غادرت سفينة الإنزال البريطانية "إتش إم إس آليبون" ميناء العاصمة الليبية طرابلس البحري، مساء أمس الجمعة، مخلّفة وراءها حالة من الجدل في الأوساط المحلية، حول أسباب زيارتها، وأهدافها، وتوقيتها، وما إذا كانت الزيارة تحمل رسائل بريطانية موجهة للداخل والخارج.
ورست السفينة التابعة للبحرية الملكية البريطانية، في ميناء طرابلس منذ الأربعاء الماضي. ووفقاً لبيان البحرية البريطانية، فإنّ السفينة تضم جزءاً من "قوة استجابة برمائية تابعة للبحرية الملكية أبحرت باتجاه البحر المتوسط في مهمة أمنية أوروبية، إلى جانب حلفاء وشركاء حلف شمال الأطلسي"، وأنها تضم "أكثر من ألف بحار وعناصر مشاة البحرية الملكية".
This morning @HMS_Albion docked in Tripoli, the first visit by the Royal Navy 🇬🇧 to 🇱🇾 in 8 years. The ship crew is looking forward to a great day with their Libyan Navy counterparts.
— UK in Libya🇬🇧🇱🇾 (@UKinLibya) September 28, 2022
🇬🇧 is committed to working with all 🇱🇾 partners for greater stability. pic.twitter.com/o5cBRlFqCl
وإثر وصول السفينة ورسوها؛ قام النائب بالمجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني، بزيارتها صحبة مسؤولين ليبيين، أبرزهم محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، والتقوا خلال الزيارة عدداً من قياداتها العسكرية.
وفيما يبدو أنه رد على حالة الجدل التي سادت الأوساط الليبية، أصدر الكوني، الأربعاء، بياناً أوضح فيه أسباب الزيارة، قائلاً إنه "استعرض مع قادة السفينة البريطانية أوجه التعاون العسكري بين البحرية الليبية ونظيرتها البريطانية"، مشيراً إلى أن هذه الزيارة "تظهر مستوى التعاون الاستراتيجي بين ليبيا والمملكة المتحدة"، وأن من شأنها أن "تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الوثيق بين البلدين".
صور | المجلس الرئاسي : ( القائد الأعلى ) موسى الكوني يتفقد بارجة الإنزال البريطانية معتبراً زيارتها إلى #ليبيا تحمل دلالة على المستوى النوعي من الاستقرار الذي وصلت إليه البلاد. #العنوان pic.twitter.com/aGVhlVl7DQ
— صحيفة العنوان الليبية (@address_libya) September 28, 2022
وأثناء وجود السفينة في ميناء طرابلس، زار كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط، الفريق جوي مارتن سامبسون، برفقة فريق فني بوزارة الدفاع البريطانية، العاصمة طرابلس، والتقوا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، لبحث ضرورة "تفعيل عدد من البرامج في مجال التدريب ونقل الخبرات من قبل بريطانيا"، بحسب المكتب الإعلامي لحكومة الدبيبة.
كما التقى سامبسون النائبين بالمجلس الرئاسي، موسى الكوني، وعبد الله اللافي، بحضور رئيس أركان الجيش الليبي، التابع لحكومة الوحدة الوطنية، الفريق محمد الحداد، للتباحث حول مستجدات المؤسسة العسكرية، والجهود المبذولة في سبيل توحيدها، حيث أكد سامبسون دعم بلاده هذه الجهود.
رسائل للداخل والخارج
وفي معسكر الشرق الليبي، لم يصدر أي تعليق رسمي على زيارة السفينة البريطانية من جانب مجلس النواب، ورئيسه عقيلة صالح، والحكومة المكلفة منه برئاسة فتحي باشاغا، وكذلك الأمر بالنسبة لقيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلا أنّ عدداً من النشطاء والشخصيات الموالية لمعسكر الشرق استنكروا زيارة السفينة، ومنهم عضو مجلس النواب، عيسى العريبي، الذي اعتبر هذه الزيارة "خطوة بريطانية تهدف لدعم بعض المليشيات في طرابلس"، على حد وصفه.
