زيلينسكي وزالوجني... هل اقتربت ساعة الحسم في صراع الأوكرانيين القويين؟

31 يناير 2024
مصافحة بين زيلينسكي وزالوجني في كييف، أغسطس الماضي (فالنتينا بوليشوك/Getty)
+ الخط -

وسط أنباء عن انتقال الخلافات بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والقائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية الجنرال فاليري زالوجني إلى مرحلة حاسمة، نقلت صحيفة "زيركولو نيدليي" الأوكرانية عن مصادر في مكتب الرئاسة قولها إن زالوجني رفض، مساء أول من أمس الاثنين، تقديم استقالته من منصبه بناء على اقتراح قدمه زيلينسكي في لقاء ثنائي جمعهما الاثنين.

وذكرت المصادر أن زالوجني أكد أنه لا ينوي التقدم باستقالته، وفي الوقت ذاته شدّد على أن من حق القائد العام (الرئيس) أن "يقرر مع من يريد أن يعمل"، أي أنه سيلتزم بقرار الإقالة في حال صدر عن الرئيس. وتكشف تسريبات صحيفة "زيركولو نيدليي" أن زالوجني لن يستقيل بمحض إرادته.

ورداً على سؤال حول المناصب التي عرضها زيلينسكي على زالوجني في حال الاستقالة، ذكرت مصادر الصحيفة أنه "لم يتم عرض أي شيء مناسب أو مهم. والحديث دار عن منصب مساعد أو مستشار في ديوان الرئاسة". وذكرت "زيركولو نيدليي" أن الاستقالة المحتملة للقائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية مخطط لها كجزء من التغييرات في قيادة القوات المسلحة والقيادة السياسية في البلاد. 

من  جهتها، كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أمس الثلاثاء، أن زيلينسكي عرض على زالوجني دوراً جديداً لكن الجنرال رفض الأمر، وفقاً لأربعة أشخاص مطلعين على المناقشات. وكشف هؤلاء أنه تم اتخاذ قرار في مكتب زيلينسكي بإقالة زالوجني. وقال شخصان من هؤلاء للصحيفة إن زيلينسكي وزالوجني التقيا، مساء الاثنين، لمناقشة مستقبل الجنرال، ثم أبلغ الرئيس زالوجني أنه سيتم فصله قريباً وعرض عليه دوراً كمستشار حكومي، وفقاً لأحد الأشخاص.

وبحسب ما ذكره الأشخاص الأربعة، فإن "ما تبقى يتعين العمل عليه وهو الجدول الزمني لرحيل زالوجني، وما إذا كان سيقبل دوراً جديداً".


رفضت الرئاسة تأكيد إطاحة زالوجني ووصفت وزارة الدفاع هذه الأنباء بأنها غير صحيحة

وبدأت وسائل الإعلام وقنوات "تليغرام" الأوكرانية، مساء الاثنين، الكتابة عن استقالة زالوجني من منصبه. وأفاد عدد من المصادر بأنه تم الاتفاق على استقالة زالوجني، لكن لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها بعد بموجب مرسوم رئاسي، وذهب آخرون إلى أن المرسوم تم التوقيع عليه ولكن لم يُنشر.

وبعد العاصفة التي أثارتها الأنباء في مواقع التواصل الاجتماعي، رفض سيرغي نيكيفوروف، السكرتير الصحافي لزيلينسكي، تأكيد هذه المعلومات. ووصفت وزارة الدفاع الأوكرانية هذه الأنباء بأنها غير صحيحة. في المقابل، نشر زالوجني صورة له مع رئيس أركان الجيش الأوكراني سيرغي شابتالا من دون أي تعليق. كما لم يأت زيلينسكي في خطابه اليومي عبر الفيديو على ذكر أي لقاء مع زالوجني.

علاقة زيلينسكي وزالوجني الصعبة

تصاعد الجدل في علاقة زيلينسكي وزالوجني بعد مقابلة الأخير مع مجلة "ذي إيكونوميست" في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، التي وصف فيها الوضع على الجبهة بأنه طريق مسدود.

ورد زيلينسكي بالقول إنه لم يحدث أي شيء فظيع، وفي الربيع الماضي كانت الأمور أكثر صعوبة وتعقيداً بالنسبة لأوكرانيا. وفي المؤتمر الصحافي الكبير لزيلينسكي، الذي عُقد في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، سُئل عما إذا كان سيقيل القائد الأعلى للجيش الأوكراني، غير أن الرئيس تنصّل من الإجابة.

