فنزويلا تسعى للتغيير بعد 25 عاماً من الاشتراكية التشافيزية

28 يوليو 2024
مقترعون فنزويليون في مركز انتخابي، كاراكاس 28 يوليو 2024 (فيديريكو بارا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الانتخابات الرئاسية في فنزويلا:** تجري في أجواء توتر للرئيس نيكولاس مادورو، مع منافسة من إدموند غونزاليس أوروتيا المدعوم من المعارضة، وسط رغبة شعبية في التغيير بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر منذ 2014.

- **التحديات الاقتصادية والاجتماعية:** رغم تحسن الأوضاع مؤخراً، إلا أن التضخم الهائل والعقوبات الأميركية والغربية ساهمت في تدهور الأوضاع، مما دفع مادورو للاتفاق مع المعارضة على إجراء الانتخابات.

- **فرص المعارضة والتغيير المحتمل:** المعارضة بقيادة ماريا كورينا ماتشادو تراهن على التغيير، مستفيدة من تذمر الشارع، وتعد بإحياء الاقتصاد وفصل السلطات، لكن تشكيل حكومة جديدة لن يتم قبل 2025.

بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية في فنزويلا التي تجري اليوم الأحد، وكانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول القادم، فهي تجري هذه المرة في أجواء غير مريحة للرئيس الحالي نيكولاس مادورو، الذي يصادف عيد ميلاده السبعين اليوم أيضاً. وبعد مرور نحو ربع قرن على الاشتراكية التشافيزية ها هي فنزويلا تصوت على إمكانية انتخاب خليفة لمادورو رفيق درب هوغو تشافيز (توفي في 2013). وفي المنافسة يقف إدموند غونزاليس أوروتيا، مدعوماً من زعيمة المعارضة، ماريا كورينا ماتشادو، وأحزاب من مختلف الاتجاهات على أرضية الرغبة الشعبية في التغيير.

مع وصول هوغو تشافيز في 1998 إلى سدة الرئاسة في فنزويلا البلد النفطي الثري الواقع في أميركا الجنوبية، وعد ببناء ديمقراطية حقيقية وتحرير الناس من البؤس وأغلال الجوع. وعود لاقت تأييداً شعبياً كبيراً وتحول الرجل إلى ملهم في أميركا اللاتينية. أما اليوم فلا تزال فنزويلا تئن تحت وطأة الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ عام 2014، والذي أدى إلى مغادرة نحو ثمانية ملايين فنزويلي إلى دول الجوار. وتستمر أغلبية السكان في البلد النفطي بالاعتماد على الحصص الغذائية بينما بات تأمين الأدوية مسألة عسيرة والتضخم في حالة جنونية، حيث قام البنك المركزي بشطب أحد عشر صفراً من الأوراق النقدية.

فنزويلا على مفترق طرق

ومع أن الأوضاع الاقتصادية بدأت تتحسن في الفترة الأخيرة، إلا أن حجم التضخم الذي وصل إلى نحو 65 ألفاً في المائة والامتعاض الشعبي من تدهور الأوضاع دفع مادورو مضطراً إلى الاتفاق مع المعارضة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على إجراء الانتخابات الرئاسية الحالية. ولا يبشر انقسام المجتمع الفنزويلي وهيمنة السلطات على وسائل الإعلام لمحاصرة أصوات المعارضة، منذ رحيل تشافيز، بأن قبول نتائج الانتخابات الرئاسية سيكون سلساً، فالمعارضة، خصوصاً تلك المدعومة من أميركا والاتحاد الأوروبي، تتهم الحكومة بإمكانية التلاعب بنتائج الانتخابات، بينما حذر مادورو من أن خسارته للرئاسة تعني حدوث "حمام دم" في البلد.

ورغم أن العقوبات الأميركية والغربية التي فرضت على فنزويلا بين عامي 2017 و2018 في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ساهمت في سوء الأوضاع أكثر، جرى رفع بعضها خاصة في القطاع النفطي بعد الحرب الأوكرانية في 2022 ، إلا أن المصاعب التي تواجه التجربة الاشتراكية التشافيزية أصبحت أعمق وتدحرجت ككرة ثلج ضخمة إلى الحد الذي بات يقلق دول الجوار، التي يحكمها رؤساء من الميول اليسارية أيضاً، فالتجربة التشافيزية التي تستمر تحت يافطة الاشتراكية يبدو أنها تقلق رؤساء يساريين في أميركا اللاتينية حيث تتخذها المعارضات اليمينية نموذجاً فاشلاً للتحذير من وصول المعسكر نفسه إلى الحكم في دولهم.

