عامان على الثورة السودانية: مواكب "19 ديسمبر" لتحقيق العدالة والمحاسبة

19 ديسمبر 2020
يطالب السودانيون بتعزيز مدنية السلطة الانتقالية (جان مارك موجود/فرانس برس)
+ الخط -

بعد عامين من اندلاع الثورة السودانية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، والتي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير، يعود السودانيون، اليوم السبت، إلى الشوارع في مواكب "19 ديسمبر" من أجل استرداد الثورة التي يقولون إنها اختطفت من بين أيديهم ولم تحقق أهدافهم، لا سيما لناحية ضمان العدالة والمحاسبة في ما يتعلق بالجرائم التي ارتكبت في عهد البشير أو خلال أيام الثورة. وعلى رأس هذه الجرائم عندما عمد العسكر إلى فض اعتصام القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019 بالقوة، مرتكبين مجزرة راح ضحيتها أكثر من 100 متظاهر. هذا فضلاً عن استمرار الأزمات الاقتصادية في البلاد.
وتأتي العودة إلى الشوارع بدعوة من عدد من التيارات والأحزاب السياسية، في مقدمتها لجان المقاومة السودانية، وهي لجان اعتمد عليها الحراك الثوري طوال الفترة الماضية لتنظيم الاحتجاجات ضدّ نظام البشير، وتسيير المواكب المليونية والتظاهرات المتفرقة. وباتت تعدّ هذه اللجان القاعدة الأساسية لأي فعل جماهيري في الآونة الأخيرة. كما تبنّت المواكب، منظمة "أسر شهداء الثورة"، وهي منظمة تشكلت قبل أكثر من عام من ذوي الضحايا وتهدف إلى متابعة القضايا الخاصة بملاحقة المتورطين في قتل أبنائهم، وترتيب الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات لممارسة مزيد من الضغط لهذا الغرض، سواء على الحكومة أو لجان التحقيق أو النيابة العامة والقضاء. وقد استبقت المنظمة موعد اليوم السبت، بعقد مؤتمر صحافي، حددت فيه موقفها وأيدت الخروج إلى الشوارع والمطالبة بإسقاط النظام ككل، مشيرةً إلى "وجود تحالفات سياسية جديدة" برزت إلى المشهد السياسي، عدتها "خيانة للثورة ولدم الشهداء".



الحركة الشعبية لتحرير السودان - فصيل عبد العزيز الحلو وجهت قواعدها المدنية للمشاركة في المواكب

