على خلاف اللقاءات "الرنّانة" التي جمعته بقادة وحلفاء غربيين منذ قدومه إلى "داونينغ ستريت" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لقاءه مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الجمعة، خلف أبواب مغلقة، بعد أن أبلغ الصحافيين في اللحظات الأخيرة عن عدم إمكانية حضورهم اللقاء.
وكان سوناك قد تعرّض خلال الأسبوع الماضي لضغوط وانتقادات ومطالبة بإلغاء دعوته لنتنياهو، على خلفية الأزمة المتعلقة بالتعديلات القضائية والانقسامات العميقة في حكومة نتنياهو.
ووجه مجموعة من النواب الليبراليين الديمقراطيين رسالة مفتوحة إلى سوناك، طالبوا فيها بإلغاء اللقاء الذي "يخاطر بإرسال إشارات خاطئة بأن المملكة المتحدة تدعم سلوك إسرائيل"، كما حثّته على "تحدّي التهديد الذي تمثله حكومة نتنياهو تجاه استقلال القضاء"، وعلى أن "يتخذ موقفاً علنياً من التعديل القضائي المثير للجدل".
من جهتها، حذّرت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية أليسيا كيرنز من "خطر اندلاع انتفاضة ثالثة"، قائلة إنها لا تعرف "ما الحكمة من هذه الزيارة"، وفقاً لصحيفة "ذا غارديان".
كما أكّدت كيرنز أنه "على الرغم من صداقات إسرائيل داخل البرلمان البريطاني، إلا أن انتقاد الحكومة سيصبح أكثر انتشاراً في حال تعمّق الصراع الدستوري".
ومع أن رئيس الوزراء البريطاني لم يلغِ الاجتماع الأول له مع مسؤول حكومي إسرائيلي كبير منذ تسلّمه منصبه، إلا أنه تعلّم الدرس من زيارة نتنياهو إلى ألمانيا الأسبوع الماضي، والمؤتمر الصحافي التصادمي بينه وبين المستشار الألماني أولاف شولتز حول استمرار دفع الحكومة للتشريع الذي يوسّع بشكل كبير السيطرة السياسية على المحكمة الإسرائيلية العليا، وألغى المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً حتى صباح الجمعة، تفادياً للإحراج من اتّخاذ موقف أو من عدم اتخاذ موقف.
كما أن البيان الصحافي الصادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني عقب الاجتماع كان مقتضباً وحذراً، ولم يسلط الضوء إلا على العناوين العريضة للقاء، مثل "تعزيز الشراكة الوثيقة بين المملكة المتحدة وإسرائيل"، والاتفاق على توقيع "خريطة الطريق البريطانية - الإسرائيلية 2030" هذا الأسبوع، والتي "ستدفع علاقاتنا الثنائية وتلتزم بـ20 مليون جنيهاً إسترلينياً لتمويل مشاريع علمية وتكنولوجية مشتركة خلال العقد المقبل".
وفيما يخصّ المأزق القضائي، الذي كشف عن تخبّط الحكومة وعن انقسامات عميقة في إسرائيل، اكتفى البيان بالقول إن سوناك شدّد على أهمية "التمسك بالقيم الديمقراطية التي تقوم عليها علاقتنا، بما في ذلك الإصلاحات القضائية المقترحة في إسرائيل".
وقال مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني "Caabu"، كريس دويل، لـ"العربي الجديد"، إن "التعتيم الإعلامي الذي رافق زيارة نتنياهو يكشف مدى التخبط الذي تعيشه حكومته، وحجم المأزق الذي يعاني منه"، مشيراً إلى أن "استغناء سوناك عن المؤتمر الصحافي بديهي، حيث إن الأسئلة التي سيوجّهها الصحافيون ستكون أسئلة صعبة ومحرجة للغاية".
ويرى دويل أنه في ظلّ التوتر بين إسرائيل والكثير من حلفائها، كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، كان على المملكة المتحدة "أن تتخذ موقفاً مختلفاً في مواجهة الخطاب الإسرائيلي العنصري والعنيف، وأن تلغي هذا اللقاء".
وشهد "داونينغ ستريت" أيضاً حدثاً لافتاً، حيث تجمّع متظاهرون فلسطينيون وآخرون إسرائيليون للتنديد بزيارة نتنياهو. وحملت اللافتات التي رفعها المتظاهرون الإسرائيليون عبارات "العار" و"إنقاذ الديمقراطية" و"ضعوا بي وراء القضبان"، بينما لوّن العلم الفلسطيني مشهد الزيارة القاتم بالقرب من جدران "داونينغ ستريت".
ومع أن السبب المعلن لزيارة نتنياهو، وهي الزيارة الثالثة على التوالي، بعد روما وبرلين، هو الحصول على دعم غربي لإسرائيل في حال قيامها بعمل عسكري ضد برنامج إيران النووي، فإن وقع الاحتجاجات المحلية يبدو أقوى من الأهداف السياسية الخارجية.
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "ذا غارديان" أن التشريع الأخير الذي اقترحته حكومة نتنياهو "مصمّم للسماح للسياسيين المحكوم عليهم باعتلاء مناصب وزارية"، مؤكدة أنه "مصمم بشكل خاص للسماح لنتنياهو بالهروب من المآزق القانونية الحالية، وتهم الفساد التي تلاحقه منذ 3 سنوات".
من جهته، اعتبر سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة حسام زملط أن اتفاقية "خريطة الطريق للعلاقات الثنائية 2030" تمثّل "تنصّلاً للمملكة المتحدة من مسؤولياتها تجاه القانون الدولي وتجاه القضية الفلسطينية"، مشيراً إلى أن "مكافأة إسرائيل بتقديم علاقات تجارية وتكنولوجية وأمنية ترسل رسالة خاطئة في الوقت غير المناسب".
ومن المقرّر أن يلتقي نتنياهو بوزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، اليوم، أيضاً، وسط تعتيم إعلامي ووراء الأبواب المغلقة، بعيداً عن أعين الصحافيين وأسئلتهم المحرجة.