في الوقت نفسه هناك مؤشرات إلى أن الصراع بين زيلينسكي وزالوجني يتصاعد، ومنها: العثور في وقت سابق من الشهر الحالي على أجهزة تنصت في مكتب زالوجني.

تقارير دولية
التحديثات الحية

ويعتقد أن الأجهزة الخاصة الأوكرانية قامت بتثبيت هذه الأجهزة لجمع أدلة الإدانة. ويضاف إلى ذلك انتقاد زالوجني مسار التعبئة، ووفقاً له، فإن حملة زيلينسكي لمكافحة الفساد في مكاتب التسجيل والتجنيد العسكري أدت إلى تفاقم الوضع.

كشف تقييم زيلينسكي لعمل زالوجني خلال مؤتمر صحافي كبير في 19 ديسمبر الماضي، عن خلافات حادة. وقال: "لدي علاقة عمل مع زالوجني، يجب أن يكون مسؤولاً عن النتائج في ساحة المعركة. هناك تقييمات مختلفة، بعض الأشياء نجحت وبعضها لم ينجح... ربما تكون هناك علاقات شخصية صعبة، لكن أوكرانيا لا تتعلق بالأمور الشخصية.. أتوقع (من زالوجني) أشياء محددة للغاية في ساحة المعركة. أريد أن أرى التفاصيل".

قبل ذلك بوقت قصير، انتقد زالوجني زيلينسكي بشدة، لفشل الجهود لتعبئة نحو نصف مليون أوكراني للمساهمة في الأعمال القتالية. وأضاف أن الحملة ضد فساد المفوضين العسكريين، التي أطلقها الرئيس في الصيف الماضي، باءت بالفشل. واشتكى قائلاً: "لقد كانوا محترفين، وكانوا يعرفون ما يجب عليهم فعله، لكنهم رحلوا الآن"، مضيفاً أن عملية التعبئة يجب أن تعود الآن إلى إطارها السابق.

ويقود زالوجني القوات المسلحة الأوكرانية منذ 27 يوليو/ تموز 2021، وارتفعت شعبيته كثيراً في السنتين الأخيرتين بعد نجاحه في وقف تقدم القوات الروسية في بداية الحرب قبل نحو سنتين، وتمكنه من استعادة بعض الأراضي في خريف 2022، خصوصاً في مقاطعتي خاركيف (شرق)، وخيرسون (جنوب).

في المقابل، فإن رفض زيلينسكي اقتراحات غربية للخروج من كييف إلى مدينة لفيف (غرب)، أو تأمينه مع عائلته في إحدى الدول الغربية، وإدارته ملف الحرب وإقناع الغرب بدعم بلاده رفعت شعبيته بشكل لافت.


تضررت شعبية زيلينسكي وزالوجني كثيراً مع فشل الهجوم المضاد الأوكراني

من المؤكد أن شعبية الرجلين تضررت كثيراً في الأشهر الأخيرة مع فشل الهجوم المضاد الأوكراني والتقدم الروسي البطيء في الجنوب والشرق، وتراجع الاهتمام الغربي بدعم أوكرانيا بالأسلحة. وبدا أن زيلينسكي وزالوجني يسعيان إلى عدم تحمل المسؤولية عن أي خسارة متوقعة، وهو ما أدى إلى خروج الخلافات إلى العلن.

عملياً احتدم الصراع بين زيلينسكي وزالوجني بسبب خلافات حول تكتيكات واستراتيجية العمليات القتالية. وتحدثت وسائل إعلام منذ مطلع العام الماضي عن خلافات بشأن البقاء في مدينة باخموت والصمود حتى النهاية في وجه الجيش الروسي كما أراد زيلينسكي، مقابل رأي زالوجني والخبراء الغربيين بضرورة الانسحاب والتركيز على الهجوم المضاد، الذي كان مقرراً في الربيع الماضي قبل تأخره حتى مطلع الصيف الماضي.

الخلافات تكبر بين الرجلين

ومنذ خريف العام الماضي بدا أن الخلاف بين الرجلين يكبر مثل كرة الثلج، وقاد زيلينسكي حملة تطهير في محيط زالوجني لتقليص نفوذه. وفي أوائل نوفمبر الماضي، أقال زيلينسكي قائد قوات العمليات الخاصة فيكتور خورينكو، في مخالفة لقانون البلاد، خصوصاً أنه لم يتم الاتفاق عليه مع القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ثم في ظروف غامضة، توفي غينادي تشاستياكوف مساعد زالوجني. وفي نهاية الشهر ذاته، خسرت قائدة الخدمات الطبية للقوات المسلحة الأوكرانية تاتيانا أوستاشينكو منصبها. وانتشرت منذ نهاية العام الماضي شائعات حول إقالة وشيكة لاثنين من الجنرالات البارزين، هما: قائد مجموعة قوات "تافريا" ألكسندر تارنافسكي، وقائد القوات المشتركة للقوات المسلحة الأوكرانية سيرغي نيف.

