عبد الله حمدوك... الاقتصاد وإسرائيل والعلاقة مع العسكر

03 فبراير 2022
حمل المتظاهرون صور حمدوك وهتفوا باسمه بعد الانقلاب (فرانس برس)
+ الخط -

منذ تعيينه في أغسطس/ آب 2019 رئيساً للوزراء في السودان، برزت تساؤلات عدة حول قدرة عبد الله حمدوك على الذهاب بعيداً في الدفع نحو إصلاحات سياسية واقتصادية وتحقيق مطالب الثورة. وكان عزز الآمال في هذا الاتجاه وقتها أن تعيين الرجل جاء بترشيح من "قوى إعلان الحرية والتغيير"، وقد حصل إجماع نادر حوله من السودانيين.

وعقد السودانيون على حمدوك آمال واسعة لإصلاح الاقتصاد وإنهاء معاناتهم المعيشية، عطفاً على خبرته في المنظمات الدولية وعلاقاته الدولية الممتدة، خصوصاً بعد أن عمل في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، والبنك الأفريقي للتنمية، ومستشاراً خاصاً لبنك التجارة والتنمية في إثيوبيا.

كما عقد السودانيون الآمال عليه في تحقيق مطالب الثورة في الحرية والعدالة والسلام، وتفكيك بنية النظام القديم، والقصاص لدماء شهداء الثورة.

لكن خلال نحو عامين ونصف العام من بقائه في مهمته، اصطدم حمدوك بمطبات عدة، بعضها مرتبط بمسار الفترة الانتقالية، وبعضها الآخر مرتبط بقراراته وتماهيه مع العسكر.

خلال نحو عامين ونصف العام من بقائه في مهمته اصطدم حمدوك بمطبات عدة

 

ولعل أبرز محطات التماهي تجلّت في مسألة تغطية التطبيع مع إسرائيل، ونقل الخرطوم من كونها عاصمة اللاءات الثلاث "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض" مع إسرائيل، وجعلها في قائمة الدول العربية التي ارتضت الانخراط في خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية التي روج لها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والمعروفة بـ"صفقة القرن".

وفيما اختار حمدوك الاستقالة في يناير/ كانون الثاني الماضي، لا يزال مستقبله السياسي في السودان مثار تساؤلات وانقسامات تزاماً مع مرور 100 يوم على الانقلاب.

حكومة عبد الله حمدوك وأولوياتها

وكان حمدوك قد وضع في عامه الأول أولويات لحكومته التي شكلها من التكنوقراط. وتمثلت تلك الأولويات في تحقيق السلام، وإنهاء الحروب والنزاعات في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى إصلاح علاقات السودان الخارجية.

كما كان من بين الأولويات إنهاء العقوبات الموروثة من النظام السابق، وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي وضعته فيها الولايات المتحدة منذ عام 1993.

كذلك حرصت حكومة حمدوك على تحسين الأوضاع المعيشية للسودانيين التي بدأت في التردي في السنوات الأخيرة لنظام الرئيس المعزول عمر البشير.

لم تكن النتائج جيدة في فترة حمدوك الأولى في المجالات كلها، خصوصاً في مسألة الأوضاع الاقتصادية. وتحت الضغط الشعبي، اضطر في يوليو/ تموز 2020 إلى إجراء تغيير في حكومته، شمل وزارات مهمة، مثل الخارجية والمالية والزراعة والطاقة والتجارة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وفي نهاية ذلك العام، بدأ يطرأ قليل من التحسّن في الأداء، خصوصاً بعد شطب الولايات المتحدة اسم السودان من قائمة الإرهاب، وبدء تدفق المساعدات النقدية والاقتصادية، والتوقيع الجزئي على اتفاق سلام مع عدد من الحركات المتمردة، وزيادة خبرة حمدوك الشخصية ووزرائه في العمل داخل ديوان الدولة.

في فبراير/ شباط 2021، شكّل حمدوك حكومة جديدة تمثلت فيها "قوى إعلان الحرية والتغيير" والحركات المتمردة، ومعها اتخذ قرارات صعبة بتحرير أسعار المشتقات البترولية، وتحرير سعر صرف الجنيه السوداني.

وتوالت عقب ذلك المساعدات الدولية للسودان، ليحدث أكبر استقرار نسبي في الاقتصاد منذ سنوات، إذ انخفضت نسبة التضخم، واحتفظت الدولة باحتياطات كبيرة من العملات الأجنبية والذهب، ليستعيد بذلك حمدوك جزءاً كبيراً من شعبيته التي كان بدأ بها حكمه.