وذكر نائب رئيس المنظمة، كشة عبد السلام، في المؤتمر الصحافي الذي عقد الخميس الماضي، أنّ جميع أسر الشهداء سيتقدمون "مليونيات" السبت، خصوصاً في مدن الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وانتقد بشدة ما وصفه بـ"السلحفائية والتباطؤ" في محاكمة رموز النظام البائد والمتورطين في جرائم القتل. وبيّن أنهم تقدموا بمذكرات عديدة للنائب العام تاج السر علي الحبر ورئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك، ورئيسة القضاء نعمات عبدالله في هذا الإطار، لكنّ الاستجابة "دون الصفر"، ما دفع المنظمة للاشتراك في تحالفات لمواجهة "قوى خيانة الثورة". وجدد عبد السلام اتهام المجلس العسكري الانتقالي الذي تسلم زمام السلطة بعد سقوط نظام البشير، بالتورط في جريمة فض اعتصام محيط قيادة الجيش العام الماضي، والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 100 من المعتصمين.
ومن الجهات التي تبنّت أيضاً مواكب "19 ديسمبر"، "تجمّع المهنيين السودانيين"، وهو الجسم الذي تبنى الثورة السودانية في مهدها، وكانت بياناته بمثابة إشارة البدء لأي تحرك طوال 6 أشهر. وأوضح التجمّع، في بيان أخيراً، المطالب الخاصة بالمواكب التي ستنطلق اليوم، وأهمها "الدفع بملفات العدالة والمحاسبة، سواء عن جرائم نظام الإنقاذ الوطني (الذي جاء إلى الحكم عبر انقلاب في 30 يونيو 1989) حتى 11 إبريل/نيسان من العام الماضي، تاريخ سقوط نظام البشير، أو ما تلاها من جرائم تحت سلطة المجلس العسكري، وذلك لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب". ويُضاف إلى ذلك "تعزيز مدنية السلطة الانتقالية، بأيلولة (نقل ملكية) مؤسسات القوات النظامية الاستثمارية لوزارة المالية وتجفيف الاقتصاد الموازي ووقف تغوّل العسكريين على الملفات التي تقع ضمن صلاحيات السلطة التنفيذية، والتصدي لمحاولات التلاعب بحق الشعب في الرقابة على السلطة الانتقالية عبر محاولات فرض مجلس تشريعي مدجن يستبعد قوى الثورة". عدا عن المطالبة بـ"المعالجات اللازمة لفك الضائقة الاقتصادية لرفع كفاءة أداء أجهزة الدولة، والحزم أمام مسببات الأزمات الراهنة في الخبز والوقود والدواء". كما نادى التجمّع بـ"ترجمة ما تم من خطوات في ملف السلام إلى واقع ينعكس على حياة المتضررين في المناطق المتأثرة ومعسكرات النزوح، واستكمال المساعي وصولاً للسلام الشامل".
كذلك يدعم مواكب اليوم "الحزب الشيوعي السوداني" الذي نفض يده باكراً من تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير" الحاكم، بإعلانه الانسحاب منه، واتهامه للمكون العسكري بـ"التآمر على الثورة". كما اتهم الحزب بعض شركائه السابقين في التحالف بـ"التواطؤ مع العسكر لتمرير أجندة بعيدة عن شعارات الثورة". وفي بيان رسمي له أخيراً، طالب الحزب بـ"جعل ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، ذكرى هامة ومفصلية في سبيل انتصار واستكمال مهمات الثورة، وتصحيح مسارها بعد محاولات اختطافها من قبل قوى الهبوط الناعم، وتحالفاتها المشبوهة إقليمياً ودولياً، والمتربصين من فلول النظام البائد المساندين للانقلاب المفضوح وتعطيل الثورة وإعادة إنتاج الأزمة مرة أخرى". وشدد الحزب على "مدنية الدولة وقيام مجلس تشريعي من قوى الثورة الحية، بدون محاصصات"، وطالب كذلك بـ"إجازة قانون النقابات، وإعادة مفصولي الخدمة المدنية، وإلغاء القوانين كافة المقيدة للحريات".

وبحسب مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ "حركات مسلحة لم تنضم بعد لعملية السلام مع الحكومة الانتقالية، مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان - فصيل عبد العزيز الحلو، والتي تتعثر مفاوضاتها مع الحكومة، هي الأخرى وجهت قواعدها المدنية للمشاركة في المواكب" التي تتزامن مع مرور عامين على اندلاع الحراك الثوري ضدّ نظام البشير، وكذلك مع مرور 64 عاماً على إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في العام 1955.
ولا تبدو الرؤية واضحة كلياً بشأن أهداف مواكب اليوم، إذ تختلف بين الداعين لها. وهناك قوى حددت الهدف بإسقاط كل السلطة الانتقالية، بما يشمل مجلس السيادة وخصوصاً المكون العسكري، ومجلس الوزراء، والتشديد على قيام سلطة مدنية كاملة من دون أي مشاركة من العسكر. في موازاة ذلك تتبنى تكتلات أخرى الدعوة إلى تصحيح مسار الثورة بوضع خطوط فاصلة وواضحة بين صلاحيات مجلس السيادة وصلاحيات مجلس الوزراء، من دون أن يتعدى الأول على صلاحيات الثاني لضمان مدنية الحكم. وهناك تيار ثالث تمثله أحزاب "الحرية والتغيير" يريد أن يجعل من المواكب، مناسبة فقط للاحتفال بمرور عامين على اندلاع الثورة، وتأييد مسارها الحالي.



