على الرغم من ترقّب مدينة أوديسا الأوكرانية، المطلة على البحر الأسود، وقوع ضربات صاروخية روسية جديدة، إلا أن ليودميلا فيدتشينكو، الناجية من القصف الروسي، قررت عدم مغادرة المدينة، إلا في حال بلغ الوضع مرحلة حرجة، لعدم التعرض لما عاشه سكان مدينة ماريوبول.
سكّان أوديسا يرفضون المغادرة
وتقول فيدتشينكو، البالغة من العمر 52 عاماً، في حديث مع "العربي الجديد": "لا أريد مغادرة منزلي وأوديسا بشكل عام، على الرغم من إصرار زوجي على ذلك، ولكننا قد نتخذ مثل هذا القرار في حال حدوث اقتحام للمدينة أو سيطرة القوات الروسية على مدينة ميكولايف المجاورة وبدئها بفرض طوق حول مدينتنا. لا نريد أن نكرر مصير أولئك الذين قضوا في ماريوبول".
ومن اللافت أن فيدتشينكو لم تغادر أوديسا حتى الآن، على الرغم من كونها واحدة من الناجيات بأعجوبة من القصف الروسي عشية عيد الفصح، في شهر إبريل/نيسان الماضي. وتروي تجربتها، قائلة: "سمعت في ذلك اليوم دويّ الصواريخ، وأصاب أحدها بنايتنا. كنت بمفردي في المنزل في ذلك الوقت، فسارعت إلى الاتصال بأفراد عائلتي للاطمئنان عليهم".
يعرب سكان أوديسا عن امتنانهم لنظم الدفاع الأوكرانية والشباب المدافعين
ومع ذلك، تثق فيدتشينكو في قدرة الجيش الأوكراني على التصدي للهجمات، قائلة: "لن أشعر بالأمان إلا بعد انتهاء الحرب. منذ بداية الهجوم، كنت أثق في أننا سنتمكن من التصدي له، وهو ما يحققه جيشنا. كما أنني ممتنة كثيراً لنظمنا للدفاع الجوي، وعندما أسمع دويّها، أعلم أنه تم اعتراض صاروخ أو طائرة استطلاع مسيّرة، وأشعر بالامتنان أيضاً للشباب المدافعين، وازدادت ثقتي في النصر".
وبعد شنّ القوات الروسية بضع ضربات صاروخية على أوديسا، تترقب المدينة مزيداً من الهجمات الروسية، وسط تركيز موسكو عملياتها العسكرية في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا. وأول من أمس السبت، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن القوات الجوية الفضائية الروسية نفّذت ضربات بواسطة صواريخ بعيدة المدى عالية الدقة، على المجمع اللوجستي بمطار عسكري في محيط أوديسا، كان يحتوي على كمية كبيرة من الأسلحة الأجنبية القادمة من الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية.
وأكد مسؤولون أوكرانيون أن روسيا شنّت ضربات صاروخية على جنوب وشرقي أوكرانيا، السبت، إحداها دمّر مدرج المطار الرئيسي في مدينة أوديسا.
الألغام تصعّب عملية الإنزال
وعلى الرغم من أن أوديسا، التي تعد ثالث أكبر مدينة أوكرانية بعد كييف وخاركيف، تقع بعيداً عن الجبهة بوضعها الحالي، إلا أنها تتعرض مراراً لضربات صاروخية روسية، وسط تشكيك في واقعية تنفيذ القوات الروسية عمليات إنزال من البحر.
وفي هذا السياق، يؤكد عمدة أوديسا، غينادي تروخانوف، أن أوديسا تتأهب لوجستياً وعسكرياً للهجوم الروسي المرتقب، مرجحاً أن يمنع زرع الألغام على الشواطئ في البحر إنزال القوات الروسية.
