لا يزال المشهد الليبي يلفه الغموض في الساعات القليلة المتبقية عن موعد انعقاد الجلسة المقررة للنواب لمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، يوم غدٍ الاثنين بمدينة سرت.
ولم يُعلن حتى الآن عن وصول النواب إلى سرت، في وقت لا تزال فيه المشاورات تسير بعسر في نقاط التماس بين قوات طرفي الصراع في البلاد.
ورغم زيارة الدبيبة لمنطقة أبوقرين (130 غرب مدينة سرت)، التي تُعسكر فيها القوات الموالية لحكومة الوفاق، ليل أمس السبت، أملاً في مشاركته في فتح الطريق المؤدي لمدينة سرت، لم يتمكن أعضاء لجنة 5 + 5 من إقناع طرفي الصراع، قوات حكومة الوفاق وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بفتح الطريق فيما تتواصل المشاورات معهما.
وبحسب مصادر مقربة من لجنة 5 + 5، فإن الاتفاق المبدئي، حتى صباح اليوم الأحد، سيكون بفتح الطريق جزئياً لمرور النواب إلى المدينة وتأجيل فتح الطريق بشكل كلي إلى الأسابيع المقبلة.
وتطابقت معلومات المصادر التي تحدثت لــ"العربي الجديد" بخصوص تحجج قادة طرفي الصراع بعدم اكتمال أعمال نزع حقول الألغام حول المدينة للشروع في فتح الطريق الرابط بين المنطقة الشرقية والغربية المارّ بسرت، لكنها أشارت إلى أن مطالب قادة قوات حكومة الوفاق بضرورة انسحاب المقاتلين المرتزقة في صفوف حفتر من المدينة كشرط لفتح الطريق، لم يقابل بالموافقة التامة من جانب حفتر.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه المشاورات عسيرة بين الطرفين، عن طريق أعضاء لجنة 5 + 5 ، من دون أن يُرجح حتى الآن فتح الطريق بشكل نهائي، أكد عضو مجلس النواب، أبوبكر بعيرة، بأن انعقاد جلسة مجلس النواب لمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، يوم غدٍ الاثنين بمدينة سرت، إلا أن الشكوك ما تزال تحيط بذلك حتى الآن.
وقال بعيرة لـ"العربي الجديد" إن النواب اتفقوا على عقد الجلسة في سرت في موعدها المقرر، لكن حتى الآن لا يستطيع أي من النواب الوصول إلى المدينة، لافتاً إلى أن الحكومة لا تزال تواجه عراقيل وصعوبات عديدة.
وفيما اكتفى بعيرة بالإشارة إلى أن من بين تلك الصعوبات "تصعيب مسألة اجتماع النواب لعقد جلسة منح الثقة للحكومة"، قالت مصادر مقربة من الدبيبة إنه لا يزال يرزح تحت ضغوط ومطالب من جانب أطراف ليبية لإجراء تعديل على تشكيلته الوزارية وتمرير أسماء على صلة بتلك الأطراف فيها لتولي مراكز هامة.
والخميس الماضي، أعلن مكتب الدبيبة الإعلامي عن تسليمه قائمة أسماء التشكيلة الوزارية لهيئة رئاسة مجلس النواب، موضحاً أن الحكومة تتألف من 27 وزارة موزعة بين أقاليم ليبيا الثلاثة، ومصنفة في ثلاث فئات هي: سبع وزارات سيادية، و14 خدمية، وست وزارات إنسانية.
وأوضحت المصادر ذاتها أن الضغوط تتعلق بحقائب العدل والداخلية، مؤكدة أن رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، على صلة مباشرة بتلك الضغوط.
ورغم إعلان الدبيبة عن تسليم تشكيلته الوزارية، لم يعلن عقيلة صالح حتى الآن عن تسلمها، كما لم يحدد موقفه حتى الآن من الجلسة التي دعا النواب لها يوم غد الاثنين، منذ 27 من فبراير/شباط الماضي، على الرغم من تأكيد لجنة 5 + 5 على جهوزية مدينة سرت لاحتضان الجلسة المقررة.
ويرجح الباحث الليبي في الشأن السياسي وليد مرغم بأن تكون الساعات القليلة المقبلة حبلى بالكثير من المواقف التي ستتغير فجأة، وبحسب رأيه فإن الجلسة ستعقد في موعدها يوم غد الاثنين.
ويضيف مرغم في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "كل الأنظار متجهة إلى سرت، والاتفاق بات بالاجتماع على انعقاد الجلسة فيها يوم غد وبالتالي، فطرف حكومة الوفاق يضغط بورقة فتح الطريق لإرغام حفتر على الخروج من سرت أو على الأقل خفض وجوده العسكري فيها"، مضيفاً "كما أن عقيلة صالح لن يعلن عن موقف من الجلسة إلا بعد حصوله على حقائب مهمة في الحكومة".
ويرجح مرغم بأن المطالب المتعلقة بإجراء تعديل على شاغلي حقائب العدل والداخلية لصلة الأولى بملفات عدلية تتعلق بجرائم الحرب الماضية تشرف الوزارة على إعداد ملفات حولها بطلب من محكمة الجنايات الدولية، وأما الثانية فــ"أهميتها كونها ضلعا في المثلث الأمني المؤلف بحسب التشكيلة الوزارية من حقيبة الدفاع التي احتفظ بها الدبيبة لنفسه والرئيس الأعلى للقوات المسلحة التي سيؤول منصبه للشرق، ما يعني ضرورة حصول حلف عقيلة صالح على حقيبة الداخلية للسيطرة على قرار هذا المثلث الأمني".
لكن العقبة الأخرى أمام الدبيبة، كما يراها مرغم، تتعلق بعدم مرور تشكيلته الوزارية بسهولة والاعتراض على بعض الأسماء فيها سيجعلها تواجه أمرين، الأول يتعلق بتأخر وصولها إلى ممارسة مهام في ظل ضيق الوقت المقرر أصلا للحكومة، والثاني يتعلق بقرب موعد نشر تقرير خبراء الأمم المتحدة بشأن قضية الرشاوى التي هزت أركان السلطة الجديدة، بل ملتقى الحوار السياسي بأكمله.
وبحسب الباحث في الشأن السياسي الليبي، فإن الدبيبة يسعى لاستثمار رغبة أغلبية النواب في منح الثقة لحكومته لتمرير تشكيلته، إلا أنه يرى أن تأليف الحكومة على أساس ترضية الأطراف المتنفذة في المشهد سيعرضها لمطالب أطراف أخرى تمتلك تمثيلاً في مجلس النواب أو على الأقل نواب سيشكلون كتلاً من أجل الحصول على مكاسب شخصية لهم.
ويختم مرغم بالقول إنه "ما يزال الوضع مفتوحاً أمام كل السيناريوهات فالوقت المتبقي حساس للغاية ومهم للجميع"، لكنه يشير إلى أن أخطر السيناريوهات هو المتعلق بعرقلة تمرير التشكيلة الحالية بهدف تمديد جلسات النظر في منح الثقة للحكومة إلى ما بعد نشر تقرير خبراء الأمم المتحدة، المقرر نشره يوم 15 من مارس/آذار الجاري.
ويهدف عرقلة تمرير التشكيلة إلى خلط الأوراق في حال طاولت الرشى أعضاء ملتقى الحوار السياسي، والبديل عندها سيكون الذهاب إلى ترميم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في اتفاقات جديدة تبقي القادة الحاليين في المشهد.