يقاوم فندق "ليتل بترا" في البلدة القديمة بالقدس المحتلة محاولات مستمرة من المستوطنين للسيطرة عليه بشتى الطرق، لأنّ سقوط هذا الفندق الصغير المهجور يعني إحكام السيطرة على البلدة القديمة بأكملها، وتهويد باب الخليل في القدس بشكل كامل.
واقتحم مستوطنون، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مجدداً، فندق "ليتل بترا"، في محاولة للسيطرة عليه وتغيير أقفاله وإحداث تغيير فيه، على الرغم من تقديم محامي بطريركية الروم الأرثوذكس مستندات للمحكمة العليا للاحتلال، تبطِل ما يدعيه المستوطنون من شرائهم الطابق السفلي للفندق المملوك للبطريركية المقدسية، فيما يؤكد مالكوه صمودهم وعدم استسلامهم للمستوطنين.
مازن الجعبري: "عطيرت كوهنيم" لن تستفيد من العقارات إذا لم تُخرج المستأجرين الفلسطينيين منها
المختص بشؤون القدس والبلدة القديمة منها، مازن الجعبري قال، لـ"العربي الجديد"، إنه تم تسريب هذا العقار في العام 2004 مع فندق "إمبريال" المحاذي له، ومع منزل يسمى "المعظمية" في حارة باب حطة، بالإضافة إلى دير مار يوحنا وأرض أخرى في بلدة سلوان، من قبل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية إلى جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية.
وصفقة التسريب، وفق الجعبري، تقوم على احتكار "عطيرت كوهنيم" الاستئجار من الكنيسة الأرثوذكسية لهذه الأملاك لمدة 99 سنة قابلة للتجديد. وأكد أن "عطيرت كوهنيم" لن تستفيد من هذه العقارات إذا لم تُخرج المستأجرين الفلسطينيين منها، علماً بأنه يوجد في هذه الفنادق مستأجرون محميون من عائلة قرش، وحسب القانون يجب أن يبقوا في المكان، حتى لو تغيّر مالك العقار.
مراوغة للسيطرة على "ليتل بترا"
ويحاول المستوطنون استخدام أساليب مختلفة حتى يتم إخراج المستأجرين المحميين، مستغلين العديد من القضايا الموجودة عند المستأجرين، وقد رفعوا قضايا لدى محكمة الصلح الإسرائيلية لإخراجهم، بحسب الجعبري.
ولفت الجعبري إلى أن "عطيرت كوهنيم" تحاول تثبيت عملية تسريب هذه الفنادق والعقارات، وبشكل عملي منذ سبتمبر/أيلول 2021، بعدما ردت المحكمة العليا للاحتلال استئناف البطريركية، وثبتت أن الجمعية اشترت الموقع منها.
يُذكر أن المستوطنين يتوزعون في بلدة القدس القديمة على نحو 100 بؤرة استيطانية، تقع جميعها في الحيين الإسلامي والمسيحي، إضافة إلى نحو 4 آلاف مستوطن يقطنون حارة الشرف التي سيطر عليها الاحتلال، وباتت تُعرف بـ"الحي اليهودي"، وسط محاولات مستمرة لتهويد بلدة القدس القديمة.
وأكد المحامي المقدسي مدحت ديبة، الذي تابع حيثيات القضية خلال عملية الاستيلاء واقتحام الفندق مطلع العام الماضي، أن المستأجرين المحميين من عائلة قرش لهم الحق في إخراج المستوطنين من العقار، حيث لا يوجد لهم أي مبرر بالتواجد داخله، مشيراً إلى أن المستوطنين يدّعون حصولهم على قرار من محكمة الاحتلال، بعد محاكمة دامت أكثر من 20 سنة.
وقال ديبة، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد اطلاعي على قرار المحكمة، فإنه لا يذكر أن مالكة العقار بسمة قرش وشقيقاتها من بين المدعى عليهم في هذا القرار، أي أنه غير مُلزم لأصحاب الحقوق الأصليين".
"ليتل بترا"... موقع هام
ويشكل فندق "ليتل بترا" امتداداً وملحقاً لفندق "بترا" في منطقة باب الخليل بالبلدة القديمة من القدس، وهو ملاصق لفندق "إمبريال"، الذي يطل على ميدان عمر بن الخطاب، والمهدد بالمصادرة والاستيلاء لصالح المستوطنين.
ويشرف "ليتل بترا" كذلك على بركة السلطان، التي يطلق عليها الإسرائيليون بركة "حزقيا"، وهي واحدة من بين ست برك مهمة تاريخياً منذ أيام اليبوسيين لتجميع المياه في المدينة قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
متحدث باسم البطريركية الأرثوذكسية: ندعم مستأجري الفندق من عائلة قرش المقدسية
وكان "ليتل بترا" واحداً من عدة أبنية تابعة لفنادق بينها "بترا" و"إمبريال"، في باب الخليل والأعظمية في حي باب حطة المتاخم للمسجد الأقصى، تم تسريبه وبيعه لجمعية استيطانية في عهد بطريرك الروم الأرثوذكس السابق إيرينيوس.