لا تبدو الرؤية واضحة كلياً بشأن أهداف مواكب اليوم

ويعكس هذا التباين حالة الانقسام داخل الصف الثوري في البلاد خلال الأشهر الماضية، والذي وصل إلى مراحل بعيدة، يقف شاهداً عليها على سبيل المثال لا الحصر، تجميد "حزب الأمة" القومي لنشاطه داخل التحالف الحاكم، وانسحاب الحزب الشيوعي و"تجمع المهنيين السودانيين" منه، مع الأخذ في الاعتبار الانقسام داخل التجمّع المهني نفسه منذ أشهر، إذ بلغ هو الآخر حد وجود جسمين بذات الاسم.
وإلى حد ما، ينقسم الشارع نفسه في الاستجابة لدعوات الخروج. وفي السياق، تؤكد ابتهال الخضر (27 سنة)، وهي من اللواتي خرجن في ديسمبر 2018، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها لن تردد في المشاركة في المواكب مهما كان الثمن، ذلك لأنها لم تلمس تغييراً حقيقياً تمّ في السودان بعد سقوط نظام البشير. وتعتبر أنه من الواجب عليهم كثوار مواصلة طريق التصحيح والتقويم لحكومة الثورة التي عليها الاستماع لهم وتحقيق مطالبهم بالقصاص للشهداء وغيرها من المطالب، وإلا "سيكون مصيرها مصير النظام السابق".
وعلى العكس من ذلك، يرفض مجاهد الحاج (35 عاماً) والذي كان من المتحمسين للثورة قبل عامين وشارك في كل مواكبها، الاستجابة لدعوات الخروج إلى الشوارع اليوم، سواء لإسقاط الحكومة أو لتصحيح مسار الثورة وغيرها من العناوين والشعارات التي تبنتها الكثير من القوى السياسية. ويعزو الحاج موقفه، في حديث مع "العربي الجديد"، لحالة الإحباط التي انتابته في الفترة الأخيرة من النتائج الكلية لما بعد سقوط البشير، ولشكوكه تجاه الجهات السياسية التي تدعو الناس للخروج. ويوضح أنّ تلك الجهات هي نفسها التي تم تفويضها قبل أكثر من عام بواسطة الثوار لتفاوض وتحكم، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، ولم تقدم شيئاً للثوار، واهتمت فقط بلعبة المحاصصات وتوزيع الكراسي، وتناست هموم الناس وقضاياهم الملحة، وقبل ذلك شعارات الثورة، بحسب قوله.
ويؤكد الحاج أنه "قرر شخصياً الاحتفال هو وأصدقاؤه بذكري ثورة ديسمبر المجيدة، وعدم الاستجابة لأي دعوات لمليونيات لاحقة، إلا إذا تأكد له أنها فعلاً دعوة مبدئية وليست ذات غرض سياسي لحزب معين يريد أن يجعل من الثوار أدوات يحركها وقتما شاء وكيفما أراد".
وبعيداً عن ماهية الداعين وحجم المشاركة الشعبية وأهداف المواكب، تثار مخاوف بشأن كيفية تعامل الأجهزة الأمنية والشرطية مع هذه المواكب، وسط قلق من تكرار سيناريو أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما قتل اثنان من المشاركين في تظاهرات للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والمضي قدماً في عملية الإصلاح، في اشتباكات وقعت بين قوات الشرطة والمحتجين، وهو ما أثار حالة من الاحتقان في الشارع لأيام عدة. وهذا ما دفع مجلس الوزراء إلى مطالبة الأجهزة الأمنية بوضع خطة محكمة لحماية مواكب "19 ديسمبر" وعدم التعرض له، تثبيتاً للحق في التعبير السلمي. ويبدو أنّ مجلس الوزراء، الذي بات يشعر بالقلق من تغوّل العسكريين على صلاحياته، لا سيما في موضوع العلاقات الخارجية، وخصوصاً تحمسهم للتطبيع مع إسرائيل، راغب أيضاً في نجاح المواكب، حتى توصل رسالة لبريد العسكر الذين تتوالى عليهم الضغوط من كل جانب. وآخر هذه الضغوط كان قبل أيام، بإجازة الكونغرس الأميركي لقانون دعم الانتقال الديمقراطي في السودان، والذي يضع خطوطا حمراء لحماية الحكم المدني، ويلزم الجيش وبقية المنظومات الأمنية بتسليم الشركات الاقتصادية التابعة لها للحكومة المدنية وتحت إشراف وزارة المالية.