في موازاة هذه الخطوات، انطلقت في حينه حملة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ضد زالوجني، تؤججها شخصيات برلمانية مقربة من زيلينسكي، وتحمّل زالوجني المسؤولية عن فشل الهجوم المضاد.

ويجب عدم التقليل من خشية زيلينسكي من تأثير الشعبية الكبيرة لزالوجني على مستقبله السياسي. ووفقاً لدراسة أجراها معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، في ديسمبر الماضي، فإن 62 في المائة من الأوكرانيين يثقون بزيلينسكي، و88 في المائة يثقون بزالوجني. ووفقاً لاستطلاع أجرته "مجموعة التقييم" في ديسمبر الماضي أيضاً، في انتخابات افتراضية، سيحصل زيلينسكي على 47 في المائة، وزالوجني على 30 في المائة، أي أنه سيتم تحديد الفائز في الجولة الثانية، فيما لو أُجريت الانتخابات الرئاسية اليوم.

وأظهرت دراسة أخرى أنه في انتخابات البرلمان الأوكراني سيحصل حزب يدعمه زالوجني على الأغلبية. ومعلوم أن زيلينسكي رفض تحديد موعد للانتخابات الرئاسية التي من المفترض حسب الدستور أن تنظم في نهاية مارس/ آذار من العام الحالي، ولكن الأحكام العرفية المفروضة منذ بداية الحرب تخول الرئيس عدم تنظيمها في موعدها.

خيارات وسيناريوهات

لم يظهر زيلينسكي وزالوجني معاً في أي من المناسبات العلنية في العام الماضي، ومنها الزيارات المتكررة لزيلينسكي إلى القوات الأوكرانية على الجبهات، وبدا أن التغييرات في القيادات العسكرية منذ الربيع الماضي في إطار حملات محاربة الفساد وتحسين أداء الجيش وغيرها، صبّت في تقوية مواقع زيلينسكي المتوجس، على الأرجح، من زيادة قوة ونفوذ زالوجني والأهم علاقاته الجيدة مع الغرب.

ويملك زالوجني عوامل قوة داخل المؤسسة العسكرية في ظل إنجازاته وعلاقاته، ويجب عدم إغفال عامل مهم وهو عدم رغبة جنرالات الجيش بتحمّل المسؤولية عن أي فشل باتت بوادره واضحة في ظل المعطيات الميدانية، ولهذا الأرجح أن يصطفوا مع قائدهم، وأن يذهبوا إلى تحميل القيادة السياسية المتمثلة بزيلينسكي الفشل، نظراً لعدم توفير الذخائر والمعدات اللازمة، والتدخل في قرارات أدت إلى نكسات في الجبهات، مثل قرار القتال في باخموت التي سيطر عليها الجيش الروسي في مايو/ أيار 2023، وتسببت في تأخير الهجوم المضاد وفقدان عدد كبير من الجنود والضباط المتدربين تدريباً قتالياً جيداً.

وربما يكون زالوجني قائداً مفضلاً جديداً لأوكرانيا، وفي هذه الحالة من المنتظر أن تزداد الضغوط الغربية على كييف من أجل تنظيم انتخابات رئاسية في أسرع وقت. والأرجح أن الهدف الأساسي من الدفع بزالوجني للرئاسة هو قدرته بصفته قائداً عسكرياً على تبرير التوصل إلى اتفاق سلام مؤقت أو تجميد الصراع مع روسيا، مع ضمانات أمنية من قبل مجموعة السبع الكبار ودول من حلف شمال الأطلسي.

وهذا السيناريو، وإن كان مستبعداً من قبل كثيرين، إلا أنه يضمن مخرجاً مناسباً للإدارة الأميركية والدول الغربية غير المتشجعة لاستمرار الحرب طويلاً، وغير القادرة على مواصلة الدعم العسكري والاقتصادي لكييف، كما يجنب أوكرانيا احتجاجات شعبية جديدة ضد أي تنازلات مؤقتة قد تقدم عليها كييف.