وكان إيرينيوس عُين بطريركاً للقدس في العام 2000، وتمت الإطاحة به من منصبه من قبل مجلس الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية عام 2005. وتم تخفيض مكانته الكنسية إلى راهب، بعد توجيه اتهامات له ببيع أملاك البطريركية عند باب الخليل، في البلدة القديمة في القدس المحتلة، لجمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية. وحلّ مكانه البطريرك الحالي ثيوفيلوس الذي رفض الصفقة، فيما تمكن محامي البطريركية، قبل أشهر، من تقديم مستندات جديدة للمحكمة العليا للاحتلال تبطل عملية البيع وتظهر وجود رشى وعملية تزوير.
فندق "ليتل بترا" ملكية خاصة للبطريركية
وأكد متحدث باسم البطريركية، فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الفندق ملكية خاصة وخالصة للبطريركية، التي تتابع القضية في محاكم الاحتلال، كما تدعم مستأجري الفندق من عائلة قرش المقدسية، التي تدير فعلياً باقي أجزاء الفندق، خاصة طوابقه العليا التي تضم 15 غرفة.
وتنفي بسمة نبيل قرش، صاحبة حق استئجار الفندق في حديث مع "العربي الجديد"، وجود أي نزاع قضائي بينها وبين المستوطنين، وقد أبلغت المحكمة الإسرائيلية بذلك، حيث إن بحوزتها ما يؤكد حيازتها حق الحماية، رغم صفقة التسريب تحت مظلة الإيجار التي تمت في عهد بطريرك الروم الأرثوذكس السابق إيرينيوس، التي لا تعترف بها عائلة قرش.
وأكدت "أنها وشقيقاتها الثلاث يمتلكن حق إدارة الفندق، بموجب حق حماية كان حصل عليه جدها عبد المعطي قرش في أربعينيات القرن الماضي، وتم تجديده من قبل والدها وأحد أعمامها في العام 1996".
يذكر أنّ فندق "ليتل بترا" متوقف عن العمل منذ أكثر من 20 سنة، بسبب القيود القاسية التي يفرضها الاحتلال على إعادة ترميمه، فضلاً عن التكلفة المالية الباهظة لذلك في القدس، لهذا السبب توظّف العائلة شخصاً يتولى حراسته.
تحذيرات من الاستيلاء على "ليتل بترا"
وتخشى بسمة قرش، كما العديد من المسؤولين الفلسطينيين، أن يؤدي الاستيلاء على فندق "ليتل بترا" المهجور إلى سيطرة جمعية "عطيرت كوهنيم" على المبنى الثاني الرئيس "بترا"، متذرعة بالصفقة القديمة التي أبرمت في عهد إيرينيوس.
وحذر رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس الشيخ عبد العظيم سلهب، في حديث لـ"العربي الجديد"، من تداعيات استيلاء المستوطنين على فندق "ليتل بترا". وقال: "نحن ننظر بعين الخطورة لما تتعرض له مدينة القدس من استهداف ممنهج للمقدسات والعقارات الوقفية، الإسلامية والمسيحية، على حد سواء".
عبد العظيم سلهب: ننظر بعين الخطورة لما تتعرض له مدينة القدس من استهداف ممنهج للمقدسات والعقارات الوقفية
وأكد سلهب على "الحق التاريخي والقانوني القائم منذ العام 1967 وقبل ذلك، والذي يخوّل حصراً مجلس الكنائس إدارة كافة شؤون الأوقاف المسيحية في مدينة القدس، اتساقاً مع القوانين والشرائع الدولية التي تلزم بالحفاظ على الوضع القائم واحترامه، بخاصة في مدينة القدس، حسب الأعراف والقوانين الدولية".
وكانت ما تسمى بـ"لجنة التخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال في القدس أقرت مطلع 2022، مشروعاً تهويدياً في باب الخليل، أحد أبواب البلدة القديمة بالمدينة، وخصصت له ميزانية تبلغ 40 مليون شيقل (الدولار يساوي 3.6 شواقل تقريباً)، وسط تحذيرات من أن محاولات الاستيلاء على فندق "ليتل بترا" تأتي في سياق هذا المخطط التهويدي.
باب الخليل... تاريخ الفتوحات
ويعدّ باب الخليل ثاني أكبر الأبواب وأجملها في سور القدس بعد باب العامود، ويقع في الحائط الغربي للبلدة القديمة من القدس. ويشكل هذا الباب أيضاً المدخل الرئيس للمدينة وتاريخها العريق، ويطلق عليه باب الفتوحات الإسلامية و"الغزاة"، حيث دخل منه الخليفة عمر بن الخطاب حين فتح القدس.
وفي المنطقة أشهر ميادين البلدة القديمة، وهي ساحة عمر بن الخطاب.
ويعتبر موقع فندقي "إمبريال" و"بترا" المطلين على ميدان عمر بن الخطاب استراتيجياً، بل مركزياً بالنسبة إلى المقدسيين والحجاج والسياح الذين يتوافدون من باب الخليل باتجاه البلدة القديمة في مدينة القدس، إذ يقعان بين حارتي النصارى والأرمن مقابل القلعة عند بداية السوق التجاري. وتطل شرفات فندق "بترا"، المكون من خمس طبقات و42 غرفة، على البلدة القديمة والمسجد الأقصى وبركة البطريرك وكنيسة القيامة.
ولا تعتبر مخططات تهويد باب الخليل جديدة، فقد بدأت منذ احتلال الشق الشرقي من المدينة عام 1967 عندما تمت مصادرة المنطقة، وإزالة "حي الشماعة"، أو ما كان يعرف بالمنطقة الصناعية الفلسطينية التي بنيت في القدس قبل العام 1948.