كشف قائد سابق في الجيش الجزائري أن فرنسا نفذت 17 تفجيراً نووياً في مدن الصحراء الجزائرية بين عام 1956 وحتى التفجير الكبير في 13 فبراير/شباط 1960، وطالب باريس بتحمل مسؤولياتها عن آثار الإشعاعات النووية التي ما زالت تلوث منطقة أدرار، جنوبي الجزائر، ناهيك عن الآلاف من ضحايا هذه الإشعاعات حتى الوقت الراهن.
وقال رئيس قسم هندسة القتال بقيادة القوات البرية في الجيش الجزائري العميد بوزيد بوفريوة، في حوار مطول نشرته مجلة "الجيش"، إن فرنسا قامت بـ17 تفجيراً، بينها أربعة تفجيرات سطحية في منطقة رقان، و13 تفجيراً باطنياً في منطقة عين إيكر، "تمت كلها تحت ذريعة البحث العلمي، ناهيك عن تجارب تكميلية أخرى، حيث تسببت التجارب السطحية في منطقة رقان في تلويث أجزاء كبيرة من الجنوب الجزائري، ووصل التلوث إلى دول أفريقية أخرى"، مشيراً إلى أن "التجارب الباطنية في عين إيكر خرج العديد منها عن السيطرة، ما أدى إلى انتشار النواتج الانشطارية للانفجار ملوثة مناطق واسعة".
وكشف القائد العسكري أن هناك "نفايات ضخمة غزيرة الإشعاع من مخلفات هذه التجارب، وهي نفايات طويلة العمر، منها ما تم دفنه تحت الأرض ومنها ما بقي في العراء". موضحاً أن "إشعاعات منتشرة على مساحات شاسعة تسببت في الكثير من الضحايا من السكان المحليين وأضرار بالبيئة ما زالت إلى يومنا"، وفي السنة الماضية، نشرت جمعية "13 فبراير/شباط 1960"، التي تعنى بملف ضحايا التفجيرات النووية في الجزائر، تقريراً يكشف وجود ما يزيد عن 42 ألف ضحية من المواليد الجدد المشوهين خلقياً، وأصحاب الإعاقات الذهنية والجسدية والربو وأمراض العيون، والمرضى المصابين بأمراض قاتلة أهمها السرطان، نتجت كلها عن آثار الاشعاعات النووية في ولاية أدرار، وسجل التقرير وجود 1100 حالة سرطان سنوياً.
وفي عام 2000، وثق البروفيسور عبد الكاظم العبودي، في كتابه "يرابيع رقان: جرائم فرنسا النووية في الصحراء الجزائرية"، ما يصفه بالمحرقة النووية الفرنسية، ووصفها بالجريمة الاستعمارية. وتضمن الكتاب رصداً لتردي المخاطر البيئية والصحية في المناطق التي شهدت التجارب.
وكشف العميد بوفريوة أن قيادة الجيش نشرت وحدات عسكرية وهيئات متخصصة ووحدتين من سلاح هندسة القتال التابعة لقيادة القوات البرية، لتأمين المواقع القديمة للتجارب والتفجيرات النووية في منطقة رقان وحمايتها، ومنطقة عين إيكر، وكذا التنسيق مع السلطات المدنية والهيئات العلمية المعنية بملف التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية، مشيراً إلى أن هذه الوحدات "تقوم بتعليم حدود مواقع التجارب النووية وتسييجها لمنع وصول المواطنين إليها، ومهام الاستطلاع والمراقبة الجوية للمناطق الملوثة، والتأمين الصحي للأفراد، وتقديم المساعدة الطبية للسكان المحليين، علاوة على المراقبة والتحليل الدوري لمصادر المياه وغلق الآبار القريبة من المناطق الملوثة"، مشدداً على أن "هذه المناطق باتت تحت السيطرة التامة، حيث تم القضاء نهائياً على ظاهرة الاستيلاء العشوائي على النفايات المشعة أو اقتراب المواطنين من المناطق الملوثة بالإضافة إلى المتابعة المستمرة للموقع الإشعاعي".
ويعد ملف التفجيرات النووية من أبرز الملفات العالقة بين الجزائر وفرنسا، والتي تعثرت المفاوضات بشأن معالجتها، وفي كل مناسبة تجدد السلطات الجزائرية مطالبتها لباريس بتحمل مسؤولياتها في هذا الملف الحساس. وفي السياق، طالب العميد بوفريوة فرنسا "بتحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه التجارب النووية التي قامت بها بالصحراء الجزائرية، ومعالجة أخطاء الماضي، بدءاً بتأمين هذه المناطق وحمايتها، خاصة بعد مصادقة 122 دولة في جمعية الأمم المتحدة، في يوليو/تموز 2017، على معاهدة جديدة لمنع استعمال الأسلحة النووية"، مشدداً على أن هذه المعاهدة "تعترف بصورة واضحة وصريحة بمبدأ أن الملوث هو من يدفع ثمن تلويثه للبيئة، وهذه أول مرة يطالب فيها المجتمع الدولي القوى النووية بمعالجة أخطاء الماضي".
وفي عام 2010، وعدت الحكومة الفرنسية بتعويض ضحايا هذه التفجيرات، وأصدرت "قانون موران"، نسبة لوزير الدفاع الفرنسي في عهد الرئيس نيكولاي ساكوزي، يتضمن آلية لتعويض ضحايا التفجيرات والتجارب النووية الفرنسية. وتشمل التعويضات العاملين من أفراد القوات المسلحة الفرنسية التي نفذت التفجيرات، وخصصت مبلغاً لتعويض جميع الفئات قدره 10 ملايين يورو، لكن الطرف الجزائري اعتبره قانوناً معقداً، كونه يفرض تعقيدات كبيرة أمام الضحايا للحصول على تعويضات، حيث يفرض القانون الفرنسي على الضحايا الجزائريين تقديم إثباتات بصلة الأمراض والأضرار التي تعرضوا لها نتيجة المخلفات النووية التي خلفتها فرنسا في منطقة التفجيرات النووية.