لم تكن النتائج جيدة في فترة حمدوك الأولى في المجالات كلها

خلافات المدنيين والعسكريين وصولاً إلى الانقلاب

في خضم ذلك النجاح، وفي الربع الثالث من العام الماضي، تفاقمت الخلافات بين المكوّنين العسكري والمدني، لينأى حمدوك بنفسه عنها تماماً، ويضع نفسه وسيطاً بين الطرفين. وقد طرح في أكثر من مرة وساطة لحلحلة الخلافات "العسكرية المدنية" و"المدنية المدنية" و"العسكرية العسكرية".

غير أنه عاد وأكد لاحقاً في خطاب له حول الوضع السياسي في السودان، في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنه لا يقف محايداً أو وسيطاً في المعركة بين المعسكر الانقلابي ومعسكر التحول الديمقراطي، ويقف بكلياته مع المعسكر الأخير.

بعد تنفيذ العسكر انقلابهم في 25 أكتوبر الماضي، وُضع عبد الله حمدوك تحت الإقامة الجبرية في منزل قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، بحجة ضمانة سلامته. وتحت الضغط الدولي، أُعيد لاحقاً إلى منزله بضاحية كافوري بمدينة الخرطوم بحري، ووضع أيضاً هناك تحت الإقامة الجبرية، ليحصل على أوسع تعاطف دولي ومحلي.

وقد حملت الجماهير المنتفضة في الشوارع ضد الانقلاب صور حمدوك، وهتفت باسمه وطالبت بعودته، كرمز لمدنية الدولة التي انقلب عليها العسكر.

رفض اتفاق حمدوك مع البرهان

وجاءت الصدمة الكبرى حينما خرج حمدوك من مقر إقامته متوجهاً إلى القصر الرئاسي في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث وقّع مع البرهان على اتفاق سياسي قضى بعودته إلى منصب رئيس الوزراء، والعودة للعمل بالوثيقة الدستورية بعد إدخال تعديلات عليها أقصت "قوى الحرية والتغيير" من الشراكة، فضلاً عن تضمين الاتفاق بنوداً أخرى عُدت في مجملها بمثابة شرعنة للانقلاب العسكري.

ووجد الاتفاق رفضاً واسعاً من القطاعات الشعبية، ومن الأحزاب السياسية، لا سيما تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، ولم ينجح التأييد الدولي والإقليمي للاتفاق في تسويقه وسط السودانيين.

ورويداً رويداً، انسحب البساط والتأييد الشعبي من حمدوك، خصوصاً مع استمرار قتل المتظاهرين السلميين في الشوارع، وامتناع "قوى الحرية والتغيير" عن التعاطي الإيجابي مع رئيس الوزراء، ورفضها مجرد التواصل معه.

أمام هذا الواقع، وجد حمدوك نفسه غير قادر على فعل أي شيء، بما في ذلك تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات المستقلة، أو حتى إلغاء ما اتخذه البرهان من قرارات بعد الانقلاب مباشرة، ليقرر في الثاني من يناير الماضي الاستقالة من منصبه، معيداً الانقلاب إلى مربعه الأول، فيما اعتبر كثيرون هذه الخطوة "نهاية حمدوك".

مصادر: حمدوك ليس بعيداً عن الوساطة التي تنشط فيها البعثة الأممية لجمع فرقاء الأزمة

دور حمدوك في وساطة الأمم المتحدة

ومنذ استقالته، غاب حمدوك عن المشهد تماماً، وسافر لمرة واحدة إلى الإمارات العربية المتحدة لزيارة أبنائه المقيمين هناك، ثم عاد إلى البلاد من دون نشاط سياسي واضح.

وطبقاً لمصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن حمدوك ليس بعيداً عن الوساطة التي تنشط فيها بعثة الأمم المتحدة في السودان لجمع فرقاء الأزمة في البلاد، إذ إنه يساهم، حسب المصادر، في تقديم الاستشارات للبعثة، وما يمكن أن تقوم به. ويثير ذلك تساؤلات عن مستقبل حمدوك السياسي وإمكانية عودته إلى المشهد مرة أخرى.

أخطاء حمدوك ومستقبله السياسي

في السياق، رأى القيادي في "قوى إعلان الحرية والتغيير"، عادل خلف الله، أن "حمدوك وطوال وجوده في السلطة، لم يستغل 95 في المائة من الصلاحيات التي انتزعتها له قوى الحرية والتغيير خلال التفاوض مع المكوّن العسكري، وترك المجال واسعاً للعسكر للتغول على صلاحياته، خصوصاً في ملف السلام والعلاقات الخارجية".

