عاد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري مساء أمس الأحد، إلى بيروت للمشاركة في الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، في 14 فبراير/شباط 2005، وسط غياب أيّ مؤشرات واضحة إلى وجود قرار لديه باستئناف عمله السياسي، خصوصاً أنّ أي تسوية لم تنضج ظروفها بعد، داخلياً أو خارجياً، قد تدفعه وتياره "المستقبل" إلى "كسر الاعتكاف"، والتحضير لمرحلة الانتخابات البرلمانية لعام 2026.
واستهلّ سعد الحريري لقاءاته، اليوم الاثنين، برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، على أن يجتمع مع شخصيات ومرجعات لبنانية خلال وجوده في بيروت، علماً أنّ هناك تكتماً شديداً حول جدول لقاءاته، وأيضاً حول مدة بقائه في لبنان، مع حديث ضمن أوساطه عن استمرار الزيارة لنحو أسبوع، وربما أكثر، على عكس العام الماضي، حين غادر سريعاً الأراضي اللبنانية.
وصول الرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومية للقاء ميقاتي pic.twitter.com/pnZaU34USz
— Al Jadeed News (@ALJADEEDNEWS) February 12, 2024
سعد الحريري: اعتكاف عن العمل السياسي
وفي 24 يناير/كانون الثاني 2022، علّق الحريري عمله في الحياة السياسية، داعياً "تيار المستقبل" للقيام بالخطوة نفسها وعدم الترشح للانتخابات (عُقدت في مايو 2022) رابطاً خطوته باقتناعه بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظلّ النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".
وغاب "تيار المستقبل" عن المشهد بشكل عام خلال فترة السنتين، رغم أن الخلافات الداخلية خرجت إلى العلن في محطات عدة، خصوصاً لناحية مغادرة عدد من مسؤوليه وقادته صفوفه، وقرر خوض الانتخابات النيابية بصفته الخاصة، ومنهم من اختار التحالف مع معارضي سعد الحريري، واستمرّ في شنِّ حملات ضده.
"مرشح دائم"
وأقام "تيار المستقبل" وجمهوره، تحضيرات لاستقبال سعد الحريري خصوصاً في المناطق المحسوبة عليه سياسياً وطائفياً، في بيروت، والبقاع والشمال، وصيدا جنوباً، حيث رُفِعت صوره ولافتات ترحيب، وتأييد له، وذلك في محاولة لتحقيق حشدٍ كبيرٍ في ساحة الشهداء، في العاصمة اللبنانية، يوم 14 فبراير، وإيصال رسالة واسعة برغبة مناصريه بعودته إلى العمل السياسي، الأمر الذي تجلّى بالشعار الذي اختاروه "تعو ننزل تيرجع"، بهدف إقناعه بالرجوع عن قرار الاعتكاف.
في السياق، قال منسّق عام الإعلام في "تيار المستقبل" عبد السلام موسى، إن "الحريري عاد للمشاركة في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وسيلتقي مسؤولين لبنانيين في بيروت، وحتى اللحظة لا نزال تحت سقف قرار تعليقه العمل السياسي، وأيّ جديد يكون هو صاحب القرار فيه والإعلان عنه".
ولفت موسى لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "التغيير الذي يحصل في المشهد اليوم هو أنّ جمهور الحريري يطالب بعودته إلى الساحة السياسية، واختار لأجل ذلك شعار (تعوا ننزل تيرجع)، ضمن مبادرة قرّر مناصروه إطلاقها، وهم لديهم ملئ الثقة به سواء استمرّ بتعليق عمله السياسي أو عاد عن قراره".
وأشار إلى أنّ "عودة سعد الحريري ليست مطلباً يقتصر على مناصريه، بل ظهر ذلك بشكلٍ واضحٍ في المواقف السياسية التي صدرت أخيراً، ودلّت على أن رجوعه بات مطلباً وطنياً للسواد الأعظم من اللبنانيين، خصومه قبل حلفائه، وقد اعتبرته حاجة لما أحدثه غيابه بما يمثله من حضور شعبي وسياسي، من خللٍ في المعادلة الوطنية، وهناك ضرورة اليوم لاستعادة التوازن خصوصاً أننا على أبواب مرحلة جديدة في لبنان والمنطقة، في ظل ما يُحكى عن تسويات كبيرة يستبشر الجميع خيراً بها، وقد تحمل فرصة إيجابية لبنانياً".
وأردف موسى "عندما قرّر الحريري تعليق عمله السياسي، تحدّث عن عدم وجود فرصة إيجابية للعمل في تلك الفترة، والناس بالتالي، تستبشر خيراً من أن تحمل التطورات فرصة إيجابية للبنان، بما يدفع الحريري للعودة، ولكن كلمة الفصل تبقى له".
من ناحية ثانية، اعتبر موسى أنه من المبكر طرح مسألة رئاسة الحكومة اليوم أو الخوض بتفاصيلها، لكن ما يمكن قوله إن "الحريري هو مرشحٌ طبيعيٌّ ودائمٌ لرئاسة الحكومة في حال قرر العودة والمشاركة بالعمل السياسي والوزاري".
الحرب على الحدود
وشكّل اللقاء الذي عقده في ختام شهر يناير/كانون الثاني الماضي، الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وبلدان أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للرئيس سعد الحريري، جورج شعبان، حدثاً لافتاً، دفع إلى طرح تساؤلات حول ما إذا كان الاجتماع تمهيداً لعودة الحريري لممارسة عمله السياسي.
وقالت وزارة الخارجية الروسية، في 30 يناير، إن "شعبان عرض خلال اللقاء مع بوغدانوف رؤية الحريري وتصوّره إزاء تطوّر الأحداث في لبنان، ولا سيما مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كما تم استعراض النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مع التشديد على ضرورة عدم اتساعه إلى بلدان المنطقة".
ولم يصدر عن الحريري أي موقف مرتبط بالمواجهات الدائرة على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتوقف الحريري في 14 أكتوبر عند العدوان الإسرائيلي على غزة، كاتباً عبر حسابه على منصة "أكس"، "لا مكان في القلب إلا لمعاناة أهلنا في فلسطين ووقف الإجرام الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة، ولا مكان في العقل إلا لحلّ الدولتين، الذي يرفضه نتنياهو منذ مبادرة العرب به في بيروت قبل أكثر من 20 عاماً".
ويمرّ لبنان اليوم بمرحلة دقيقة أمنياً في ظلّ سيناريو يبقى قائماً بتوسّع رقعة الحرب الدائرة في الجنوب، مع استمرار التصعيد العسكري على الجبهة، والعدوان الإسرائيلي على غزة.
يأتي ذلك، في وقتٍ يعاني لبنان أيضاً من شغور في سدة الرئاسة، وانعدام للاستقرار السياسي والمؤسساتي، علماً أن انتخاب رئيس للجمهورية، بدأ يُقحَم ملفه في تسويات المنطقة، خصوصاً أن تجارب الرئاسة اللبنانية في خضمّ النزاعات والصراعات دائماً ما خرج دخانها الأبيض بالتسوية الخارجية التي تشمل كذلك رئاسة الحكومة، وهو ما قد يُعيد اسم الحريري إلى الواجهة.