ويقول تروخانوف، في حديث لـ"العربي الجديد": "تعيش مدينتنا اليوم حالة الحرب، والناس يترقبون أياماً عصيبة وهجمات، فالجميع يستعدون لذلك ويخزنون الطعام. ونحن كإدارة المدينة مهمتنا اليوم هي تكوين احتياطي من المواد الغذائية والطبية. إذا توجه العدو صوبنا، قد تصبح أوديسا مقطوعة عن باقي مناطق أوكرانيا". ويضيف: "كما نركز في عملنا على دعم قوات الدفاع الإقليمي والجيش الأوكراني، ونساعدها في إقامة المتاريس. توفر لنا الوقت لتعزيز خط دفاعنا، بما في ذلك الدفاع الجوي".
وحول رؤيته لخطط الكرملين حيال أوديسا، يرى تروخانوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يريد جعل أوديسا جزءاً من روسيا، ويبدو من لهجته هو والشخصيات المحيطة به، أنهم لا يعتبرون أوكرانيا دولة من أساسها، ولكن أوديسا مدينة أوكرانية وأوروبية وعاصمة ثقافية للبلاد، وأوكرانيا دولة قائمة ذات سيادة".
يقلّل عمدة أوديسا من واقعية شنّ روسيا عملية إنزال في أوديسا من جانب البحر
ومع ذلك، يقلّل عمدة أوديسا من واقعية شنّ روسيا عملية إنزال في أوديسا من جانب البحر، قائلاً: "منذ تعرّض أوديسا لأولى الضربات الصاروخية في فبراير/شباط الماضي، تمكّنا من تعزيز دفاعنا الساحلي، وتمّ زرع ألغام على الشواطئ وفي البحر، ما يزيد من صعوبة الإنزال. على الأرجح، لن يقدم الغزاة على الإنزال في أوديسا".
لكن ما يعزز واقعية إقدام روسيا على تكثيف العمليات للسيطرة على أوديسا، ما أعلنه نائب قائد قوات الدائرة العسكرية الوسطى الروسية، رستم مينيكايف، أن موسكو تسعى من خلال المرحلة الثانية من حربها، إلى بسط السيطرة الكاملة على دونباس وجنوبي أوكرانيا، وإقامة ممر برّي إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014، والوصول إلى الحدود المولدافية.
ووسط تزايد المخاوف من تعرّض أوديسا لمزيد من الهجمات الروسية، لا تعمل السلطات المحلية على تعزيز خطوط الدفاع والتموين فحسب، وإنما أيضاً على إنقاذ التراث الثقافي الفريد للمدينة من أعمال القتال أو النهب، في حال خروج الوضع عن السيطرة.
وتوضح الموظفة في متحف أوديسا للفن الغربي والشرقي، يكاتيرينا ميخييتسيفا، أن المتحف أغلق أمام الزوار منذ بدء الغزو الروسي، مع استمرار بعض الأنشطة التثقيفية، بما في ذلك للأطفال.
وتقول ميخييتسيفا، في حديث مع "العربي الجديد": "منذ بدء الغزو العسكري الروسي متكامل الأركان، توقفنا عن استقبال الزوار، وتمّ تفكيك جميع القطع المتحفية، بهدف اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينها".
ومع ذلك، لم تتوقف أنشطة المتحف بشكل كامل، بل تشهد عطل نهاية الأسبوع تنظيم محاضرات في تاريخ الفنون والدروس للأطفال في القبو المحصن للمبنى، والذي قد يؤدي دور الملجأ في حال تجدد القصف.
وكانت السلطات الأوكرانية قد أعلنت، في 23 إبريل/نيسان الماضي، عن تعرّض أوديسا لبضع ضربات صاروخية أسفرت عن إلحاق أضرار بمبنى سكني ومواقع للبنية التحتية، ووقوع سبعة قتلى بين المدنيين، ومن بينهم عائلة كاملة، من بين أفرادها طفلة رضيعة عمرها ثلاثة أشهر فقط. واعتبر وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، أن الهدف الوحيد من الضربات الصاروخية الروسية على أوديسا هو "الإرهاب"، داعياً إلى تصنيف روسيا "دولة راعية للإرهاب".
(ترجمة: رامي القليوبي)