وأضاف خلف الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حمدوك "لم يستجب للبرامج الاقتصادية التي قدمتها له قوى الحرية والتغيير، لا سيما في ما يتعلق بسحب المصالح الاقتصادية من النخب العسكرية، خصوصاً في مجال الذهب، وفي مجال الشركات الاقتصادية التابعة للجيش والأمن والشرطة، ما أبطأ الانتقال الديمقراطي الذي لن يكتمل من دون انتقال اقتصادي".

واعتبر خلف الله أن "حمدوك لم يختلف شيئاً عن المكوّن العسكري، لناحية تغييب العمل المؤسسي واتخاذ القرارات خارج نطاق مؤسسات الدولة، وقد تمثل ذلك في صمته على تهافت البرهان نحو التطبيع مع إسرائيل، وفي الاتفاق مع صندوق النقد الدولي".

وأشار خلف الله إلى أن "حمدوك، بعد الانقلاب العسكري الأخير، وبدلاً من مصادمة الانقلاب، تحوّل باتفاقه مع البرهان إلى عامل مجمّل للوجه القبيح للانقلاب".

وأكد خلف الله أن "المستقبل في السودان بعد الآن، وبعد انتصار الثورة، سيكون لاختيار رئيس وزراء متوافق عليه من قوى النضال، ليدير حكومة محدودة لتسيير الأعمال لحين قيام انتخابات حرة نزيهة".

عادل خلف الله: حمدوك ترك المجال واسعاً للعسكر للتغول على صلاحياته

تماهي حمدوك مع العسكر في التطبيع مع إسرائيل

بدوره، قال القيادي في حركة "الإصلاح الآن"، أسامة توفيق، إنه "لا مستقبل لحمدوك في المرحلة المقبلة، لأنه أساس الفشل في الفترة الانتقالية خلال السنوات الماضية، ولم ينجز شيئاً يذكر سوى تنفيذ أجندة المجتمع الدولي، واختياره بالأساس للمنصب الأهم، خطأ كبير لعدم وجود أي صلة له تذكر بالثورة، وهو لم يدعمها ولو بتغريدة على تويتر".

واعتبر توفيق في حديث مع "العربي الجديد" أن "حمدوك أثناء وجوده في منصب رئيس الوزراء تماهى مع أجندة العسكر، وظلّ جزءاً أصيلاً من عملية التطبيع مع إسرائيل، التي دشنها البرهان في عام 2020، وهو على علم بكل خطوات هذه العملية، عكس ما يدعيه في الإعلام".

ورأى المتحدث نفسه أن حمدوك "عمد كذلك إلى تفكيك منظومة قوى إعلان الحرية والتغيير، وقد بدأ ذلك بإبعاد الحزب الشيوعي السوداني، كما أن حمدوك لم يكن مرتاحاً لوجود التنظيمات العروبية في السلطة، ونجح باتفاقه الأخير مع البرهان في 21 نوفمبر الماضي في إزاحة قوى الحرية والتغيير تماماً عن المشهد، في شرعنة لما أراده البرهان".

وذهب توفيق أبعد من ذلك، إذ أبدى "شكوكاً بشأن معرفة حمدوك وموافقته على انقلاب البرهان سلفاً". وأكد "نهاية الدور المرسوم لحمدوك"، مستبعداً كلياً فرضية عودته إلى أي منصب في الفترة المقبلة.

ياسر عبد الله: الفرصة مواتية لحمدوك للعودة إلى المشهد بواقعٍ وظروف وشروط جديدة

عودة عبد الله حمدوك ممكنة

لكن مدير تحرير صحيفة "السوداني"، ياسر عبد الله، رأى عكس ذلك. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "الفرصة مواتية لحمدوك للعودة إلى المشهد مجدداً، بواقعٍ وظروف وشروط جديدة".

ولفت عبد الله إلى أن "الرجل ارتكب بالفعل خطأً كبيراً جداً بتوقيعه على الاتفاق مع البرهان، لأن ذلك خصم الكثير من رصيده وسط قوى الثورة، كما أنه لم يستغل إجمالاً الإجماع والتأييد الشعبي الذي حظي به طوال الفترة الماضية، في اتخاذ قرارات جريئة ومستقلة".

واعتبر عبد الله أن "بعض أحزاب الحرية والتغيير، هي التي أدخلت حمدوك في ورطته الأخيرة، بتفاوضها مع العسكر على الاتفاق السياسي وانسحابها في اللحظة الأخيرة من التوقيع، تاركةً حمدوك يواجه الغضب الشعبي لوحده".

ورأى عبد الله أن "الوساطة السياسية التي تتبناها الأمم المتحدة، يمكن أن تضع حمدوك في موقع متقدم مجدداً، لا سيما وأنه لا يزال يحظى بقبول من العديد من الأطراف المتصارعة".