زيارة وفد الكونغرس الأميركي للقاهرة: الملف الحقوقي عائق

20 ابريل 2022
إحدى عشوائيات العاصمة المصرية القاهرة (فريديريك سلطان/Getty)
+ الخط -

لا يزال ملف حقوق الإنسان العائق الأكبر أمام علاقات أكثر عمقاً بين الإدارة الأميركية والنظام المصري، حسب ما أكدته مصادر دبلوماسية مصرية رسمية في معرض حديثها مع "العربي الجديد" حول زيارة وفد من الكونغرس الأميركي للقاهرة.

واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم السبت الماضي، وفداً من الكونغرس الأميركي برئاسة السيناتور ريتشارد شيلبي، بحضور وزير الخارجية سامح شكري.

وبحسب مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، فإن الوفد الذي التقى السيسي، شدد خلال حواره معه، على أن الملف الحقوقي "لا يزال في حاجة إلى تحسينات كبيرة"، مشيراً إلى "رفض النظام المصري التعاطي مع الملاحظات الخاصة بملف النشطاء السياسيين الذين يتعرضون للتنكيل في السجون، بخلاف حرية الرأي والتعبير التي تواجه أزمة حقيقية في مصر"، وفقاً لقول أحد المصادر.


تطرق الوفد الأميركي إلى عمليات إخلاء قسري استهدفت عدداً من السكان

ووفقاً للمصادر، فقد "أشار أعضاء الوفد إلى ترويج مصر أنها أحدثت طفرة في حقوق الإنسان، متمثلة في نقل سكان العشوائيات إلى مدن مخططة، وكذلك مشروعات مثل حياة كريمة متعلقة بالمناطق الفقيرة، مؤكدين أن مثل تلك المشروعات تندرج تحت مسؤوليات النظام المصري تجاه مواطنيه، ولا يمكن دمجها في الملف الحقوقي".

وذكرت أن الأمر متعلق "بملف الحق في السكن الذي أبدى الوفد ملاحظات واسعة عليه، بسبب حصول عمليات إخلاء قسري استهدفت سكان عدد من المناطق في سيناء وجزيرة الوراق وبعض المناطق الأخرى".

ووفقاً لبيان رسمي أصدره المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، فإن اللقاء تناول سبل تعزيز العلاقات الثنائية في عدد من المجالات، لا سيما على الصعد: السياسي والعسكري والاقتصادي. كما تم التطرق إلى التطورات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية.

وأضاف البيان أن السيسي أكد "حرص مصر على تعزيز تلك العلاقات في إطار من الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، لا سيما في ظل الواقع الإقليمي المضطرب في المنطقة وما يفرزه من تحديات متصاعدة".

وأشار إلى أنه "تم التطرق لمستجدات القضية الفلسطينية، حيث أشاد وفد الكونغرس بالجهود المصرية الداعمة لعملية السلام، في حين أكد السيسي موقف مصر الثابت في هذا الخصوص بالتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وفق المرجعيات الدولية، الأمر الذي من شأنه أن يفتح آفاقاً للتعايش والتعاون بين جميع شعوب المنطقة".

مطالبة الأميركيين بتقديم المساعدة

وقالت المصادر المصرية إن الرئيس المصري "طالب الوفد بضرورة تقديم الولايات المتحدة يد العون لمصر لمساعدتها في تجاوز التداعيات الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أكد الوفد الأميركي ربطه بالتجاوب مع المطالب الخاصة بتحسين حالة حقوق الإنسان في مصر.

وشدّد أعضاؤه على أنه من دون التعاطي بشكل جدي وإيجابي مع تلك المطالب، لن يكون بمقدور الإدارة الأميركية تقديم مساعدات تجعلها في مرمى هجوم المنظمات الحقوقية".

وبحسب أحد المصادر، فإن الوفد الأميركي "طرح مع الرئيس المصري تساؤلات بشأن واقعة وفاة الباحث الاقتصادي أيمن هدهود، عضو الهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية، وما أحاطها من جدل، مشدداً على أن تكرار مثل تلك الوقائع يجعل من الصعوبة بمكان دعم موقف النظام أمام المؤسسات الدولية المانحة".

وجاء الرد المصري وفقاً للمصادر، بأنه "لا توجد شبهات جنائية وأن هناك تحقيقات جارية، مؤكداً لهم أن الأمر في أسوأ تقديراته لن يتجاوز الإهمال الطبي في المستشفى التي نقل إليها بسبب أزمة نفسية كان يمر بها، وهو ما أكده الحزب الذي ينتمي إليه، والذي تترأسه شخصية معروفة جيداً للمنظمات الحقوقية الأميركية والأوروبية".

وما أكد حديث المصادر هو البيان العاجل الذي قدمه النائب مصطفى بكري المحسوب على الأجهزة الأمنية، وذكر فيه: "هناك محاولات من جانب البعض لتحويل واقعة وفاة الباحث أيمن هدهود إلى خالد سعيد جديد (شاب مصري قُتل تعذيباً عام 2010)، من خلال اتهام أجهزة الأمن بالضلوع في اختطافه وقتله"، مستدركاً: "نحن نعلم أن القضية متعلقة بأحد المستشفيات النفسية، وأن أهله أكدوا أنه كان يعاني من أزمة نفسية".

