يسعى الوسيط المصري إلى تفعيل وساطته مجدداً لكبح جماح التوتر في قطاع غزة، وتقليل فرص الاحتكاك والاشتباك، في ظل تراجع الاحتلال الإسرائيلي عن بعض التفاهمات التي نتجت عن تحركات مصرية وقطرية وأممية أخيراً، والتهديدات التي أطلقها الفلسطينيون بتفعيل خيارات الضغط الشعبي من خلال مسيرات العودة. ووصل وفدان من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى القاهرة أمس الأحد للقاء المسؤولين في جهاز الاستخبارات العامة المصرية، بناءً على دعوة مسبقة، لبحث ملفات التهدئة والمصالحة والانتخابات. لكن الموضوع الأهم على جدول الزيارة هو تثبيت تفاهمات التهدئة على حدود غزة وفي مسيرات العودة، بعد تهديدات فلسطينية بعودة خيار "التصعيد الشعبي" لمسيرات العودة، نتيجة تراجع الاحتلال عن بعض التفاهمات خلال الأسبوعين الأخيرين.
وتدخلت القاهرة مجدداً بعد شبه انقطاع في الاتصالات مع "حماس" عقب الخلاف الذي اشتعل مع حركة "فتح" في غزة بداية العام الحالي، وانسحاب عناصر السلطة الفلسطينية من معبر رفح، وإغلاقه من قبل مصر في وجه المغادرين من غزة. وأعادت القاهرة فتح معبر رفح، من دون وجود عناصر السلطة الفلسطينية، رغم تعهدها للسلطة بعدم فتحه للمغادرين من غزة إلا بعد عودة موظفيها، وذلك نتيجة للتسريبات التي تحدثت عن طلب إسرائيلي من القاهرة بفتح المعبر لتفادي الانفجار في غزة. ورغم سعي الوسطاء لعودة الهدوء التام إلى القطاع، وتقليص فرصة الاشتباك والذهاب إلى تصعيد غير محسوب النتائج، يواصل الاحتلال الإسرائيلي ومسؤولوه إطلاق التهديدات والوعيد للقطاع المحاصر، ولحركة حماس التي تدير المشهدين الحكومي والأمني. وتتزامن التهديدات، وأحدثها التي أطلقها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، مع استمرار عمل الفرق الهندسية الإسرائيلية في الجدار الحدودي لمنع "خطر الأنفاق"، ومع بدء المرحلة الثانية منها المتعلقة بالجدار فوق الأرضي. ووجه نتنياهو تهديداً لحركة "حماس" والمقاومة في غزة، قائلاً "إذا لم يحافظوا في غزة على الهدوء، فإن إسرائيل لن تتردد في العمل ضد القطاع خلال الحملة الانتخابية أيضاً".
ووفق معلومات، حصلت عليها "العربي الجديد"، فإنّ الوسيطين الأممي نيكولاي ميلادينوف، والمصري أحمد عبد الخالق، قدّما لحركة "حماس"، خلال لقاء جمعهما مع رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية ورئيس "حماس" في غزة يحيى السنوار، الجمعة الماضي، تعهدات جديدة. وهذا اللقاء هو الأول الذي يلتقي فيه موفدان مع "حماس" في لقاء ثلاثي. وترجع مصادر "العربي الجديد" ذلك إلى طلب "حماس" ضمانة أممية على كل ما سيتم بحثه وتقديمه لغزة خلال الاجتماع، رغبة منها في إلزام الجانب المصري بتنفيذه، خصوصاً بعد تراجع القاهرة عن تعهدات قدمتها للقطاع. وتعهدت مصر، في اللقاء، وفق المصادر، أنّ يستمر عمل معبر رفح، رغم موقفها السابق من عدم فتحه إلا بوجود السلطة الفلسطينية، وكذلك استئناف إدخال المواد التي كانت تدخل لغزة من المعبر التجاري مع مصر منذ أكثر من عامين، وتعثر إدخالها أخيراً بعد التوتر بين "حماس" والسلطة الفلسطينية. وقدم الوسيط الأممي تعهداً للحركة بإزالة الشروط الإسرائيلية الجديدة المتعلقة بالمنحة القطرية لتغطية رواتب موظفي حكومة غزة السابقة من المدنيين، بعد أنّ كانت الحركة رفضت "الابتزاز" الإسرائيلي المتعلق بالمنحة، ورفضت استقبالها، وفق المصادر ذاتها.
وبدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل يومين في إنشاء الجدار "فوق الأرضي" بعد الانتهاء من الجدار "تحت الأرضي" على طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع مع الأراضي المحتلة، والذي يهدف بالدرجة الأساس إلى منع "خطر الأنفاق" التي حفرتها وتحفرها المقاومة الفلسطينية على الحدود، ولا يعرف كامل تأثيرها حتى الآن على هذه الأنفاق. لكن استمرار هذه الحفريات والأعمال العلنية لقوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود، واستمرار قمع مسيرات العودة والمسير البحري، قد يدفعان لتوتر أكبر في غزة، خصوصاً أنّ جنود الاحتلال سيكونون في مرمى قناصة المقاومة، وقد يتم استهدافهم. وقال الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، لـ"العربي الجديد"، إنّ "بناء جدار علوي على حدود قطاع غزة دليل خوف الاحتلال من عمليات واسعة فوق الأرض وليس تحتها. وهناك خشية لدى الاحتلال من أنه في الحرب المقبلة قد تكون هناك عمليات هجومية وبأعداد مقاتلين كبير، ولهذا يحكم الاحتلال بناء جدران في باطن الأرض وفوقها". واعتبر المدهون أنّ "هذا الجدار وسيلة دفاعية وتراجعية، فالاحتلال انتقل من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع، ودليل على عدم ثقة قيادة الاحتلال بقدرة قواته البرية في التصدي للمقاومة في حال توسعت المواجهة المقبلة".
والتهديدات الإسرائيلية ضد "حماس" وتخييرها الهدوء أو الحرب ما هي إلا رسالة إعلامية دعائية، وفق المدهون، الذي أشار إلى أنّ أي عدوان قادم على غزة فإنّ معدل الخسائر الإسرائيلية "لن يتوقعها أحد وستكون أكبر من أي تصور". ورغم ذلك، أكدّ المدهون أنّ "حماس" لا تريد الحرب العسكرية المفتوحة وتتجنبها من أجل شعبها وأهالي غزة، وحتى لا تعطي الاحتلال مبرراً للقتل والتدمير، وهي مع فصائل المقاومة الأخرى مستعدة لجميع الخيارات ولا تقلقهم التهديدات الإسرائيلية المتكررة. غير أن الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أشار إلى أنّ "الهدوء مطلب الجميع في حال التزم الاحتلال بالتفاهمات المبرمة، وفتح المعابر ووسع مساحة الصيد ولم يعق دخول الأموال القطرية لموظفي غزة، ولم يضع شروطاً عليها".