنطقة بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية"، كما قال في رده على سؤال خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، مساء الجمعة، مع الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي-إن.
جوابه الخارج عن السياق أثار من الاستغراب بقدر ما بدا على أنه مؤشر آخر بأنه غير معني فعليا بحل الدولتين. وكانت الإشارة الأهم عدم تعيينه مبعوثا خاصا لهذا الملف، ناهيك عن عدم تعيينه بعد سفيره في إسرائيل.
في هذا السياق، تأتي زيارة بلينكن التي يستهلها يوم الأربعاء إلى المنطقة، التي يوحي توقيتها بأنها لن تخرج عن حدود معالجة آثار الحرب على الصعيد الفلسطيني وبصورة تؤكد على انقسامه، من خلال المساهمة المشروطة في إعادة إعمار غزة مقابل تعزيز الدعم للسلطة الفلسطينية، والعمل على إعادة تعويم أوضاعها التي تعاني من حالة هبوط في الساحة الفلسطينية، انعكست في قرار تأجيل الانتخابات.
وقد ألمحت الإدارة الأميركية أخيراً بشأن نيتها "ترميم الأوضاع"، و"تحسين الظروف" الفلسطينية اقتصادياً، وبما يستحضر خطاب جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عن هذا التوجه كما قدمه آنذاك في "صفقة القرن"، كبديل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. فهل يتكرر السيناريو بإخراج جديد في ضوء الانقسام الفلسطيني الذي تحرص إسرائيل ومعها واشنطن على استمراره؟