وفيما يبدو أنه "استنكار ضمني لعدم زيارة السفينة بنغازي حيث تسيطر مليشيات حفتر"، اعتبر العريبي، في تصريحات صحافية، أنّ رسو السفينة في طرابلس "يعزز الانقسام في البلاد، ويؤدي إلى تصعيد عسكري".
وفي الشأن ذاته، يتساءل المحلل السياسي مروان ذويب عن حجم التركيز الإعلامي المصاحب لرسو السفينة، قائلاً: "لماذا تُفصل الزيارة عن سياقها، فقبل وصول السفينة طرابلس زارت إسبانيا والبرتغال، ومن المؤكد أنّ لها زيارات لعواصم أخرى"، مشيراً إلى أنّ بيان البحرية البريطانية أوضح أسباب الزيارة.
وفي تساؤل آخر، يضيف: "ما أوجه التعاون العسكري البريطاني مع حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي؟ وماذا يمثلان من ثقل عسكري حتى يجري بينهم تحالف، أو أن تسعى بريطانيا لدعمهما؟".
ويعتقد ذويب أنّ مسؤولي طرابلس انتهزوا فرصة رسو السفينة وقاموا بزيارتها لاستثمار وجودها في صالحهم، وتابع متحدثاً لـ"العربي الجديد" أنّ "الصديق الكبير وموسى الكوني لا يمثلان ثقلاً عسكرياً ولا سياسياً بالنسبة للخارج، ولا لبريطانيا، وحديث الكوني عن تعاون عسكري مع بريطانيا مدعاة للسخرية".
ومن جانب آخر، يرى الأكاديمي الليبي المهتم بالشأن السياسي سليمان الرطيل، أنّ رسو السفينة في طرابلس "لا يحمل أي مواقف بريطانية موجهة للداخل الليبي"، بل يأتي ضمن "سياسات بريطانية على صلة بالشأن الدولي ومجرياته"، لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية.
الرطيل: رسو السفينة رسالة قوية إلى موسكو تفيد بالاستعداد للمواجهة جنوب المتوسط تبعاً لسياسات بريطانية ممكنة في ظل فترة الحكم الجديدة
وأوضح الرطيل، قائلاً لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّ تصريحات النائب، عيسى العريبي تقارب جزءاً من هدف زيارة السفينة التي يبدو أنها تحمل رسالة لموسكو ووجودها العسكري في ليبيا الذي يمكن أن يهدد تدفق النفط والغاز من الساحل الليبي إلى أوروبا".
وتابع: "أعتقد أنّ زيارة سفينة إنزال بهذا الثقل تحمل رسالة لموسكو مضمونها أنّ خصومها يمكنهم أن يتقدموا بخطوات عسكرية أكثر قرباً من مواقعها البعيدة عن ساحة الحرب، ويمكنهم أن يحموا الساحل الليبي الذي تتدفق منه إمدادات الطاقة".
لا يستبعد النيهوم أن يكون الهدف من السفينة إظهار الدعم للسلطة التنفيذية، ممثلة في حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي
وفي ظل فترة حكم بريطانية جديدة، لا يستبعد الرطيل أن تحمل زيارة السفينة في هذا التوقيت "رسالة قوية إلى موسكو تفيد بالاستعداد للمواجهة جنوب المتوسط تبعاً لسياسات بريطانية ممكنة في ظل فترة الحكم الجديدة".
من جهة أخرى، يرى الناشط السياسي أشرف النيهوم، أنّ زيارة السفينة "تحمل رسائل للداخل أيضاً"، وفيما يتفق النيهوم على أنّ لزيارة السفينة رسالة موجهة للخارج، وتحديداً للوجود الروسي، وضرورة حماية النفط والغاز منه، إلا أنه لا يستبعد أن يكون من أهدافها "دعم السلطة التنفيذية، ممثلة في حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي".
ويعتبر النيهوم، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "حصر الزيارة على الغرب الليبي دون الشرق دليل على ميل السياسة البريطانية لصالح دعم حكام طرابلس"، خصوصاً أنّ الوجود الروسي غير المرغوب فيه من قبل بريطانيا كان بسبب معسكر شرق ليبيا، وفي مقدمته اللواء خليفة حفتر، المناوئ للغرب الليبي، وفق قوله.