مخاوف بشأن كيفية تعامل الأجهزة الأمنية والشرطية مع المواكب

وفي السياق، منعت النيابة العامة في السودان، أول من أمس الخميس، قوات الشرطة من استخدام الرصاص أو الغاز المسيل للدموع في تفريق التجمعات السلمية المقررة اليوم. وأكدت النيابة في بيان، عقب اجتماع ضمّ النائب العام، تاج السر الحبر، ووزير الداخلية ووزير الحكم المحلي ووالي الخرطوم وعددا من قيادات الشرطة بإداراتها المختلفة، أنّ أوامرها هذه تأتي استجابةً لمبدأ الحق في التعبير السلمي وتقديم المطالب السلمية لجهات الاختصاص.
كما أصدر النائب العام جملة من الضوابط شملت مصاحبة وكلاء النيابة قوة من الشرطة الأمنية بقيادة ضابط بغرض تأمين المواكب، بالإضافة إلى التنسيق مع لجان الميدان لمشاركة عناصر منهم في عملية الترتيب مع النيابة العامة، وتكليف قوة من مباحث ولاية الخرطوم والشرطة الأمنية للانتشار داخل التجمعات، ورصد أي خطر أو تفلتات تهدد السلامة العامة. وألزمت الضوابط وكلاء النيابة بمنع استخدام القوة المفرطة تحت أي ظروف، وتوجيه الشرطة بمراعاة الضوابط المذكورة. وعلى وكيل النيابة المصاحب لقوات الشرطة تدوين قيود بتحركاته وأي أوامر يصدرها داخل يومية تحرّ، بالإضافة إلى عدد القوات المصاحبة له وقائدها وحصر الأسلحة والذخائر وعبوات الغاز المسيل للدموع قبل وبعد التحرك. وعلى الوكلاء كذلك الإشراف على التحري الفوري مع المقبوض عليهم من المتفلتين.
من جانبه، رأى العميد الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان، أنّ "الضغوط التي يتعرض لها العسكر هي استفزاز للقيادة العسكرية وتشكيك في الجيش السوداني"، وهو الأمر الذي حذر منه ومن نتائجه بشدة، طبقاً لبيان وزعه على عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية أخيراً. وحاول أبو هاجة الرد على القانون الأميركي والمطالبات بأيلولة الشركات العسكرية والأمنية للحكومة المدنية والموضوعة ضمن مطالب مواكب اليوم، بالإشارة إلى أنّ "الحكومة التنفيذية تلقّت عبر وزاراتها المختصة موافقة على تحويل كثير من الشركات والمصانع إلى شركات مساهمة عامة، لتسهم في دعم الاقتصاد الوطني"، على أن تبقى هيئة واحدة هي منظومة الدفاعات العسكرية التي ذكر أنها "تعمل وفق المنظومة الاقتصادية للدولة، ولم تخرج عن الأطر والقوانين التي تنظم اقتصاد الدولة وبرقابة كاملة من أجهزتها، وتلتزم بالرسوم الجمركية والضرائبية والمنافسة الشريفة".

وأضاف مستشار البرهان: "ينبغي ألا تدار الأمور بهذا الأسلوب المستفز للقيادة العسكرية ولمنسوبيها". وبرأيه، فإن "هذه الحملة مقصود منها حرب نفسية ممنهجة لتشكيك المواطن في جيشه وقياداته لأجل أهداف شريرة يستحيل تنفيذها". واعتبر أنه "واهم من يظنّ أنّ التحوّل الديمقراطي وحماية الحكم المدني والحرية والسلام والعدالة يمكن أن تتحقق بتلك الأساليب الاستفزازية"، مشيراً إلى أنّ "التحوّل الديمقراطي الحق، يحتاج إلى جيش رادع، وإلى بناء الثقة وسد الذرائع وإزالة الشكوك والبعد عن الشيطنة". كما حذر "من الزجّ بالصراعات الأيديولوجية داخل مؤسسات الجيش".
وبعيداً عن تلك المواجهة، قدّم المكوّن العسكري خلال اجتماع مع بقية شركاء الحكم، يوم الأربعاء الماضي، تنازلاً جديداً، بعدما وافق على تعديل في صلاحيات مجلس شركاء الفترة الانتقالية التي وردت أولاً في مرسوم دستوري أصدره البرهان، إذ ألغيت أهم فقرة تعطي المجلس صلاحيات مفتوحة. كما تمّ الاتفاق على جعله مجلس تنسيقي من دون تدخل في صلاحيات الهياكل الأخرى، ومنبر لحل الخلافات بين الشركاء الأربعة، المكون العسكري و"الحرية والتغيير" والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام ومجلس الوزراء.

