مجموعة عُقد حالت دون نجاح رئيس الوزراء اللبناني المكلَّف سعد الحريري في تأليف الحكومة وفق المهلة الزمنية التي دخلت دائرة التقديرات الأسبوع الماضي، وتمحورت حول يومي أمس الأحد واليوم الاثنين، في تاريخٍ يسبق الانتخابات الأميركية.
وتحدّث عن تاريخ إجراء الانتخابات الأميركية رئيس البرلمان نبيه بري، انطلاقاً من الأجواء الإيجابية السّائدة في سلسلة لقاءات الرئيسين ميشال عون والحريري، وضرورة عدم ربط الاستحقاق اللبناني بالأحداث الخارجية، منعاً لإهدار الفرص، والمماطلة التي لا تخدم مصالح لبنان الغارق في الأزمات.
وقال مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر إنّ العُقد التي تحول دون تشكيل الحكومة، منها داخلية وأخرى خارجية، وهي مترابطة، حيث إنّها في المحصّلة ورقة بيد إيران، والتي لن تفرج عنها بسهولة أو مجاناً، كما غيرها من الدول الكبرى التي لديها حساباتها، تبعاً لموازين القوى، وهذه الأجواء تترجم في البعد الداخلي، باعتبار أن الورقة معنية بالصراع الأميركي الإيراني، وعلى طاولة المفاوضات وتحتاج بالنهاية إلى توافق أميركي إيراني حولها.
وأوضح نادر لـ"العربي الجديد" أنّ النقاش الداخلي يدور حول مسألتين أساسيتين، الأولى، بشأن شكل الحكومة ومدى تمثيل "حزب الله" فيها، فهو مصرٌّ على أن يجرى تمثيله وزارياً، فانتقل الحديث من حكومة تكنوقراط إلى تكنو سياسية، بوقت أميركا تعارض هكذا تمثيل. أما الثانية، وهي التحدي الأكبر، فتتمثل في قدرة الحكومة الجديدة على الإفراج عن المساعدات والكمية التي سيحصل عليها لبنان، من هنا كانت محاولة عبر التسوية الفرنسية للإفراج عن بعض الأموال من دون الاستعانة بالولايات المتحدة، ولكن ذلك ليس كافياً، فوقف الانهيار يحتاج إلى الكثير من السيولة، وهذه الأخيرة يقابلها ثمن خارجي في السياسة.
ويرى أنّ إظهار بعض الأفرقاء حرصهم على تشكيل الحكومة قبل الانتخابات الأميركية يأتي من باب رفع التهم عنهم بالتعطيل، المُدعَّم أيضاً بنشر أجواء إيجابية توحي بقرب الحل، لكن لا حكومة قبل الانتخابات الرئاسية، ومن المتوقع في حال فوز دونالد ترامب أن يحصل اتفاق سريع بين أميركا وإيران، ينعكس على لبنان، أما فوز جو بايدن، فيعني خلط الأوراق من جديد، حتى يشكل فريقه ويرسم ملامح سياسته، ما يعني ضبابية الصورة حتى الربيع المقبل.
ويشير نادر إلى أن الطرف الإيراني "لديه حنين إلى مرحلة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لكن هذه الفترة لن تعود، نظراً لموازين القوى الجديدة، والصراع على الشرق الأوسط، ودينامية الصلح التي تحصل بين دول عربية وإسرائيل، ودخول لاعبين أساسيين في المنطقة، ومع ذلك، فإن رؤية بايدن للشرق الأوسط ستتطلب وقتاً، خصوصاً أن نتائج الانتخابات قد لا تحسم سريعاً، وهذا ما ألمح إليه ترامب، وبغياب الرؤية الواضحة، سيتدهور الوضع اللبناني على وقع الساعة".
العُقد الأبرز
وفي الحسابات الضيقة، لناحية المقاعد، يقول مصدر مطلع على أجواء المشاورات الحكومية، لـ"العربي الجديد"، إن العقدة الأبرز التي تحول دون تشكيل الحكومة هي الاختلاف حول عدد الوزراء، وخصوصاً بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله، الذي يريدها من 20 وزيراً وأكثر، بهدف تمثيل كل الطوائف والمذاهب، ولا سيما النائب طلال أرسلان خصم رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي يطالب بحقيبة وزارية، وهي ما عرفت بـ"العقدة الدرزية"، في خطوة تؤمن لهم أيضاً الثلث المعطّل، في حين يصرّ الحريري على حكومة من 18 وزيراً.
