وعلى الرغم من أنّ غزة كانت تسارع دائماً لنصرة أي حراك في الضفة والقدس المحتلتين بصواريخها، إلا أنها هذه المرة تبدو مكبلة على غير العادة، مجبرة على قراءة حساباتها بدقة، في ظل أوضاع معيشية واجتماعية قاسية، وظروف سياسية تترافق مع تضييق واسع تتعرض له من أطراف مختلفة.
اقرأ أيضاً 65 عاماً على تأسيس "الموساد": تعزيز "القوّة العالميّة" لإسرائيل
تؤكد الفصائل الفلسطينية قدرة القطاع على المشاركة عسكرياً في المواجهة، في انتظار تغيير بعض الظروف أو توسع دائرة المواجهة. يقول القيادي في حركة "حماس"، إسماعيل رضوان لـ"العربي الجديد"، إنّ الاستمرار في الانتفاضة والهبة الجماهيرية الحالية حتى تحقق أهدافها يجب أنّ تتوافر له العوامل عبر مشاركة كافة الفصائل الفلسطينية والسلطة وجماهير شعبنا في هذه الانتفاضة. وهذا يتطلب، وفق رضوان، وقفاً للتنسيق الأمني وقطعاً للعلاقات مع الاحتلال، وعدم الالتزام بالاتفاقات الموقعة معه، وتحقيق المصالحة الوطنية الداخلية، ورسم استراتيجية وطنية قائمة على أساس الثوابت وخيار المقاومة، مؤكداً على ضرورة تصعيد الانتفاضة بكل أشكالها وأدواتها.
كذلك يلفت القيادي في "حماس" إلى أنّ تصعيد الانتفاضة من الحجر والسكين وصولاً للانتفاضة مسلحة، يأتي رداً على العدوان وللدفاع عن الأقصى والشعب الفلسطيني، وهو ما يتطلب دعماً على المستوى الرسمي من السلطة الفلسطينية التي يجب أنّ تنحاز لخيارات شعبها، ودعماً عربياً وإسلامياً، سياسياً ومالياً ومعنوياً. ويشير رضوان إلى أنّ الهبة الجماهيرية خارج كل الأطر، والانقسام يجب أنّ لا يكون حائلاً دون استمرار وقوة هذه الهبة، "وإنّ كنا نأمل أن ينتهي بالقريب العاجل الانقسام وكل تداعياته".
وعن غزة ومشاركتها في الهبّة الجماهيرية، يشير القيادي في "حماس" إلى أنّ غزة تتضامن مع أهلها ضد العدوان، وكذلك هي صمام أمان للمقاومة الفلسطينية، لأنّ مقاومة غزة حسب احتياجات الوضع الفلسطيني هي المقاومة المسلحة، موضحاً أنّ المقاومة هي التي تحدد زمان ومكان وأسلوب المواجهة مع الاحتلال، ومؤكداً في الوقت نفسه أنّ غزة "لن تسمح ببقاء القدس والضفة وحيدة في هذه المواجهة".
من جهته، يشير القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، أحمد المدلل، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ غزة لا تزال تلملم جراحاتها التي أصيبت بها منذ أكثر من عام، ويعيش شعبها التشرد والقهر والحصار، وهذا ليس معناه أنّ غزة غائبة عما يحدث في الضفة والقدس.
ويلفت المدلل إلى أنّ المقاومة لديها حسابات وطرق لنصرة شعبها في الضفة والقدس، وأنّ خيارات المقاومة مفتوحة، ولن تكون التهدئة في غزة سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب، موضحاً أنه إذا استمر الإجرام الصهيوني ستعيد المقاومة حساباتها جيداً.
لكنّ القيادي في "الجهاد" يبدي شكوكاً في تطور الهبة الجماهيرية إلى انتفاضة، وما يعزز ذلك، وفق قوله، دعوات الرئيس محمود عباس لوقف الحراك، وعرقلة أجهزة أمن السلطة لاستمرار الانتفاضة، مؤكداً أنّ أجهزة أمن السلطة يجب أنّ تكون مدافعة ومساندة لهذه الانتفاضة، "ليواجه الفلسطينيون معاً الإجرام الصهيوني".
أما الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل فيرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الظروف الموضوعية وفشل العملية السياسية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي تعتبر الدافع الأمثل لاندلاع انتفاضة شعبية جديدة، في ظل استمرار التجاهل الأميركي لعباس وعدم إيقاف الاستيطان في الضفة الغربية، على حد قوله.
