- الطلاب والعمال واجهوا ضغوطاً من الجامعات التي هددت بإيقاف المنح الدراسية للمشاركين في الاحتجاجات، مما أثار تردد بعضهم في الاستمرار بالمشاركة.
- استمرت الحراكات النوعية رغم التحديات، مؤكدة على الرابط بين قضايا التمييز العنصري، التحرر، والعدالة المناخية مع القضية الفلسطينية، وتعكس تحولاً في الذهنية اللبنانية نحو الوحدة والتضامن الوطني والدولي.
شهد لبنان منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول حراكات لاتحاداتٍ عماليةٍ وطلابيةٍ ونقابيةٍ ونسويّةٍ، كما لنشطاء وأفراد، سرعان ما أطروا أنفسهم في مجموعاتٍ سياسيةٍ انخرطت في معركة فلسطين، فلا لبس أنّ "طوفان الأقصى"، التي مثّلت تحوّلًا نوعيًا عالميًا، قد وضعت لبنان على رأس المعركة مجددًا، وهو البلد الذي هَزمت مقاومته الاحتلال، وأجبرته على الانسحاب من عاصمتها عام 1982، ثمّ من جنوبه عام 2000.
ظهرت أصوات الطلّاب والعمّال في لبنان موحّدةً، رغم تنوّعها الديني والفكري والعقائدي، تجاه قطاع غزّة وحرب الإبادة المستمرّة ضدّ الشعب الفلسطيني، ومتماهيةً مع إيقاع بطولات المقاومة في المنطقة من اليمن إلى جنوب لبنان. كما نستطيع القول إنّ طلّاب لبنان كانوا من السبّاقين في محاولة نقل الحراكات من الشارع والساحات العامّة، ومن أمام السفارات والهيئات الدوليّة والشركات الداعمة للاحتلال، إلى حرم الجامعات منذ شهر العدوان الأول، ومن بينها دخول مجموعةٍ من الشباب إلى إحدى ندوات جامعةٍ خاصّةٍ؛ جامعة القديس يوسف (USJ)، حاملين يافطاتٍ ضدّ الاحتلال والإبادة الجماعية، مستنكرين رعاية مؤسّسةٍ ألمانيةٍ داعمةٍ للاحتلال الصهيوني الندوة، حينها احتجزهم أمن الجامعة لساعاتٍ قبل استدعاء الأمن اللبناني والتحقيق معهم، كذلك استنكار الطلاب استضافة أستاذ الفلسفة في الجامعة الأميركية في بيروت، بشار حيدر، لشخصيةٍ داعمةٍ للكيان الصهيوني (الباحث الأميركي/ الصهيوني أليك وولن)، الأمر الذي أحدث جدلًا، تبعه تحذير الجامعة للطلاب تحذيرًا رسميًا مفاده تهديدهم بإيقاف منحهم الجامعية، الأمر الذي جعل عددًا مهمًّا منهم يتردد في المشاركة في الحراكات اليومية، من أجل استكمال تحصيله العلمي أملًا بالهجرة والعمل في الخارج، وهربًا من المستقبل المعدوم هنا، في ظلّ نظامٍ لبنانيٍ يقوم على التمييز الطائفي في حقوق مواطنيه.
نقلب طلّاب لبنان على ذهنيّة الحرب الأهلية؛ بما يشمل الموقف من قضية فلسطين
على الرغم من ضغط الحراكات الطلّابية على الجامعات اللبنانية لوقف تعاونها واستثمارها مع المؤسسات والشركات التي تدعم دولة الاحتلال، لم يتحقق أيّ خرقٍ على هذا الصعيد حتّى الآن، بل استمرّت إدارات الجامعات بالضغط على طلابها، عبر لفت نظر طلابها إلى إمكانية إيقاف منحهم التعليمية، ونظر أساتذتها لإمكانية عزلهم عن مناصبهم، وهو ما حدث مع د. تاليا عراوي التي فصلت من منصبها في الجامعة الأميركية في بيروت، كما في تجديد الأخيرة لعقدها مع شركة "اتش بي hP" الداعمة للكيان الصهيوني.
على التوازي مع هذه الضغوط؛ حافظ الشارع اللبناني على تحركاتٍ نوعيّةٍ وفاعلةٍ وسط واقعٍ شديد الصعوبة، يتلخص في تهالك الدولة، والانهيار الاقتصادي، وأزمة النظام الممتدة منذ سنواتٍ، والتي شهدت موجات هجرةٍ واسعةٍ للشبان والمثقفين، من هنا نلحظ أن حراكات الطلّاب والمجموعات المستقلّة من مختلف التيارات مؤثّرةٌ في تنوّع فئاتها، وانتماءاتها الفكرية والعقائدية، ما من شأنه تعميق الالتفاف الوطني حول المقاومة بكل أشكالها، إذ انقلب طلّاب لبنان على ذهنيّة الحرب الأهلية؛ بما يشمل الموقف من قضية فلسطين، على الرغم من بعض التناقضات الحادّة في المشهد السياسي اللبناني، التي تتقوقع خارج سياق ما تشهده المنطقة والعالم من متغيرات بعد السابع من أكتوبر. مع ذلك كلّه ليس هناك استثمارٌ وطنيٌ للحراكات العمالية والطلابية اللبنانية، التي تجاهلها الإطار الرسمي كما الإعلامي، لكونها تغرّد خارج سرب الانقسامات الطائفية والمناطقية، التي عملت على تهميش أو تهجير الساعين إلى تحقيق مشروعٍ وطنيٍ لبنانيٍ.
يواصل طلاب لبنان الانخراط في معركة فلسطين، والتواصل مع طلّاب جامعاتٍ عربيةٍ وعالميةٍ، ومع مجموعاتٍ أوروبيةٍ وأميركيةٍ داعمةٍ لفلسطين، وعلى رأسها حركة المقاطعة، بغرض تنسيق الفعاليات، وأساليب الاحتجاج، وتوحيد الإضرابات، وخلق أطرٍ ديمقراطيةٍ أكثر حداثةً، وإشراك مزيدٍ من الأفراد متنوعي ومختلفي الاهتمامات، من قضايا التمييز العنصري والتحرّر، إلى العدالة المناخية، حيث لا مفرّ من ترابط هذه القضايا العادلة مع قضية فلسطين، ما يعكس الوعي العالمي الحالي الذي لخصه إحدى هتافات الطلاب الأميركيين "من النهر الى البحر سنتحرّر كلّنا معاً"، كما لخصه هتافات طلاب وعمال لبنان "من جنوب أفريقيا وغزّة إلى اليمن وجنوب لبنان، سنتحرّر معًا"، و"من بيرزيت لبيروت شعب واحد ما بيموت"، كما هتافاتٍ الشارع اللبناني العديدة المتوارثة من ذاكرة النضال الطلابي اللبناني والفلسطيني في بيروت منذ خمسينيات القرن الماضي، مرورًا بالتضامن الطلابي مع جامعة بيرزيت خلال الانتفاضة الأولى، ثمّ مع طرد طلاب بيرزيت لرئيس الوزراء الفرنسي ليونيل جوسبان من حرم الجامعة بعد تصريحاته المعادية للمقاومة اللبنانية في بدايات القرن الحالي.