أعادت فاجعة حريق قاعة الأعراس في قضاء الحمدانية، بمحافظة نينوى، شمال العراق، التي أوقعت مئات القتلى والمصابين ملف ما يُعرف بـ"المكاتب الاقتصادية" التابعة لفصائل ومليشيات مسلحة في محافظة نينوى عموماً إلى الواجهة.
ومنذ إعلان تحرير محافظة نينوى من تنظيم "داعش" الإرهابي، عام 2017، هيمنت فصائل مسلحة مختلفة على الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية في عموم المحافظة، عبر ما بات يعرف بـ"المكاتب الاقتصادية"، إذ تنشط هذه المكاتب في مشاريع عقود ومناقصات تحصل عليها بسبب نفوذها وتمنحها لجهات أخرى لقاء عمولات مسبقة.
ورغم عدة تعهدات لرؤساء حكومة سابقين، أبرزهم عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي، بإغلاق أنشطة الفصائل المسلحة ضمن "المكاتب الاقتصادية"، فإنّ أيّاً من تلك التعهدات لم يتحقق.
محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي قال إن "سيطرة الفصائل المسلحة على المشاريع والفرص الاستثمارية عبر ما يعرف بالمكاتب الاقتصادية التابعة لها، سبب رئيسي لاستمرار النكبات، يضاف إلى ضعف الإدارة في مواجهة المتنفذين، سواء كانوا يمثلون فصائل مسلحة أو سياسيين أو مافيات".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "استسلام إدارة محافظة نينوى للضغوط أطاح كل معايير السلامة والنزاهة في ما يتعلق بالمشاريع والإعمار، وهذا الخطر تواجهه محافظة نينوى بشكل كبير، خصوصاً مع فرض السيطرة على المشاريع والأراضي بقوة السلاح وخلافاً للقوانين، وما حصل في قاعة الحمدانية جزء من عمليات الفساد والسيطرة، التي دفعت إلى بناء قاعة دون أي موافقات رسمية وخالية من كل شروط السلامة والأمان".
وأضاف: "الفصائل المسلحة ما زالت تسيطر على مفاصل محافظة نينوى المهمة بقوة السلاح والضغوط، مقابل ذلك هناك عدم جدية في مواجهة هذه الظاهرة، التي أصبحت منتشرة بكل المدن العراقية ولا تقتصر فقط على المدن المحررة، فالمكاتب الاقتصادية توجد في كل المحافظات وكل مؤسسات الدولة".
من جهته، قال النائب عن محافظة نينوى، عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني، في بيان أمس الأول الجمعة، إن "قاعة الحمدانية التي احترقت، بُنيَت على أرض تجاوز تابعة للدولة، وبالتالي فهي لم تستحصل إجازة بناء ولا تتوافر فيها شروط السلامة، كذلك فإن أي مواطن يستحيل أن يتجاوز على مجرد أرض، لا أرض تابعة للدولة، ما لم يكن مدعوماً من فصائل مسلحة فرضت نفسها على نينوى بعد التحرير".
وبين الدوبرداني أن "هناك مكاتب اقتصادية تنشط في المدينة والسلطات المحلية عاجزة عن إغلاقها وردع تدخلاتها في شؤون المحافظة، كذلك فإن المكاتب الاقتصادية في الموصل هي أسوأ من المكاتب الاقتصادية لتنظيم داعش الارهابي، فالأولى تعمل بحرية والأخيرة كانت تعمل بسرية وبخوف من الأجهزة الأمنية".
وأضاف النائب عن محافظة نينوى أن "الفصائل المسلحة التي تنشط في الموصل وباقي مناطق المحافظة، تسيء وتشوه صورة القوات الأمنية بمختلف مسمياتها والتي قاتلت داعش وساهمت في تحرير نينوى".
من جهته، قال الخبير في الشأن الأمني والسياسي مؤيد الجحيشي لـ"العربي الجديد"، إن "المليشيات تهيمن على كل المفاصل الاقتصادية المهمة والحيوية في محافظة نينوى وباقي المدن المحررة، ولهذا نجد هناك رفضاً لإخراج تلك الفصائل من هذه المدن أمام عجز الحكومة العراقية في مواجهة المكاتب الاقتصادية للمليشيات".
وبين الجحيشي أن "المكاتب الاقتصادية للمليشيات تعمل على أخذ المشاريع والفرص الاستثمارية من القطاعات الحكومية أو الأهلية عبر قوة السلاح، وهذا السلاح يشكل خطراً على الدولة والسلم المجتمعي، فهو السلاح نفسه الذي تستخدمه المليشيات في فرض إرادتها السياسية على بعض الجهات السياسية الأخرى وحتى المواطنين في أثناء الانتخابات".
وأضاف: "كل المعلومات تؤكد أن القاعة التي احترقت في الحمدانية هي مشيدة على أرض تابعة للدولة، ولا توجد أي موافقات لهذه القاعة، وهذا ما يؤكد أن القاعة تابعة لأحد المكاتب الاقتصادية للمليشيات المسلحة، وهذا أيضاً يؤكد ضعف أجهزة الدولة في مواجهة سيطرة المليشيات على المفاصل المهمة في نينوى".
وتتوزع أبرز مكاتب المليشيات الاقتصادية تلك في مناطق الموصل الرئيسة مثل أحياء 17 تموز، والشفاء، والرشيدية، والمالية، والوحدة، ومنطقة وادي حجر، كذلك تنتشر العديد من المكاتب للفصائل في مناطق برطلة وبعشيقة وقضاء تلكيف في سهل نينوى الخاضعة لسلطة مليشيات حشد الشبك وبابليون.
ومن أبرز القطاعات التي تنشط بها تلك الفصائل الإسكان والإعمار والبنى التحتية، وكذلك التجارة والاستيراد، وصولاً إلى محطات الوقود ومشاريع الدواجن وتجارة المواد الغذائية.