استمع إلى الملخص
- من المتوقع أن تستمر تداعيات الانكفاء الأميركي في الشرق الأوسط، مع احتمال بقاء السياسة الخارجية تجاه المنطقة على حالها، مما يترك القرار بيد نتنياهو.
- سياسة القوة التي يتبناها نتنياهو قد تؤدي إلى إعادة إنتاج دورة الحروب والعنف، مستفيداً من الدعم الأميركي لتوسيع رقعة الحرب.
أخذت معظم التقييمات الأميركية لتعامل الرئيس جو بايدن مع حرب غزة وتداعياتها بعد عام على "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على إدارته، تراجعاتها المكررة والمحرجة أمام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وانتهاكاته وتحايلاته، بل تحدياته التي كانت "مهينة" أحياناً للبيت الأبيض طوال هذه الفترة. طبعاً باستثناء الجمهوريين والمحافظين الذين أخذوا على الرئيس عدم إطلاق يد نتنياهو على مداها في هذه الحرب وما تفرّع عنها.
ومع أن هذه الأوساط ومعها الإدارة، ليست على خلاف مع رئيس الحكومة حول أهداف الحرب، بل فقط على إخراجها، إلا أن ممارساته وعدم تحرّجه من التعاطي مع الرئيس الأميركي بكثير من الاستخفاف والاستفزاز، أثار حالة نفور ليس فقط من نتنياهو بل أيضاً من تهاون بايدن معه والذي أدّى إلى تغيير المعادلة، بحيث صار التابع متبوعاً، على عكس ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بينهما. إذ إنه من المفترض أن "واشنطن هي التي يجب أن تُملي السياسات على إسرائيل وليس العكس"، كما قال أندرو إكزوم نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط سابقاً.
وترددت تعبيرات الضيق من هذا النوع بتلميح أو تصريح في بعض دوائر الكونغرس (مثلاً السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن) أو في أوساط مسؤولين سابقين مثل أندرو ميلر نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية سابقاً. وتلخص هذه التعبيرات إلى حد بعيد، مآخذ المراقبين على الرئيس بايدن في هذا المجال، إذ إن الجهود الدبلوماسية التي بذلتها إدارته لبلوغ اتفاق على وقف نار مؤقت في غزة ولاحقاً في لبنان، نسفها نتنياهو بـ"شحطة قلم" وبكثير من التحدي. ومع ذلك رفض البيت الأبيض توظيف نفوذه المتاح لإجبار إسرائيل على القبول بأي حلحلة في هذا الاتجاه، وبدلاً من فرض الانكفاء على الذي أصرّ على استمرار وتوسيع الحرب، انتهى الأمر بانكفاء بايدن طوعاً. والمعروف أن هذا التراجع الذي بدا عملياً أقرب إلى التواطؤ مع إسرائيل تجلّى في مسائل كثيرة من قضية المعابر في غزة وعرقلة إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين واجتياح رفح، وثم في دخول القوات الإسرائيلية إلى لبنان.
من التداعيات المتوقعة لهذا الانكفاء، والتي تثير خشية المتابعين والمعنيين بالشرق الأوسط، أنّ هذه الحروب التي قد تؤدي إلى تفريخ حروب إضافية في المستقبل القريب، صارت بحكم المنتقلة إلى الإدارة القادمة بعد ثلاثة أشهر، في 21 يناير/ كانون الثاني من العام الجديد. بل صارت بحكم المرشحة بقوة للاستمرار وإلى حين. ولو فازت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فإن السياسة الخارجية وبالتحديد في الشرق الأوسط باقية على حالها، حسب ما تفصح عنه في خطابها الانتخابي؛ وبما يترك بالتالي القرار بيد نتنياهو الذي لم يخف إصراره على إطالة امد حروبه في المنطقة. وإذا فاز دونالد ترامب فإنّ نتنياهو سيكون أكثر ارتياحاً في اعتماد هذه السياسة.
الخشية الأخرى التي توقف عندها المعنيون بالشؤون الخارجية، أن سياسة القوة التي يتبناها نتنياهو والتي لا أفق سياسياً لها، سائرة بالضرورة إلى إعادة إنتاج دورة الحروب والعنف التي اعتادت عليها المنطقة والتي تتجدد بصورة شبه روتينية. "التفوق التكتيكي الذي تتمتع به الآن إسرائيل قد يتحول في النهاية إلى خسائر استراتيجية"، بحسب ما يقول المعلّق ديفيد إغناتيوس. ومثل هذا التحذير سبق وتردد في أوساط الخبراء بالسياسة الخارجية ومن باب الحرص على إسرائيل وأمنها واستمرارية دعمها.
نتنياهو المنتشي بتفوق التقنيات والمصرّ على سياسة الانتقام، لن، وليس من المتوقع، أن يأبه بمثل هذه التحذيرات، برغم تذكيره مراراً وتكراراً بأنّ الشرق الأوسط "لا ينسى". ولذلك سمّاه البعض "الحاكم بأمره"، بعد أن مكّنه بايدن الذي صار كالمغلوب على أمره، من تحقيق طموحه بتوسيع رقعة الحرب وبوهم اعتزامه على إعادة صياغة الشرق الأوسط؛ إلا إذا كانت هناك دوائر أميركية تخطط للعمل في هذا الاتجاه وهو يعمل على شق الطريق أمامها.