ومن الخلافات أيضاً، يقول المصدر نفسه، "تمسّك فريق رئيس الجمهورية بمبدأ المداورة في كل الحقائب، في حين يضع الرئيس نبيه بري حقيبة المال خارج التداول، ويتمسّك بها لـ"حركة أمل" التي يتزعمها من بوابة حقوق الطائفة الشيعية، وهو ما يدفع "التيار الوطني الحر" برئيسه النائب جبران باسيل إلى رفع سقف مطالبه على صعيد الوزارات السيادية والخدماتية، مقابل طلب كل حزب سياسي "حصة" وزارية دسمة له، وتحديداً على صعيد وزارات الداخلية، والاتصالات، والطاقة، والمال، والأشغال، والخارجية والدفاع، والإعلام، والصحة، والعدل، في مشهد معهود عند تشكيل أي حكومة في لبنان".
هذا السيناريو ينفيه عضو "تكتل لبنان القوي" (يرأسه باسيل) النائب حكمت ديب، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أنهم الفريق الأكثر ابتعاداً عن الخوض بمسألة التأليف، "وهذا موقف رسمي وتطبيقي، وننفذه إلى أقصى الحدود، ونحن نراقب ونضع في المقابل الخطوط التي نؤمن بضرورة أن يلتزم بها من يؤلف الحكومة، وعلى رأسها المعايير الموحدة للجميع والمداورة، الأمر الذي لا نشهده اليوم، في ظل وعود تعطى لقوى سياسية بتولي حقائب معينة، بينما الاتصال الوحيد المفقود في الوقت الراهن هو بين باسيل والحريري، باستثناء الاجتماع اليتيم يوم الاستشارات النيابية غير الملزمة التي عقدها الحريري".
ويلفت ديب إلى أنه "من السهل رمي تهم التعطيل والعرقلة على باسيل، علماً أنّ الأمور واضحة، سواء لناحية عقدة وزارة المالية، ومعروفة الأطراف التي تمسّكت بها، أو العقدة الدرزية، وتبعاً للأجواء، نرى، للأسف، أن الحريري يستعمل أسلوب استبعاد بعض الأشخاص وقطع الاتصال بآخرين، ما يوحي بأن الحكومة لن تتشكل بوقت قريب".
وبين في هذا السياق أن التيار الوطني الحر يرى أن الحكومة من الأفضل أن تتمثل بعشرين وزيراً على الأقل، لأنه بالحديث عن الاختصاصيين على كل مختص أن يتسلّم وزارة واحدة ولا يمكنه أن يمسك أكثر من حقيبة، ولا سيما نظراً للأزمات الراهنة والتحديات والاستحقاقات، التي "تجعلنا" بحاجة إلى وزيرين لكل وزارة لا العكس.
عودة إلى المحاصصة
من جهته، يلفت النائب في "تيار المستقبل" (يرأسه الحريري) محمد الحجار، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك من يعود إلى منطق المحاصصة وكأن لبنان ليس دولة منكوبة أو منهارة مالياً، واقتصادياً ونقدياً، وكأن البلد لا يحتاج إلى تغيير في المقاربة والأداء من قبل أطراف أساسيين يحاولون الضغط على الرئيس المكلف للعودة إلى التجارب السابقة الفاشلة".
وأشار الحجار إلى أنّ الصورة يجب أن تتضح خلال 48 ساعة، والحريري قال ما عنده، وعلى القوى السياسية أن تغيّر أدائها، وتتوقف عن تناتش الحصص، فالإنقاذ يكمن في المبادرة الفرنسية الواضحة بشروطها وإلا العودة إلى نقطة الصفر.
ويعتبر أنّ التطورات في فرنسا قد أثرت بشكل أو بآخر على متابعة الأوضاع الحكومية في لبنان، ولكن المبادرة مستمرّة ولا تزال على الطاولة ويجب الاستفادة منها سريعاً.
ويقول مصدر قيادي في "تيار المستقبل"، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، أن الحريري لا ينوي الاعتذار بل هو مستمرّ في مهامه، وقد يعرض مسودة حكومية على الرئيس عون، رامياً الكرة في ملعبه، فهو لن يرضخ للضغوط وسيشكل الحكومة كما يريد وتبعاً لمصلحة البلد وبما يحترم المبادرة الفرنسية.
من جهته، أكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، في بيان اليوم، أن المشاورات "مستمرة بين الرئيسين عون والحريري، لتشكيل حكومة جديدة وفق ما يفرضه الدستور والمصلحة الوطنية العليا، نافياً ما يتم تداوله في الإعلام حول الاتصالات الجارية، وذهب بعض هذه الوسائل إلى حد إدراج تفاصيل حول توزيع الحقائب وأسماء بعض المرشحين للتوزير وغيرها من المعلومات التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة"، مشدداً على أن لا طرف ثالثا في المشاورات، ولا سيما النائب جبران باسيل.