وترتفع الأصوات في أميركا الوسطى والجنوبية التي تنتقد نهج مادورو في الحكم والتعاطي مع المعارضة، على سبيل المثال يعتبر الرئيس الكولومبي الاشتراكي غوستافو بيترو أن الوقت حان للانتقال السياسي، وتحتضن كولومبيا حوالي ثلاثة ملايين لاجئ فنزويلي وتتزايد عمليات التهريب عبر الحدود وتضغط الهجرة على موارد البلد. وكان واضحاً أنه لم يرق الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا تصريح مادورو، الأسبوع الماضي، عن "حمام الدم" في حالة خسارته، وقال دا سيلفا إن "هذه ليست الطريقة التي يجب العمل من خلالها"، منتقداً تصرفات الحكومة في كراكاس مع المعارضة ومشدداً على أنه "عندما تخسر (في الانتخابات) عليك العودة إلى المنزل والاستعداد للانتخابات القادمة". وفي موازاة ذلك تلتقي الرغبة الداخلية والخارجية بحدوث تغيير في فنزويلا وأصبح شعار "التغيير" أساسياً عند المعارضة لتحفيز الناس إلى التصويت لمرشحها أوروتيا.

وخلال 11 عاماً من حكم مادورو لم تتحسن الأوضاع المعيشية في البلد النفطي المنتقل من الثراء إلى حالة من الفقر تضطر سكانه إلى الهجرة. وطوابير بعض المواطنين وهم يبيعون سلعاً بسيطة بدلاً من الوظائف الحكومية لكسب بضعة دولارات، بعد انهيار العملة الوطنية الـ"بوليفار"، تزيد من تذمر الشارع الذي أصبح يميل أكثر إلى تقبل خطاب المعارضة ووعودها. وتزداد فرص المعارضة في الحصول على تأييد شعبي مع توجيهها اتهامات إلى منظومة الحكم بالفساد والمحسوبية، بما في ذلك الجيش الموالي لمادورو وقبله لتشافيز. كل ذلك إلى جانب العيش تحت وطأة غياب الكهرباء والمياه عن أجزاء كبيرة من البلد يرفع من منسوب الامتعاض الشعبي، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من السكان يعتمدون على ما يرسله أقاربهم في الخارج.

أمّا زعيمة المعارضة، ماريا كورينا ماتشادو، التي خففت أخيراً من نبرة مواقفها اليمينية المتشددة، فهي تعتبر أن فوز مادورو مجدداً سيعني أنه "من المرجح توجه نحو خمسة ملايين فنزويلي آخرين إلى دول الجوار، (أي بمقدار نحو عشرين في المائة من السكان)"، كما صرحت قبل أيام من انتخابات اليوم، وفي ذلك محاولة لجذب تشجيع دول الجوار ودعمهم لعملية انتقال السلطة. ويراهن المرشح الرئاسي الذي اختارته المعارضة، اليمينية ويسار الوسط، في إبريل/نيسان الماضي، إدموند غونزاليس أوروتيا (74 عاماً)على خبرته دبلوماسياً سابقاً لتحقيق الرغبتين الداخلية والخارجية في التغيير، حيث إن بعض الاستطلاعات لم تمنح مادورو أكثر من 30%.

وغونزاليس أوروتيا هو دبلوماسي سابق ويعيش في الجزائر العاصمة وبروكسل وبوينس آيرس، ويعد بإحياء الاقتصاد وإخراج فنزويلا من العزلة الدولية من خلال العمل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية للبلدان الأميركية ومنظمة الدول الأميركية وميركوسور. كما وعد بفصل السلطات وعدم تسييسها، مثل المحاكم والنيابة العامة، ويعتزم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، إذ تقول هيومان رايتس ووتش إنه اعتقل منذ 2014 أكثر من 15 ألف سجين سياسي.

وتشعر دول الجوار بالقلق بسبب وقوف فنزويلا على مفترق طرق بات يعمق من مأزق حكم كاراكاس، الذي بقيت شعاراته سابقاً تتوجه نحو الغرب وتآمره على البلد، بينما لا يمكن كيل الاتهامات ذاتها لرئيس البرازيل دا سيلفا مثلاً. وفي كل الأحوال، مهما تكن نتيجة الانتخابات الرئاسية فإن تشكيل حكومة جديدة لن يتم قبل بداية العام القادم 2025. أي ستواصل حكومة مادورو العمل وكأن شيئاً لم يتغير على مستوى الحكم، وهو ما يخيف المعارضة لتمكين منظومة الحكم المتجذرة من التأثير على عملية التغيير المنشودة.