من جهتها، أفادت النيابة العامة في بيان، أول من أمس الإثنين، بأنه "لا توجد أي شبهة جنائية في وفاة هدهود" التي وصفته في بيانها بـ"المتهم". وأثارت وفاة هدهود أثناء احتجازه في مستشفى للأمراض النفسية جدلاً واسعاً في مصر، بعد اتهامات من ناشطين حقوقيين للأجهزة الأمنية بإخفائه قسرياً والتسبب بوفاته.

وجاءت شهادة عمر هدهود، شقيق أيمن، التي كشف خلالها عن "كسور في جمجمة" أخيه، لتوجه أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية، خصوصاً في ظل الانتقادات التي دأب على توجيهها للنظام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي قبل وفاته.


يعتقد النظام أن الزيارات الأميركية ستُساهم في تحسين صورته بواشنطن

وكشفت المصادر أن الرئيس المصري جدّد مطلبه بعقد لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال الفترة المقبلة، طالباً من الوفد دعم المطلب المصري في هذا الصدد، ومؤكداً لهم قدرته على المساهمة في تحسين بعض المواقف المتوترة بين واشنطن وبعض العواصم الخليجية في الوقت الراهن.

وقالت المصادر إن السيسي تطرق إلى ما أسماه الدور المصري في خدمة المصالح والأدوار الأميركية في عدد من الملفات بمنطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها ملف الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والذي تقود فيه مصر جهوداً كبيرة للحفاظ على حالة الهدوء ومنع اندلاع مواجهات عسكرية جديدة بين الطرفين، داعياً الوفد الأميركي إلى توضيح تلك الأدوار في الأوساط الأميركية.

وأكدت المصادر أن الملف الليبي كان في قلب النقاش الذي دار بين الرئيس المصري ووفد الكونغرس الأميركي، السبت الماضي، وهو اليوم نفسه الذي علّقت فيه اللجنة الدستورية المشتركة في ليبيا، أعمالها لتحديد قاعدة دستورية من أجل إجراء الانتخابات إلى ما بعد عيد الفطر (مطلع شهر مايو/أيار المقبل).

وأشارت المصادر إلى أن الوفد الأميركي الذي توجه إلى العاصمة التركية أنقرة بعد ذلك، التقى المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن ونواباً أتراكاً، أول من أمس الإثنين، وناقش مع المسؤولين الأتراك الأوضاع في ليبيا.

النظام المصري وتحسين الصورة

بدوره، قال دبلوماسي مصري سابق، إن "زيارة وفد الكونغرس الأميركي لمصر لا تحظى بالأهمية التي تحظى بها الزيارات الرسمية، لكنها تساهم، كما يعتقد النظام، في تحسين صورته أمام الإدارة الأميركية والكونغرس".

وأوضح أن "مثل هذه الزيارات يتم التنسيق بشأنها عبر شركات الضغط، التي تعاقدت معها مصر منذ فترة من أجل تحسين صورتها في الولايات المتحدة".

وأشار إلى أن "الرحلات المشابهة للوفود المشكّلة من النواب والشيوخ الأميركيين، عادة ما تستغل فرصة تواجدها بالمنطقة، لتقوم بجولة في عدة دول، وهو ما حدث عندما توجه الوفد إلى تركيا".

وأضاف المصدر أن اللقاء بين وفد الكونغرس والمتحدث باسم الرئاسة التركية في أنقرة "دليل على أن الزيارة ليست على درجة كبيرة من الأهمية"، وأوضح أنه "في مثل هذه اللقاءات "يتم عادة التحدث في مختلف القضايا المحلية والإقليمية والدولية".

وتابع: "بالنسبة للنظام المصري، هو يعتقد أن استقبال أعضاء من الكونغرس، والتحدث إليهم، من شأنهما أن يؤثرا في صناعة القرار في الولايات المتحدة، لا سيما مع الضغوط التي يتعرض لها بسبب ملف حقوق الإنسان وغيره من الملفات".

ووفقاً لمصدر دبلوماسي رفيع المستوى، فإن "هناك تركيزاً من جانب القيادة المصرية على ملف القضية الفلسطينية باعتبارها البوابة التي سيدخل من خلالها البيت الأبيض، والتقرب للإدارة الأميركية، وهو ما يدفع لبذل مزيد من الضغوط على الفصائل الفلسطينية من منطلق ما تملكه مصر من مفاتيح على رأسها التحكم للتسهيلات الممنوحة لقطاع غزة والتي تمر عبر مصر".

وفي السياق، قالت مصادر صحافية إن التعليمات التي صدرت للمواقع والصحف والقنوات التلفزيونية التي يتبع معظمها "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" المملوكة للمخابرات العامة، بشأن الزيارة، هي الاكتفاء بنشر البيان الرسمي الصادر عن رئاسة الجمهورية فقط، من دون الدخول في تفاصيل أو تقديم تحليل سياسي، وهو ما فسرته المصادر بأنه مؤشر على أن الزيارة لم تكن على مستوى طموح القيادة السياسية المصرية.

المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.