ويقول عوكل إنّ الظروف السياسية الداخلية على الساحة الفلسطينية تقف عائقاً أمام الانتفاضة، في ظل تشتت المواقف الرسمية بين حركتي "حماس" و"فتح" واستمرار الانقسام الداخلي، وعدم الاتفاق على برنامج سياسي موحد وشامل يحدد طبيعة المواجهة مع الاحتلال.
ويلفت إلى أنّ تردد عباس وقيادة السلطة في الذهاب لانتفاضة شاملة يرجع لعدم رغبتها في تكرار ما حدث في انتفاضة الأقصى، ولعدم تمكين بعض الفصائل الفلسطينية من استخدام القوة وعسكرة الانتفاضة، فضلاً عن وجود خشية من تكرار عملية اجتياح الضفة كما حدث في العام 2002.
ويعتبر عوكل أنّ "الظروف باتت مهيأة أمام السلطة الفلسطينية لاستغلال الأحداث الدائرة حالياً، من أجل انتزاع مواقف دولية للخروج من المأزق السياسي الحالي، في ظل استمرار العزلة الدولية التي يعاني منها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب استمراره في التوسع الاستيطاني".
اقرأ أيضاً: إسرائيل تخشى فتح جبهة ثالثة من غزة
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أهمية في عدم دخول الفصائل المسلحة بغزة على خط الأحداث الدائرة حالياً في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وعدم الرد عسكرياً على التصعيد الإسرائيلي، والإبقاء على المواقف السياسية والشعبية كون ذلك سيعزز فرص استمرار الانتفاضة في الضفة، ولن يحرف البوصلة إلى القطاع المحاصر منذ تسع سنوات.
ويوضح عوكل أن الاحتلال يريد أن يستغل أي تدخل من قبل المقاومة في غزة من أجل حرف الأنظار عن الأحداث المتصاعدة في مدن الضفة الغربية بفعل عجزه وعجز الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، لاستغلاله في شن عدوان جديد على القطاع.
ويحذّر من أنّ الاحتلال قد يقدم على اغتيال شخصيات من قادة الفصائل داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، بعد عملية نابلس الأخيرة والتي أعلن فيها عن اعتقال خلية زعم أنها تابعة لحركة حماس، في محاولة منه للسيطرة على الموقف الداخلي أو استدراج الفصائل بغزة لمواجهة جديدة.
بدوره، يرى المحلل السياسي حسام الدجني أن الانقسام الداخلي يعتبر العائق الأبرز في تحوّل الأحداث الدائرة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين إلى انتفاضة شاملة، تجتاح كافة المدن الفلسطينية في ظل خشية السلطة وحركة فتح من اهتزاز حكمها بالضفة حال اندلاع انتفاضة ثالثة.
ويوضح الدجني لـ"العربي الجديد"، أنّ كافة الظروف السياسية والميدانية مهيأة لاندلاع انتفاضة جديدة بفعل الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى والتقسيم الزماني والمكاني له، واستمرار مشاريع الاستيطان وتعطل عملية السلام وانسداد الأفق السياسي.
ويؤكد على أهمية توافق الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها "فتح" و"حماس" على برنامج سياسي شامل يحدد طبيعة المرحلة والمواجهة مع الاحتلال، واستغلال الأحداث الدائرة حالياً في الضفة الغربية لانتزاع مكاسب سياسية للشعب الفلسطيني.
وعن موقف قطاع غزة من الأحداث الدائرة بالضفة، يلفت الدجني إلى أهمية استمرار تحييد غزة عن المشهد، لعدم حرف الأنظار عن الهبة الشعبية الدائرة حالياً في ظل عجز الاحتلال والسلطة عن السيطرة عليها منذ عملية بيت فوريك في نابلس قبل أكثر من أسبوع. ويضيف الدجني "الاحتلال يسعى إلى استدراج الفصائل بغزة لمواجهة عسكرية من أجل حرف الأنظار عن مشاريعه التهويدية في المسجد الأقصى والقدس، إلا أنه يخشى من تبعات انفجار الأوضاع وقيام المقاومة باقتحام المستوطنات والبلدات القريبة من القطاع". ويعرب عن اعتقاده أن أي تدخل من قبل المقاومة في غزة قد يعجل بتوقف الحراك الشعبي والجماهيري بالضفة، ويعزز من قدرة السلطة على ضبط الأوضاع الميدانية مجدداً، ويدخل القطاع في مرحلة جديدة من الاشتباك التي تسعى الحكومة الإسرائيلية له في ظل أزمتها السياسية الحالية.
اقرأ أيضاً: أحجية الانتفاضة الثالثة