فاروق: ثبت فشل الحكومة تماماً في تحقيق أهداف الثورة

إلى ذلك، رأى المتحدث الرسمي باسم "تجمّع المهنيين"، حسن فاروق، أنه "وبعد عامين من اندلاع الثورة، ثبت فشل الحكومة تماماً في تحقيق أهدافها والتي دفع الشهداء دمائهم من أجلها"، موضحاً أنّ "موكب 19 ديسمبر، هو مواصلة لحراك امتد لأشهر ولن يتوقف ويتراجع، إلا بعد تحقيق أهداف الثورة، بذهاب السلطة الحالية التي تشبه تماماً النظام القديم". ونادى بـ"أهمية تكوين هياكل جديدة تكون أكثر قدرة وجدية في تحقيق أهداف الثورة".
وأضاف فاروق في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الفترة الماضية خلقت فرزاً واضحاً حتى داخل قوى الثورة، إذ تمسك بعضها باستمرار الثورة والوقوف بقوة ضدّ أي محاولات لإجهاضها وإفشالها، فيما اختار قسم آخر التماهي مع أعداء الثورة والصمت لمحاولة سرقتها وتجييرها، وذلك تماشياً مع مصالحهم". وتابع أنّ "السلطة الحالية وجدت نفسها معزولة تماماً عن الشارع، وفشلت في تحقيق أهدافه في مجال مدنية الدولة وتحقيق العدالة والقصاص للشهداء، ورضخت لتغوّل العسكر على صلاحيات الحكم المدني، هذا عدا عن الفشل الاقتصادي المتعلق بمعاناة الناس".
في المقابل، رأى القيادي في قوى "الحرية والتغيير" والمتحدث الرسمي باسم "التجمع الاتحادي"، جعفر حسن، أنّ "الثورة نجحت في كثير من المجالات، خصوصاً في ملفات السلام والعلاقات الخارجية وإنهاء عزلة السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مثل ما نجحت في اختبار الحريات العامة وحقوق الإنسان"، منوهاً إلى أنّ "الحكومة أخفقت في المقابل في الملف الاقتصادي ومعيشة الناس وإلى حدّ ما في تحقيق العدالة".
وأوضح حسن في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "خروج مواكب في 19 ديسمبر، أمر طبيعي وحق مكفول للجميع في إطار التعبير السلمي، الذي هو قضية جوهرية من قضايا التحول الديمقراطي". وأشار إلى أنه "يتعيّن على الدولة حماية تلك المواكب"، محذراً عناصر النظام السابق "من محاولة استغلالها". وأكد حسن أنّ "المواكب ستكون ميلادا جديدا للثورة تتم فيه عملية جرد حساب ومراجعة وتقييم بواسطة الشارع، وعلى الحكومة الاستماع بأذن صاغية لذلك التقييم، وتقويم ما يمكن تقويمه". لكنه حذر في الوقت نفسه من "طرح مطالب غير موضوعية بإسقاط حكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وإقصاء تحالف الحرية والتغيير، لأنّ ذلك يعني ترك الساحة للمكون العسكري ليحكم وحده"، معتبراً أنّ "الطرح الموضوعي يمكن أن يكون بتغيير الحكومة، وهو الأمر الذي تعمل عليه الحرية والتغيير مع شركاء الحكم".

المساهمون